منقوشة بقصيدة تمدح النبي.. ما قصة الغرفة السورية المعروضة للبيع بموقع بريطاني؟

منقوشة بقصيدة تمدح النبي.. ما قصة الغرفة السورية المعروضة للبيع بموقع بريطاني؟

لم يكن نشرُ موقع "christie" البريطاني الإلكتروني المختصّ بالتسوق إعلاناً لبيع غرفة دمشقية في مزاد علني مستهجناً، إذ باتت الآثار السورية والمقتنيات التراثية التي تميّز سوريا متناثرةً بين دول العالم، وبخاصة بعد اندلاع ثورة السوريين.

الغرفة الدمشقية المذهّبة والمطلية والتي من المحتمل أنها تعود للفترة العثمانية ما بين عامي 1205- 1790 هجرية، قُّدر ثمنها بين 40-60 ألف جنيه إسترليني، وتتكون من ستة ألواح حمراء تشكّل ثلاثة جدران، كلٌّ منها مزيّن بالأزهار، وأربعة أبواب مزدوجة بمزهريات من الزهور وأوعية من الفاكهة، اثنتان بنوافذ مفتوحة، كل منهما به خراطيش خطّية على طول الحافة العلوية للشعر العربي المكتوب، بالإضافة إلى خمس لوحات رفيعة ذات حقل أزرق مزيّن بأزهار مذهبة وخراطيش مزخرفة تتناوب مع مناظر طبيعية.

 

وبحسب الموقع البريطاني، فإنه توجد على الغرفة نقوشٌ مأخوذةٌ من قصيدة "البردة" في مدح النبي، مما يدلّ على أن مالكها كان مسلماً، كما إن الزخارف والنقوش الموجودة في الغرفة تشير إلى أن الأصل دمشقي وليس حلبي.

وتعليقاً على الموضوع الذي استحوذ على مساحة واسعة في وسائل التواصل الاجتماعي، فقد سارعت المديرية العامة للآثار التابعة لميليشيات أسد، للقول، بأنه تتم متابعة موضوع الأثاث الدمشقي للبحث عن أي وثائق تشير إلى أنها كانت موجودة في سوريا، لافتة إلى أن صناعة هذه الغرف تتم أيضاً في دول الجوار مثل لبنان والأردن وفلسطين، أي في جميع المناطق التي كانت تحت سيطرة الحكم العثماني، وبالتالي من الصعب التأكد أنها خرجت في الوقت الراهن لحين العثور على وثائق.

 

 

 

 

بيع المقتنيات التراثية


ظهور الغرفة الدمشقية لم يكن الأول من نوعه، فقد سبقها ظهور بيت دمشقي عريق، تعود ملكيته لـ "حقي بن عبدالقادر مؤيد العظم"، أول حاكم لدولة دمشق بعد الانتداب الفرنسي وأول رئيس وزراء لدولة سوريا، كما يعود تاريخ تشييده إلى 240 سنةً خلت، إذ ظهر بمحتوياته الكاملة في متحف الشيخ فيصل بن قاسم آل ثاني في دولة قطر، في تشرين أول/ أكتوبر الفائت، وقد جرت عملية تهريبه من دمشق القديمة بين عامي 2014 و2015، على أعين ميليشيات أسد وحواجزه، إذ لم تخرج دمشق القديمة عن سيطرة ميليشيات أسد منذ اندلاع الثورة السورية. وهو ما يعزّز فرضية تحمّل ميليشيات أسد مسؤولية فكّ مقتنيات البيت الثمينة والزخرفية والجدران والأسقف ونقلها عبر الحدود وصولاً إلى قطر.

 

"يتم التركيز على المقتنيات التراثية السورية ولا سيما الدمشقية من شخصيات عربية وعالمية لأنها ذات قيمة فنية كبيرة جداً"، يقول "عمر البنية" لأورينت، مشيراً إلى أن دمشق القديمة تعجّ باللوحات وبالأثاث الدمشقي المشهور والفريد على مستوى العالم، فالبيوت الدمشقية  ذات فنّ معماريّ وزخارف ولوحات جداريّة، ويمتزج الخشب مع الصدف ضمن أثاثاتها، حتى إن العديد من المسلسلات الدرامية صُورت في أحياء دمشق القديمة، وهذا ساهم في تكوين صورة خاصة ومميزة عن البيت الدمشقي.

ويحمّل البنية، وهو صحفي سوري مختص بالتراث والآثار، المديريةَ العامة للآثار والمتاحف ومسؤوليها المرتبطين بشخصيات نافذة على رأسهم أسماء الأسد، مسؤولية تهريب التراث السوري، باعتبار أن المديرية معروفةٌ بتدبيل القطع الأثرية وإخراجها للخارج عبر عمليات الترميم والصيانة، فالفساد التي يميّز هذه المديرية وورشها الفنية هو "سيد الموقف". 

إلا أن المنحى الأخطر بعد العام 2011 -حسب البنية- هو وجود الميليشيات الإيرانية وميليشيات حزب الله داخل دمشق القديمة، والتي تعتبر أكبر راعٍ لعمليات النهب والتهريب عبر الحدود اللبنانية، إضافة لعمليات الحرائق والتدمير الممنهجة للتغطية على السرقات الكبيرة ضمن دمشق القديمة بدءاً من العام 2007 عندما وقّعت على هدم دمشق القديمة والتستر على كل الحرائق المفتعلة فيها، إضافة لتغيير المعالم التراثية كمحطة الحجاز والتكية السليمانية وغيرها.

 

وكانت المديرية العامة للآثار التابعة لميليشيا أسد، قد أوضحت أن القطع التراثية المتمثّلة بالحرف التقليدية ومنها صناعة العجمي والقاعات الدمشقية تختلف معالجة استردادها عن القطع الأثرية لسببين، الأول: أن القطع التراثية من حقّ أي شخص امتلاكها بشرط أن يقلّ عمرها عن 200 سنة بحسب قانون الآثار، والثاني: أن الأثاث الموجود داخل المنازل هو ملك خاص وبحسب الدستور يُحمى هذا الملك لأصحابه.

 

ووصف"البنية" تصريحات المديرية العامة للآثار بـ "غير الموضوعية"، مشيراً إلى أن الهدف منها التستر على الفساد المرتكب من قبلهم، فهي تكذب حتى في عملية تطبيق قانون الآثار السوري، فبحسب قانون الآثار السورية الموجود حالياً أن الملكية الخاصة للآثار لا تخوّل صاحبها حق البيع أو تصديره للخارج دون موافقات المديرية العامة، فكيف هرّبت الغرفة الدمشقية دون علمها؟، متسائلاً في الوقت نفسه عن وجود أرشيف الآثار الذي تعمّدت المديرية حرقه في العام 2007، وما يتضمنه من صور للبيوت ومحتوياتها، فمديرية الآثار كانت قد أجابت الإنتربول سابقاً بعدم امتلاكها أرشيفاً للآثار السورية لتزويدهم به، وهو ما يوضّح منهجية ميليشيا أسد في سرقة تراث السوريين وقوننة نهبه.

وفق تأكيد المؤرخ العالمي "أندرياس كيلب"، فإن تهريب الآثار السورية والإتجار بها كان من اختصاص رفعت الأسد في ثمانينيات القرن الماضي الذي "خرج من سوريا بثروة مكّنته من شراء شارع كامل في باريس". وهذه دلالة على أن عمليات تهريب الآثار ممتدة منذ عقود من الزمن في تاريخ سوريا، فيما يقول عالم الآثار الإسباني "رودريغو مارن"، الذي قاد العديد من بعثات التنقيب في سوريا: "الحقائق تبيّن أن الحكومة تعمل مباشرةً ضد التراث التاريخي للبلاد".

حرائق وتشويه متعمّد


في تموز/ يوليو الفائت، شهدت العاصمة دمشق حريقاً ضخماً التهمَ سوق ساروجة، أحد أسواقها التاريخية الشهير، وامتدّ الحريق إلى بعض المواقع التاريخية والتراثية في الحيّ، كبيت خالد العظم الذي تعرّض جزءٌ منه للحريق، ومن ضمنه مركزٌ للوثائق ومتحفٌ تاريخيٌّ لمدينة دمشق، وقصر عبد الرحمن باشا اليوسف، أمير محمل الحج الدمشقي المدرج على خارطة المواقع الأثرية لوزارة الثقافة، إضافة إلى عدة بيوت أخرى وورشات أحذية وحقائب ومحال تجارية.

الحريق يومها كان قد أثار ضجّة كبيرة، كونه الأضخم بعد سلسلة من الحرائق المفتعلة سُجِّل أغلبها في العام 2016، إذ دفع  الحريق المجلس الإسلامي السوري لتحميل النظام وإيران مسؤولية الجريمة المرتكبة بحقّ ساروجة، معتبراً أن ذلك يشكّل استمراراً خطيراً لعملية التغيير الديموغرافي في سوريا، ومحاولة سلخها عن تاريخها وهويتها وانتمائها.

ولم يقتصر الأمر عند افتعال الحرائق، بل تجاوز إلى التشويه المتعمد للآثار السورية وتغيّير معالمها، إذ أظهرت عمليات العبث العلنية للجامع الأموي في مدينة حلب القديمة على يد مؤسسة الآغا خان المقربة من ميليشيات الأسد، تغييراً لشكل الأقواس التاريخية واستبدالها بشكل يشبه إيوان كسرى ليتوافق مع الهوية الإيرانية والطابع الفارسي.


"بداية فإن نظام أسد حاول الاستفادة سياسياً من ملف الآثار منذ القدم، فقد أتاح للبعثات الأوروبية ولا سيما الفرنسية التنقيب عن الآثار مقابل الحصول على امتيازات سياسية وليست ثقافية كالترويج له في أوروبا"، يقول لأورينت، عدنان المحمد، عالم آثار وأكاديمي سوري، "وقد تابع في منهجيته بتغيير شكل الهوية كلياً في سوريا بعد اندلاع الثورة".


ويعتبر التراث المادي السوري أحد الدلائل المهمة للهوية السورية، وبالتالي فعملية تغيير الديمغرافية السورية مع بقاء الهوية الإسلامية أو الهوية الحضارية السورية عموماً لا يتناسب مع طرح النظام الجديد الذي أرادته ميليشياته مع الإيرانيين، وفق المحمد.

 

وتكمن سياسة ميليشيات أسد بتبديل هوية سوريا بالكامل وتثبيت هوية جديدة للشعب السوري، فما وصل إليه النظام يقوم بتشويهه والمتاجرة به وبيعه، وما يعجز عن الوصول إليه يقوم بتدميره أو إحراقه، يوضح المحمد: "ميليشيا أسد ونظام الملالي معنيان بتغيير التركيبة السكانية وتهجير الأكثرية السنية وهذا الأمر يتطلب تغيير الهوية الثقافية لهذا الشعب من خلال نهب وتشويه التراث الإسلامي ولا سيما الأموي، كما رأينا في المسجد الأموي بحلب الذي يعد رمز المكون السني إلى اليوم، إضافة إلى الغرفة الدمشقية الآن وبيت العظم والحمامات والمساجد العثمانية سابقاً والتي تمّ استهدافها بشكل مركّز إما نهباً أو قصفاً أو بالحرق المتعمد. 

التعليقات (1)

    بدر

    ·منذ 6 أشهر 3 أيام
    المديرية العامة للآثار من افسد واوسخ المؤسسات في سوريا والفساد العلني بدأ مع بسام جاموس المدعوم من عصابات القصر والضباط العلويين وتبعه القزم مامون عبد الكريم صبي اسماء الاسد ... وهذا المدير العام الحالي نظير عوض كان عبارة عن خزمجي لدى بسام جاموس وجابي اموال صغير ... وهذه المجموعات لا رادع لها ولا أخلاق لصوص محترفين ويتبع لهم جيش من اللصوص والمرتزقة والأذناب
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات