لماذا ثرنا.. حكايات من إدلب!

لماذا ثرنا.. حكايات من إدلب!
لم يكنِ الثوّار في مدينة إدلب - ولا في غيرها - منذ بدأتِ الثورة –وهذا هو الطبيعي- على درجة واحدة من الوعي، ولم يكُ سبب هذا اختلاف مشاربهم قدر ما كان اختلافهم في الاستطاعة على الإجابة أو الإجابة فعلاً عن السؤال التالي: لماذا ثُرتَ؟، وبطريقة أُخرى.. لماذا شاركت في هذه الثورة؟!.

وكان أهمّ سبب لاختلافهم في الجواب وقوعهم في الكثير من الحالات في "أفخاخ النظام" منذ البداية. ففي نفس الوقت الذي أجاب فيه ح.ب -وهو الآن قائد كتيبة طبعاً مسلّحة- على هذا السؤال لمّا طُرح عليه قائلاً: أريد أن أقتل جميع العلويين!.. أجاب ز.ع – الذي هو الآن في تركيّا بعدما كان ِسابقاً قائد مجموعة أيضاً مسلّحة- قائلاً: أريد أن تصير سورية أحلى من اليونان.. حيث كان يعمل.

أفخاخ النظام هذه ليست شراكاً منصوبة أو ألغاماً مزروعة، لكنّها سنوات كثيرة كثيرة مرّت من حياة السوريين طالما كانت مفخّخة بالتخلّف والجهل ثمّ وبالتهميش والإقصاء؛ بل وبالاستعباد الفعلي للناس وبالاحتكار الكامل للسلطة والثروة والإعلام..، حتّى أن السوري صار لا يرى نفسه إلا مجرّد رعيّة من رعايا سلطان، لا مواطناً.. بل و لا إنسان.

وحين "اندلعت" الثورة.. نعم هذي الثورة المستمرّة.. كان أفضل ما يفعله ذلك "النظام المنصرم" هو المضي في سياسة التفخيخ، لكنه تفخيخ جديد سريع دقيق ومرحلي ومرئي، وذلك بالتعويل على منظومة التربية-الثقافة التي حكمت عقول الناس –أخصّ منهم الثوّار- (طيلة مدّة حياتهم) كي يمكن إفشال مشروعهم المحقّ –وإن لم يكُ واعياً تماماً لديهم جميعاً- بكل طريقة ممكنة.. ولا زلتُ أرى أن الثورة حين تعسكرت وتأسلمت و تذكَّرَتْ.. وقعت في الفخّ، وإن كان ذلك غصباً عن أبنائها في حالة "العسكرة"، أو انتهازاً لهم في حالة "الأسلمة"، أو جهلاً منهم حين غابت الأمّ والأخت والزوجة والابنة فغادرن إلى "قفص الحريم"!.

بعيداً عن عمليات المخابرات الكبيرة وعن القصص التي نعرفها أو نسمع بها.. أنا (والعياذ بالله) أسوق لكم ثلاثة أمثلة..

واحد.. كان لا يقبل بحضور "اجتماع المعارضة الوطنية في إدلب" حين كان يعقد كل ثلاثاء في "نادي الأورينت".. إلا إذا عبّر المجتمعون "صراحةً" على أن غرضهم من الاجتماع بل وهدفهم من الثورة هو إسقاط النظام، ثمّ تبيّن أنه يتّصل فوراً بعد كل اجتماع "على الأقلّ" ليس بضابط مخابرات ولا برئيس فرع مخابرات.. بل بمدير إدارة.. مخابرات طبعاً.

الثاني.. أقصد المثال الثاني واحد كان أقلّ ما يفعله للثوّار يوم كانوا في المدينة أن يطبخ لهم الطعام، وكانت لهفته باديةً على جميع من نهجوا هذا النهج ومنهم أنا، حتّى أنّني لمّا زرته في منزله ذات يوم لم يجعلني مرّةً واحدةً خلال ساعتين كاملتين أشعل سيجارة واحدة بنفسي، وهو نفسه نعم نفسه من اقتحم بنايتنا في العام الفائت مع جيش وأمن و شبّيحة.. لا أعرف، وهدّدني يومها و بعدها.

وأمّا المثال الثالث.. فعن واحد لم يكُ يوماً مع الثورة ولا ادّعى أنّه معها.. بل "مجرّد شبّيح" وأنا لا أعرف اسمه، لكنني التقيت به مرّة في "حانوت" وحكى لي بتأثّر بالغ كم يحبّ ابنته الصغيرة وكيف لا يرى الدنيا إلا من خلالها.. فشجّعني ذلك على أن أسأله: مالكَ إذاً والسلاح؟!، وأجاب: وطني وعرضي!، البارحة شاهدته في حانوت آخر.. أطال لحيته و "حفّ شاربيه" فقلت له بمكر: الله يجعلها عن إيمان..، قال: له يا "أستاذ" أنا بصير متل هالأخوات القحبة؟!.. نحنا خمس شباب من اللي بحبّن قلبك وعنّا بكرة حاجز "بمهمّة إسلامية"!!.

نعم "مهمّة إسلامية" ومهمّة استخباراتية ومهمّات خاصّة كثيرة أُخرى.. أفخاخ في كلّ مكان، منها ما نصبه الغاصب بنفسه طيلة عقود كي يضمن بقاءه ويُبعد عنه الذين يتربّصون به أو الذين يفكّرون بالمطالبة بحقوقهم، ومنها ما نصبه الغاصب فور شعوره بالخطر –بعدما قامت الثورة عليه- بخبث ودهاء ومكر ومهارة.. على عجالة وسرعة وبدون حرفية في أحوال كثيرة، ومنها ما نصبه لأنفسهم وبأنفسهم الناس الذين لم يعرفوا حقيقةً جواب السؤال: لماذا ثُرتَ؟!، فوقعوا في الفخّ الأعظم.. فخّ لأنني أريد ولأنني أرغب ولأنني سأفعل، وليس لأننا نريد ونرغب وسنفعل.

في الحقيقة وفي الواقع وعلى ما أعتقد.. لا يوجد شيء اسمه "ثورة" خارج سياق الخطأ بل والإجرام.. بوضوح أكثر خارج إطار النظام الذي اندلعت الثورة ضدّه، ومن البيئة المفخّخة التي أنشأها، لكنّ المشكلة بل مشكلة المشاكل أن الناس الذين كانوا مع الثورة ضدّ النظام.. صاروا أصنافاً كثيرة، فأصبح منهم من هم ضدّ النظام ومع الثورة لكن والجاه!، أو بات معها وضدّه بشرط السلامة، أو معها –كما يقول- وضدّ كلّ ما هو ليس إسلامياً بنظره، أو هو نفسه الثورة وكلّ ما يرضى أن يفعله "هو" صحيح لأن كلّ ما يفعله من أجلها برأيه، أو أمسى مجرّد ناظر مسلوب الإرادة تارةً يفكّر تارةً يتناسى.. تارةً يبكي..، وفي كل الأحوال ينظّر كثيراً!ً.

على سيرة التنظير وسيرة "اجتماعات الأورينت"، مرّةً كُنّا مجتمعين وبرفقتنا شاب من الذين كُنّا نسمّيهم "شباب الحراك الثوري"، وهو أي الشاب الذي كان لطيفاً ووسيماً قال: نحن الثوّار لا نطلب منكم (أنتم المثقّفون) بل نُطالبكم بأن تلعبوا الدور المطلوب منكم.. صدقاً نحن بحاجة إلى تثقيف، يومها قلتُ له: طبعاً معك حقّ.. لكن من تقصد "بنحنُ الثوّار"؟، قال: أقصد نحن الشباب شباب المظاهرات والأعلام والشوارع.. سألته: ومن نحنُ إذاً؟، أجاب: أنتم منظّرون.

غضبت يومها من هذا الجواب لسببين أوّلهما شخصي وهو أنّني كنت أصنّف نفسي في خانة "غير المقصّرين"، والثاني أنّني مازلت حتّى وقت قريب أعرّف "الثائر" تعريفاً جامعاً مانعاً بأنّه: كلّ من ثار على الظلم والفساد والاستبداد بأيّة طريقة مشروعة من أجل الحصول على حقّه في العيش بحرّية وكرامة وطمأنينة.. ما يعني أن المثقّف السوري الذي مع الثورة بفكره وقلمه هو واحدٌ من الثوّار.

على أيّة حال.. لقد رحل ذلك الشاب اللطيف الوسيم، استُشهد، وبقي حيّاً هذا المثقّف الذي أدّعي أنا -مثالاً- أنّه مجرّد لقب بسيط يُضفى إليّ، وبقي مع النظام الكثيرون من الذين قالوا أنّهم ضدّه.. بدراية واضحة منهم أو بغير قصد، بعناية بالغة منه أو دون جهد يذكر يبذله.. بسبب وقوعهم في أفخاخه ليس الجديدة منها فحسب بل القديمة قِدمه، وبقي على من يرغبون –فعلاً- بالخلاص منها.. أن يُجيبوا من جديد على هذا السؤال –بالأحرى أن يتذكّروا جوابه-: لماذا ثُرنا؟!.

التعليقات (3)

    ملاحظة عامة

    ·منذ 8 سنوات 8 أشهر
    التعليق خالف قواعد النشر يرجى التزام آداب الكلام والارتقاء بلغة الحوار وعدم توجيه الشتائم للعاملين في الموقع.

    أحمد سعيد

    ·منذ 8 سنوات 8 أشهر
    الثورة كشفت جل أبناء سورية ففيها الأحرار الذين هم عنوان الكرامة للسوريين فلماذا لاتذكرهم وتسم عقول الناس بالحثالة لاأنكر عليك الثقافة الأسدية فاحتفظ بها لنفسك وابعد عن تسويق الكلاب فلا حاجة للتعرف عليهم لأنهم موجودون وخاصة في ادلب المدينة اكتب واقرأ ولكن لا تضع نفسك في الموضع الخطأ فما أثرته جملة وتفصيلا لايمت للثقافة ولا للطرح الفكري الواعي الذي يخدم الجيل ولا الثورة المباركة ومقالك يضيف الى أمثلتك الرابع

    سعيد أحمد

    ·منذ 8 سنوات 8 أشهر
    معليش أستاذ صخر في عالم ما بتعرف تقرا أصلا وصارت من جديد تحاول تقرا بس بالنتيجة بالمقلوب، متل هاد اللي اسمو عكس اسمي، بس أهم شي عندن هدول الخلق انو قال مع الثورة هنن والبقية ثقافة اسدية، شبيحة لك خاي و الشبيح اول شرط انو يكون بهيم والبقية تأتي.
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات