اللاجئ السوري الممنوع من حق الحياة وفخ الكاميرا الخفية

اللاجئ السوري الممنوع من حق الحياة وفخ الكاميرا الخفية

من لديه القدرة والإرادة والمال "يطلع"، ومن ليس لديه "يرجع"، هذا آخر تحديث عمّا يمكن للسوري "الدرويش" في تركيا "مثالاً" أن يفعله الآن. 

السوري الدرويش الطبيعي الذي أراد النجاة بحياة أسرته وحياته، فعبر إلى هُنا تحت وبسبب أقسى وأعنف الوطآت الإنسانية البشعة والمواطآت العالمية القذرة، حتّى وكأنّ كلّ اعتبار لهذا العبور لم يكن سوى فخّاً سخيفاً تافهاً على منوال برامج "الكاميرا الخفية"، مثل حلقة ما من حلقاتها هذه الكاميرا السورية العربية الإقليمية الدولية العالمية والكونية التي لا تنتهي، الحلقة التي يربح فيها أحد الضحايا جائزة مالية معتبرة، ثمّ يخبره مُعدّ ومقدّم البرنامج الظريف بأنّ ذلك كان مجرّد مزحة لطيفة، ومن ثمّ يطلبون -بكلّ ودّ- منه التوجّه نحو الكاميرا ليقول للمشاهدين المحترمين: باي باي "كنّا عمنمزح معك". 

ويا ليت كان الوعد بجائزة مالية أو معنوية أو رمزية حتّى، هو منوال حياة السوريين ومستقبلهم أو "مصيرهم" في تركيا أو غيرها، بل هو وبلا أيّ وعد محقّق ولا موعد مسبق، شقاء على بؤس على نكد، ولا يتحمّل ولا يُحمَّل أحد في "تركيا" رسمياً أو شعبياً أسباب بدء ذلك المصير واستمراره، بل يتحمّله أصلاً وفصلاً من هجّر من بقي من السوريين وشرّدهم بعد أن قتل واعتقل ما استطاع أن يعتقل ويقتل منهم، ثمّ أمسك على من لم يستطع الإفلات منه، نظام أسد الخسيس. 

هذا صحيح بالطبع، لكن وبعد كل هذي السنوات الطوال من أعمار الناس فلقد فات أوان القول: "الله معكن"، فهذه الحالة لم تكن حالة زيارة للأقرباء أو سياحة للسفر والفُرجة ولا حتّى حالة لجوء، ففي اللجوء الطبيعي وبحكم القانون الدولي ومعاهداته ينبغي أن يُقدّم للّاجئ سكن ومصروف، وعليه أن يندمج مع مجتمعه الجديد بتعلّم لغته والخضوع للقانون، لكنّ "السوريين" في غير "أوروبا" لا ينطبق عليهم سوى شرط الواجب، وما لهم من حقوق سوى حقوقهم الإنسانية في الصحّة والتعليم، والتمكين من هذا أو من هاتين ليس بحاجة إلى قوانين أصلاً، فهي حقوق أساسية وليست حقوقاً سياسية أو حقوق مواطنة ومشاركة ووجود رسمي. 

ليست مزحةً أن يخرج إنسان من بيته إلى عمله أو إلى الشارع وغيره أو بالعكس، فتتصيّده "دورية شرطة" ليجد نفسه بعد ساعات في "تل أبيض" أو في "إعزاز" وغيرها وهو ابن "القصير" و"الزبداني" وغيرهما، ليست مزحةً أن يُرمى به إلى محلّات ليس له فيها شروى نقير، هذا ليس برنامج "كاميرا خفية"!. 

ثمّة عشرة سنوات من العمل والكدّ والتعب، وعائلة من لحم ودماء وأعصاب، ومن أحلام ومرامٍ وآفاق، هرب كلّ هذا مجتمعاً معاً فقط من أجل "حقّ الحياة"، ذا هو الحقّ الوحيد الذي لا منّة لبشر أو قانون فيه، فهو ببساطة حقّ الله علينا ولا يمكن التفريط به، من يفرّط أو يقف في وجه حقّ الله؟. 

ليس له بها أو لا يمتلك منها أو يمتلكها "شروى نقير" قُصِد بها أو مُثِلَ من خلالها حالة انعدام القدرة على الاستمرار في الحياة، فماذا يعني ألّا يمتلك إنسان ما يعيش في هذا الكوكب "شروى نقير"؟، الفالج الذي يقطع نواة ثمرة التمر، وليس الثمرة نفسها، "شروى نقير" يعني كقولنا: مثل إحسانكم، شروى إحسانكم!.

فات أوان إيجاد حلّ شامل كامل وعادل لقضية اللجوء والنزوح السوري، حتّى بعد رحيل أسد وعصاباته أو القضاء عليهم، وإن كان هذا أساسياً للبدء في الإمساك بزمام أيّة مبادرة لتسوية أوضاع السوريين المهجّرين والمشرّدين داخل سوريا وخارجها، لكنّ أيّة مبادرة لن يمكن أن تنطبق أو تطبّق عليهم جميعاً، وبعيداً عن اللجوء القانوني الحقيقي الذي يؤطّر أوضاع السوريين اللاجئين إلى أوروبا فقط، وهؤلاء بمجملهم ومعظمهم لن يفارقوا مجتمعاتهم الجديدة التي مكّنتهم من الإقامة والعمل ومن الهوية الوطنية بحكم القانون، فإنّ السوريين الآخرين الذين انتهى بهم المطاف في دول الجوار "تركيا"، "الأردنّ"، "لبنان" و"العراق"، أيضاً فإنّ الكثيرين منهم قد شرعوا منذ بداية نزوحهم أو بعده في إنشاء حيوات جديدة بالعمل والدراسة والزواج أو الإنجاب، وبغضّ النظر عن أنواع إقاماتهم في أيّ بلد من هذه البلدان، ولن يكون من السهل أبداً التخلّي عن هذه الأوضاع إلّا بوجود بدائل فعلية حاضرة وعادلة ولو بحدود ما، فلن يمكن أبداً تعويض أحد من السوريين عن خساراته الرهيبة في الأرواح والأموال وفي الأوقات التي مرّت أو ضاعت من الأعمار والأبدان. 

من حقّ الدول والمجتمعات المُضيفة بل من واجباتها أن تحرص على أمنها واستقرارها وأن ترسم سياساتها الداخلية والخارجية في الاقتصاد والسياسة والتنمية لتحقيق هذا الغرض، لكنّ ذلك ينبغي أن يتمّ بكفاءة وموضوعية وتحت مظلّة القانون، وإنّ عدم تطبيق القانون أو تطبيقه بشكل غير صحيح سيفاقم أيّة مشكلة تمّ سنّ القانون أصلاً من أجل حلّها، وهذا كلام بالمجمل، وينطبق على حزمة القوانين التي شرّعت اللجوء أو النزوح ونظّمت أحكامهما، سواء التشريعات الدولية أو تلك الوطنية الخاصّة بكلّ دولة على حدة. 

من حقّ الحكومة التركية وغيرها أن تقمع الجرائم والمخالفات والخروقات على أراضيها بغضّ النظر عن جنسيات وأوضاع مرتكبيها، وأن تطبّق بحقّهم قواعد القانون والتشريعات العامّة والخاصّة، لكنّ رصد عشرات بل مئات الحالات التي لم يتمّ فيها التزام معايير القواعد القانونية والأنظمة، سيرتّب آثاراً سلبية على العموم، والمراجعة الجدّية والحقيقية للتشريعات وللتعليمات واللوائح التنفيذية لقانون الحماية الدولية للأجانب مطلوبة بالتأكيد، لكنّ ما هو مطلوب أكثر الوقوف بحزم وشفافية إزاء طرق وأساليب تطبيق هذا القانون، والأهمّ من هذا وذاك وقف أيّ مظاهر أو تصرّفات عنصرية، وأن يلتفت من يطبّقون القانون وينفذونه إلى القضية السورية التفات فهم وإنسانية، فالسوريون جميعهم والأتراك جميعاً ليسوا أصلاً سوى مجموعات من الشعوب المتقاربة التي عاشت في هذه المنطقة منذ القدم، وتبقى مسألة رسم سياسة خارجية تودي بأسد وعصاباته السافلة أفضل ما يمكن صنعه للسوريين من أجل العودة.   

التعليقات (2)

    محمود

    ·منذ 8 أشهر 3 أسابيع
    مقال ترقيعي ، تركيا أصل بلاء السوريين أهل الثورة ، ودولة احتلال

    أبو العبد المقدادي

    ·منذ 8 أشهر 3 أسابيع
    كان من قِسْمةِ و نصيبِ سوريا أن أتاها ما تحدَث عنه بيتُ الشعرِ الحكيمِ (ما كُنْتُ أُوثِرُ أنْ يمتدَّ بي زمني ** حتى أرى دولةَ الأوغادِ و السّفَلِ) في 8 آذار/مارس 1963 عندما سيطر الاستعمار الفرعوني الغربي الجديد عليها ، ثم تعززت سيطرته بإيصاله عميله الماسوني حافظ الأسد لمنصب الرئاسة في تشرين ثاني/نوفمبر 1970 ، ثم ازدادت سيطرته عندما قامت وزيرة خارجيته القوية بتعيين بشار ابن أنيسة زوجة حافظ عام 2000 في هذا المنصب ، و لا يزال هذا الاستعمار الغربي الجائر مُسيْطِراً على سوريا حتى يومنا هذا . وضع الاستعمار الفرعوني هذا مشروع أسماه "الفوضى الخلاَقة " الذي يقوم بالتمهيد لمشروع آخر و هو "صناعة الشرق الأوسط الجديد المُوسَع" و بمُوجب هذا المشروع الثاني يكون "الشرق الأوسخ" شبه خالي من المسلمين و تحت تحكم الأقليات . تضمن كلا المشروعين قتل أعداد هائلة من المسلمين و تدمير ممتلكاتهم و تهجيرهم بشكل نهائي من ثلاثة مناطق " بلاد الشام و جناحيها الشرقي و الغربي أي العراق و مصر" ثم إحلال مُستوطنين بدلاً منهم و يكون أغلب هؤلاء خليط متعدد الجنسيات من أتباع الدين الشيعي الفارسي . القائد الأعلى للمشروعين هو الاستعمار وهو نفسه من يقود الأعمال العسكرية و السياسية و غيرها من الأعمال و يساعده في سوريا "وكيل مأجور ، عميل مأمور ، مُموَل مجرور , و عبد طرطور" . التحريض على أهل سوريا الذين هاجروا لمنطقتين قريبتين منها هي أعمال يرعاها الاستعمار حيث المُراد دفع اللاجئين إلى مناطق أبعد عن سوريا حتى يتخلى هؤلاء عن حقَ العودة مع إيصال رسالة لهؤلاء بأن سوريا - التي لا تزال مُدمَرة و الخالية من أساسيات المعيشة و التي لا تزال تخضع لأجهزة مخابرات متنوعة و عصابات ابتزاز – لا تصلح مطلقاً للحياة البشرية. لكن الله كبير و ما في أكبر منه.
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات