صراع على أصوات القوميين.. من يحسم السباق الرئاسي في تركيا؟

صراع على أصوات القوميين.. من يحسم السباق الرئاسي في تركيا؟

مع عدم تمكّن أي من الأطراف المشاركة بالجولة الأولى في الانتخابات الرئاسية التركية التي أجريت في الـ14 من أيار/مايو الجاري من الفوز بالرئاسة إثر تعذر حصول أي من المرشحين الرئيسيين رجب طيب أردوغان وكمال كليجدار أوغلو على الأغلبية المطلقة (50+1)، استأنف الطرفان حملاتهما الانتخابية للظفر بالجولة الثانية في أجواء سياسية مشحونة.

وقبل أيام قال كليجدار أوغلو مرشح تحالف الأمة المعارض، في حديث موجّه للشباب الأتراك، إن "الشباب لا يأتي إلا مرة واحدة، أمامنا 12 يوماً، يجب أن نخرج من النفق (والظلام)".

ويراهن كليجدار أوغلو الذي يضم تحالفه خليطاً من المحافظين والقوميين والليبراليين من اليمين-الوسط واليسار، على أصوات الشباب، حيث يُشارك حوالي 5 ملايين منهم في التصويت للمرة الأولى، وذلك من أصل نحو 64 مليون ناخب تركي.

ورغم أن تلك الفئة من الشباب الأتراك أعربت عن رغبتها في التصويت، إلا أن المخاوف على مستقبلهم خاصة من الناحية الاقتصادية ما تزال هي الحاكمة لقرارهم، إذ يتردد العديد منهم في الإقبال على المشاركة في السباق الانتخابي المحموم بين أردوغان وكليجدار أوغلو، وهو ما جعل منهم محط أنظار الطرفين.

في السياق أيضاً، هناك فئات أخرى إلى جانب الشباب، وهم فئة المترددين، والتي لا تدلي بأصواتها في صناديق الاقتراع إلا في اللحظات الأخيرة، وهم وفق مراقبين فئة تبحث عن مصالحها الشخصية وتتأثر بالعوامل الاقتصادية وبسعر صرف الليرة مقابل العملات الصعبة، لكنّ تأثيرها على القرار يمكن أن يتم في أية لحظة.

ويضاف إليها فئة "ربات المنازل" أو الناخبون الصامتون"، الذين يشكلون وبحسب مصادر تركية نحو 11 مليون ناخب، إذ من المرجّح أن يكون صوتُهم الأكثرَ حسماً في صناديق الانتخابات.

على الجانب الآخر، نال أردوغان ذو التوجه الإسلامي، وخلافاً لكل توقعات استطلاعات الرأي على 49.5% من الأصوات مقابل 44.89% لكليجدار أوغلو في الجولة الأولى، فيما ذهبت نحو 5% من الأصوات إلى المرشح الثالث القومي المتشدد سنان أوغان.

هل يستمر الزخم ذاته في الجولة الثانية؟

في الجولة الأولى من الانتخابات، حشدت الأحزاب السياسية نحو 89 بالمئة من الناخبين إلى صناديق الاقتراع، وهذه النسبة تُعتبر من الأكبر والأكثر مشاركة على مستوى دول العالم، إلا أن التوقعات تشير إلى تراجع الزخم في الجولة الثانية مع الحفاظ على نسبة عالية من المشاركة.

وفي حين حشد كلا المعسكرين أنصارهما ليلة الانتخابات، لم تفرز نتائج الجولة الأولى أي رابح، ليعيد كلاهما مجدداً رصّ الصفوف بانتظار جولة الحسم يوم الأحد المقبل في 28 مايو الجاري.

وهنا يبدو معسكر أردوغان أكثر اتزاناً في المواقف التي صدرت بعد نتائج الجولة الأولى، وهو ما عبّر عنه الأخير بالقول إنه واثق من إرادة الأمة التركية ومن فوز تحالفه بالانتخابات.

أما كليجدار أوغلو فقد ظهر في صورة "اليائس" وفق ما وصفته صحيفة فايننشال تايمز الأمريكية، حيث تحوّل خطابه السياسي بشكل مثير للدهشة بين الجولتين وسط مزاج "كئيب" إذ خرج على الناخبين الأتراك وأنصاره بمقطع فيديو وهو يصرخ قائلاً: "نحن هنا، نحن هنا" وبدا فيه مضطرباً وغاضباً جداً.

وكان من أكثر الأمور اللافتة بتحول خطاب كليجدار أوغلو السياسي هو تماشيه مع دعاية "تحالف الأجداد" القومي العنصري واعتناق روايته التي تقول بوجود 10 ملايين لاجئ سوري في تركيا، وأنهم سيصبحون 20 ثم 30 مليون في السنوات القادمة، وذلك في مناورة سياسية بكسب أصوات القوميين المتشددين، إلا أن ذلك بدا غير مقنع حتى لزعيم حزب النصر أوميت أوزداغ الذي تهكّم على فيديو كليجدار وقال: "هم 12 مليوناً وليسوا 10 ملايين" في إشارة إلى عدد اللاجئين.

وتعليقاً على ذلك، يقول الخبير بالشأن التركي عبد الناصر صانجي لأورينت، إن "المرشحين يسابقان الزمن من أجل الوصول إلى أكبر شريحة جماهيرية ممكنة في الأيام القليلة التي تفصلنا عن الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، لكن يلاحظ أن هناك ارتباكاً في صفوف تحالف الأمة المعارض بعد خيبة أملهم في فوز مرشحهم كمال كليجدار أوغلو في الجولة الأولى بعكس استطلاعات الرأي التي أشارت لفوزه".

وأضاف: "يلاحظ أيضاً أن الاتهامات الداخلية في حزب الشعب الجمهوري بدأ يعلو صوتها بعد أن دخل خمسة وثلاثون نائباً ينتمون إلى التيار الاسلامي المحافظ البرلمان بأصوات ناخبي حزب الشعب الجمهوري وتحالف الأمة".

أما تحالف الجمهور برئاسة أردوغان فيبدو أكثر هدوءاً وواثقاً من فوز أردوغان في الجولة الثانية، ورغم ذلك قال صانجي إن هناك مخاوف معقولة من قبل قادة التحالف إزاء خمول وتقاعس أنصارهم وعدم الذهاب إلى صناديق اقتراع يوم الأحد المقبل، اعتقاداً منهم أن أردوغان سيفوز في كل الأحوال.

ويرى صانجي أن ملف اللاجئين من أهم الملفات المؤثرة في هذه الانتخابات، خاصة بعدما غيّر كليجدار أوغلو نغمة خطابه الانتخابي وصار يتكئ على هذا الملف لعله يكسب من خلاله أصوات القوميين أو أولئك القوميين العنصريين الذين يدعون إلى ترحيل اللاجئين عامة وليس فقط السوريين.

إلا أن كليجدار أوغلو "يخبط خبط عشواء في هذا الملف دون خطة إستراتيجية واضحة" حسب صانجي الذي رأى أن أردوغان مثابر على موقفه وطريقة تعامله مع الملف ذاته، حيث لا يركز كثيراً على موضوع إعادة اللاجئين سوى حديثه عن إستراتيجية بإعادة مليون لاجئ إلى المناطق الآمنة.

معارضة يسارية بسلوك يميني

ورغم تنوّع توجهات وأيدولوجيات تحالف الأمة المعارض، الذي حاول استقطاب أصوات الأكراد لصالحه في الانتخابات، إلا أنه لم يستطع التأثير على شعبية أردوغان، إذ لم يبدو كليجدار أوغلو مقنعاً في تحريك الناخبين الشباب، وفق علي بلقانلي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة إسطنبول.

ويقول بلقانلي لأورينت نت، إنه سيكون من الصعب على المعارضة الفوز بالجولة الثانية مجدداً، خاصة بعد السقطات التي برزت للأتراك من قبل حزب الشعب الجمهوري إذ هاجم أنصاره منكوبي الزلزال الذين صوتوا لأردوغان، ما ساهم بتأنيب الرأي العام ضده.

ويشير بلقانلي إلى أنه أصبح هناك ما يشبه "انحراف نحو اليمين" لدى "المعارضة اليسارية" التي تخلت عن برامج انتخابية تهم المواطنين الأتراك واتجهت لمهاجمة أردوغان واللاجئين ما يشير لحالة اليأس التي اعترتها عقب فرز نتائج الانتخابات في الجولة الأولى.

بالمقابل، فإن أردوغان يبدو ليس مضطراً لأصوات القوميين المتشددين، إذ كان ينقصه أقل من نصف نقطة للفوز من الدورة الأولى أي حوالي نصف مليون صوت، فيما كان الفارق بينه وبين كليجدار أوغلو 5 نقاط أي حوالي مليونين ونصف مليون صوت وهو ما يصعب سد الفجوة بينهما.

ورقة اللاجئين.. توازن أردوغان

وفي حين يرى مراقبون أن هناك ما يشبه التضخيم لدور سنان أوغان في التأثير على كتلته الانتخابية ومدى قدرته على توجيهها في الجولة الثانية لصالح أحد المرشحين، يؤكدون أن قسماً كبيراً من تلك الكتلة صوتت له لعدم قناعتها بالمرشحين الآخرين أو لتأثرها بخطاب الكراهية والعنصرية ضد اللاجئين.

وحول ذلك، يقول المحلل السياسي التركي مهند حافظ أوغلو، إنه لا يخفى على أحد أن اللاجئين السوريين هم إحدى الأدوات التي يستخدمها المرشحون لتحقيق الفوز في هذه الانتخابات المصيرية، لكن هناك فرقاً في طرح كل من المعسكرين رؤيته بشأن مصيرهم.

وأضاف حافظ أوغلو لأورينت نت، أن حزب العدالة والتنمية يمتلك خطة واضحة وموجودة حتى قبل الانتخابات من أجل إعادة اللاجئين إلى بلادهم، وقد تم وضعها وفق اعتبارات داخلية وخارجية في مقدمتها امتصاص غضب الأتراك ولقطع الطريق كذلك على المعارضة لاستخدام هذه الورقة.

وقال: "أردوغان ليس مع إعادة اللاجئين عنوة أو قسراً بسبب مواقف الانتخابات لكنه أيضاً سيستمر في تهيئة الظروف لعودة الملايين منهم لكسب عدد من أصوات القوميين وبالتالي يسعى أردوغان لخلق توازن بين وجودهم وأهميته من جهة وبين ترحيل أكبر عدد منهم من جهة أخرى".

وتابع: "بالمقابل بنت المعارضة التركية برنامجها الانتخابي على ترحيل اللاجئين والزلزال.. وما يجري الآن هو محاولة لكسب أكبر عدد من أصوات الناخبين المؤيدين لإعادتهم قبل الجولة الثانية".

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات