الثورجيون الوطنيون والثورة البلوى!

الثورجيون الوطنيون والثورة البلوى!

أبشع ما حصل للثورة السورية العظيمة تحميلها مسؤولية ما حدث، تماماً مثلما أراد نظام الجريمة والحقد والعهر أن يحدث، وطبعاً من خلال الأحداث نفسها، الأحداث الرهيبة التي لم يشهد لها العالم مثيلاً حتّى ومع احتساب الحربين العالميتين وغيرهما، فلا حرب أودت إلى قتل واعتقال وتشريد أكثر من نصف عدد سكّان بلد واحد، ولا إلى تدمير اقتصاده ومقدّراته وموارده الطبيعية والبشرية بشكل شبه كامل، مع التذكير طبعاً بأنّها لم تكن حرباً بين دولتين أو دول، بل حرب شنّتها كلّ أنظمة العالم السافلة الغربية والشرقية على شعب أعزل خرج جزؤه الحرّ ليطالب لجميع السوريين بحقوقه الإنسانية الأساسية وحقوقه السياسية. 

إنّ الحديث عن واقع الدمار والألم الذي تعيشه "سوريا" وكأنه نتيجة هذي الثورة وأثرها، جريمة كاملة العناصر تامّة الأركان، جريمة تزوير وتحريف وقتل لكلّ الحقائق، ولا أحد يمكنه ارتكاب هكذا جريمة سوى عن عمد وإصرار، فماذا يعني الحديث عن الثورة السورية العظيمة وكأنّها سبب بلاء السوريين، مع أنّ كلّ ما حدث لم يكن سوى نتيجة ما تعرّضت له من أذىً وتنكيل وتآمر وتدخّل وسرقة وتشويه من جميع مَن حابوها وعادوها، ومن الذين ادّعوا أنّهم في صفّها فأرادوها "على مقاساتهم"، وطفقوا منذ البداية يُعملون فيها أذى وتخريباً؟. 

إنّ من أهمّ ما ينبغي تذكّره دائماً أنّ نظام الهمجية والغدر والخسّة لم يكن وحده عدوّ ثورتنا، بل جميع من تدخّلوا فيها "من الخارج" بزعم المُساندة لكنّما في الحقيقة من أجل تحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية أو عسكرية أو "دينية" حتّى، وهؤلاء لا يمكن إجمالهم أو وضعهم تحت مظلّة واحدة، فليس أوّلهم من دعمها من العرب بالسلاح "دعماً مشروطاً" أو من أخذ من "الغربيين" بيد تمثيلها السياسي مشترطاً السمع والطاعة، ومن تكالبوا عليها "في الداخل" فأمعنوا فيها إجراماً بالقول والعمل، و ليس أوّلهم المعارضين المنافقين ولا آخرهم اللصوص والمجرمين وقطّاع الطرق الذين تسمّوا باسمها، والخُلاصة أنّه كان لدينا دائماً طرفان يعاديان الثورة ويعملان بكلّ مكر وخداع ونفاق لإفشالها وأخذها نحو نقطة نهاية تُقصَم عندها ظهور من بقي من السوريين المنكوبين في كلّ مكان، فلا تقوم لهم بعد ذلك قائمة، ولا تستقرّ بهم أرض ولا حال، طرفان كان أحدهما واضحاً، لكنّ الآخر لم يكن كذلك أبداً وأقلّه في بضع سنوات، ولكنّ ألدّ الأعداء هؤلاء الذي ما انفكّوا يقولون: إنّها كانت سبب كلّ هذا الخراب، وكأنّه كان من المطلوب بقاؤنا رازحين كالحيوانات في زرائب أسد وحظائره. 

من ناحية أخرى نحن نتحمّل مسؤولية السماح لهذه القوى والشرور بالتدخّل في الثورة وسرقتها والقفز عليها في كثير من الحالات، وكثيرة جدّاً هي الشراك التي نُصبت لنا كسوريين والفخاخ التي وقعنا فيها وأوقعنا معها ثورتنا، بدءاً من سكوتنا عن تدفّق المال السياسي والمساعدات المشروطة وتدخّل المنظّمات والمؤسّسات المشبوهة للتوجيه نحو الاعتماد الكلّي على ذلك، والابتعاد تماماً عن أيّة مبادرات وطنية أو مجتمعية، سياسية كانت أو تنموية، وهذا أدّى مع استمراره كلّ هذه السنوات إلى عزل السوريين تماماً ليس عن العالم فحسب بل عن بعضهم، وإلى قودنا جميعاً إلى حظائر جديدة تحت وطأة التجويع والتفقير والتهميش. 

لكنّ الطامّة الكبرى كانت قبول "سلطات الأمر الواقع" ومنذ البداية تحت ذرائع مساهمتها في "التحرير"، ووقوفها إلى جانب الشعب السوري الثائر ضدّ أسد وشركائه، أقلّه على مبدأ "عدوّ عدوّي صديقي"، وهذا ليس صحيحاً أبداً، فالصحيح هو أنّ صديق ثورتي صديقي، وهذا ما لم يحصل أيضاً وعلى الإطلاق. 

الآن وقبل ذلك وبعد أن مرّت كلّ هذه السنوات الرهيبة من المعاناة والألم ولم يتوقّف النزف يوماً، هؤلاء الذين ينتقدون ويهجون ويسبّون "الفصائل الإسلامية" لأنّها: عدوّة الشعب، تتقاتل، تضيّق على حرّيات الناس، تطلق عليهم الرصاص، تأتمر من الخارج، ترتهن بالدولار، تقضي على الثورة، متى وكيف مرّ عليهم كلّ هذا الوقت ليكتشفوا هذه القضية؟. هذه الفصائل لمّا تشكّلت كانت واضحةً وفي منتهى الشفافية، قالت وبكلّ صراحة: نحن لدينا مشروع دنيا، خلافة.. إمارة.. وأمّة، ومشروع آخرة.. جنّة.. وأنهار وحور عين، ولم تكذب علينا أبداً فقالت: نحن مع الثورة السورية الهادفة لبناء سوريا "الموحّدة" "الديمقراطية" "المدنية" و" العلمانية"، لم تكذب مطلقاً، ولم تنحرف قيد أنملة عن مبادئها المعلنة، وبغضّ النظر عن تصوّراتها عن الإسلام و خططه و مشاريعه، فلقد كان كلّ شيء يزعمونه و يهدفون إليه صحيحاً من وجهة نظرهم، و كان من الصحيح لديهم أيضاً التمسّك بمبدأ الولاء للذين آمنوا و البراء من الذين كفروا كما لقّن (شبابنا هؤلاء) في البراري خلال بضع سنوات، بعدما زارهم القطري والسعودي والقوقازي والمرّيخي سائلين عن أموالهم (لمّا انصرف المقتدرون عنهم) وعن صحّتهم (حين هاجر الأطبّاء إلى ألمانيا) وعن سلاحهم (بعدما رحل الضبّاط إلى تركيا) وعن دينهم (وقد امتنع مشايخ تسميات مظاهرات أيّام الجمعة عن الردّ على مكالماتهم).  

الصمت الناطق

المشكلة (وذا زبدة الحديث) أنّه تمّ استخدام هؤلاء الشباب استخداماً لمحاربة النظام كمجرّد أدوات تُستعمل لهذه الغاية، كما تمّ تصوّر أنّ "الإيديولوجيا" التي تحكمهم وتحكم كلّ تصرّفاتهم هي أمر مؤجّل وسيمكن نقاشه وتغييره فيما بعد، والمهمّ الآن أن يقوم هؤلاء الشباب بمهمّة قتال النظام فيقتَلون أو يجرَحون أو تقطّع أوصالهم أو يرثون العاهات الدائمة، المهمّ.. يقاتلون النظام وبالنيابة عن الوطنيين السوريين الذين يحبّون الثورة كثيراً.. لكنّهم فقط ينتظرون أن تنتصر، بالدعاء، بالانتظار، بالتحليل، بالتوجيه والإرشاد، بالاجتماعات المؤتمرات والمفاوضات، بأيّ شيء لا يمكنه إسقاط النظام بل إنّه من المفضّلات لديه، أوَ ثمّة ما هو أفضل له من "الصمت الناطق" مثل الذي يستعمله تعبيراً للردّ على غارات إسرائيل؟. 

مثل النظام الذي استعان بروسيا وإيران وشياطين الإنس والجنّ، أراد "الثورجيون الوطنيون" استعمال الفصائل الإسلامية لكن بشروط أهمّها عدم تحمّل مسؤولية الخسارة وعدم تمكينها من الاستمرار!، يعني أنت تقاتل النظام وحين تخلص من ذلك نخلص منك، ويا له من تصوّر أحمق، كما إذا تصوّر النظام هذا من روسيا وإيران وأوباشهم. 

ماذا سيفعل "الثورجيون الوطنيون" الذين استيقظوا أخيراً ليجدوا المارد الذي أخرجوه من قمقمه أو فرحوا به وسُرّوا أيّما أيّما سرور، يأبى العودة بعد أن تمكّن من السلطة والنفوذ، ولن يقول لأحد أبداً "شبّيك لبّيك"!، "الثورجيون الوطنيون" الذين ما انفكّوا يقولون: شفتوا ثورتكن لوين وصلتنا؟. 

التعليقات (1)

    زاهر احمد

    ·منذ 10 أشهر أسبوعين
    شكرا شكرا
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات