هل تخلق الثورة القيم سامية؟

هل تخلق الثورة القيم سامية؟

يظن من هم على خلق نزيه بأن العقلية سريعة التغير في الحال الثورية، وإن القيم ستشهد انقلابا عاصفا مناقضة لقيم مجتمع الاستبداد والفساد وعلى نحو فوري. وان الثوري سيرتقي بسلوكه الى مستوى الزهد، وان المثقف الثوري سيضرب به المثل بالترفع عن المبتذل.

وعندما رأى هؤلاء النزهاء  ما يناقض ظنهم راحوا يشعر بخيبة أمل تصل حد الشعور باليأس.

هناك أمران يساعدان على التقليل من خيبة الظن هذه وهنا بعض الظن ليس إثما.

الأمر أﻷول: إذا كان صحيحا ان الذهنية الثورية وقيم الثورة والسلوك الثوري  حالات مناقضة لذهنية وقيم وسلوك الحال الماضية فإن القيم والذهنية بطيئة التغير وبالتالي فان السلوك -بوصفه مرتبطا بالذهنية والقيم-هو اﻵخر بطيئ التغير. وان ثقافة عقود من الزمن و وقد صارت جزءً منها مكونا لاشعوريا في النفس لا يمكنها ان تختفي عبر زمن قصير.

وهذا واضح من ظهور الحوار داخل المعارضة في صيغته العنفية في أحيان كثيرة يصل حد اﻹقصاء مع ان الحوار هو ثقافة اﻹعتراف.

الأمر الثاني: إن الحالة الثورية ليست فضاء دائما من الزهد والتسامح والتعفف عن السلطة وخلوا من الصراعات والتناقضات. إنها خليط من التمرد والعنف واﻹستئثار بالسلطة والفداء. لكنها رغم هذا تؤدي وظيفة تحطيم العالم القديم.

والعودة الى تاريخ الثورات الكبرى في التاريخ أمر مفيد .بل إن القوى الثورية غالبا ما تنتقل من الصراع مع عدوها إلى الصراعات الداخلية أثناء الثورة على نحو عنفي، ثم على نحو دموي بعد انتصار الثورة.

وما ظاهرة الإنحطاط الأخلاقي المتمثل بالإفتراء الصادر عن بعض المثقفين بحق الآخرين إلا الصورة الأكثر قتامة في الحياة الثورية السورية.

أخلاق الفئة الحاكمة الريفية

فلقد تحولت أخلاق السلطة الحاكمة إلى أخلاق منتصرة، وكونت على امتداد نصف قرن ذهنية العنف ونفي الآخر.

بل إن الفجور اللاأخلاقي  الذي نشهده والصادر حتى عن معتقل  سابق فجور لا مثيل له في تاريخ الثورات.

ولا يمكن تفسير  الفجور الافترائي  الشتام  لكائنات تعلن انتماءها للثورة  إلا بوصفه امتداداً لأخلاق الفئة الحاكمة الريفية، أو ثمرة عقد خاص مع أجهزة الأمن التي أخرجته من السجن لقاء دور يقوم به ضد أية معارضة للنظام، او صادر عن علة عقلية نفسية وشهوة حضور عاجزة، أو ثمرة انحطاط أخلاقي أسروي وتربية في حقل هذا الانحطاط، أو ثمرة هذا كله.

لكن هذا يجب أن لا ينسينا  المعتقلين الذي أمضوا في سجون الأسد وهم يمارسون اليوم دوراً ثقافياً ونظرياً وأدبياً وأخلاقياً ذا أهمية في حركة التاريخ السوري. 

وإذا لم نتفهم الحالات التي أثمرت عن الثورة  ونعمل على تخفيف آثارها السلبية عبر فهمها ودراستها فإننا  سنزيد  عثرات جديدة على العثرات  الواقعية إن نحن حولنا الصراعات مع هؤلاء   إلى طقوس شجارية .

وهنا يبرز دور المثقف الأخلاقي وخطابه الرديكالي الذي لا هوادة فيه في نقد الجانب الأخلاقي السلبي والذهنية الموروثة،بعيدا عن المشاجرات التي لا تسمن ولا تغني عن جوع. فالإختلاف الثوري لا يكون ذا أثر محمود إلا في حقل الإعتراف بالحق.أما نزعة مدح الشبيه وذم المختلف فهذه ذهنية ريفية ما قبل سياسية وما قبل مدنية.

ولكي لا يتكدر خاطر أحد من حديثنا عن الذهنية الريفية،فإن الذهنية الريفية طريقة  في التفكير والسلوك وردود الفعل عامة وليست وقفاً على من هم من أصول ريفية،إذ يمكن وصف من هم من أصول مدنية بأصحاب ذهنية ريفية ،والعكس صحيح.

الذهنية الريفية: من المدح إلى الذم

إن أس المشكلة في الثورات بعامة يكمن في الموقف من الآخر المختلف في حقل الثورة ذاته. تقوم الذهنية الريفية على مفهوم التشابه، فالشخص الجيد هو الشخص المشابه لي، الشخص الذي يشبهني يأخذ علامة كاملة من المديح، فيما الشخص المختلف عني ينال مني علامة الصفر.

ولهذا فإن سرعة الانتقال من مدح شخص بعينة إلى ذمة لا تحتاج إلا إلى اختلاف بسيط.

والثورة بهذا المعنى لم تخلق انتصار الآخر المختلف في حقل الحالة الثورية،وأنا هنا لا أتحدث عن التضاد بين الموقفين الديمقراطي والأصولي الإسلامي.

هذا لا يعني عدم ممارسة النقد داخل الحقل الثوري، النقد بوصفه منهجاً في الدفاع عن الحق والحقيقة في لباس قيمي رفيع المستوى.

الاستبداد الريفي الطائفي 

إنا نواجه مشكلة من أعوص المشاكل، في سوريا وبلدان شبيهة ألا وهي: إن الاستبداد الريفي الطائفي بوصفه تحطيماً للقيم كلها،وبخاصة قيمة الآخر المختلف،هذا الاستبداد وعِبر أكثر من نصف قرن قد عمم ذهنيته الريفية الاقصائية مجتمعياً،وحطم مفهوم الاعتراف بالمختلف،وعمم لغته السوقية في ذم المختلف. فالخطاب ولغة الخطاب أحد أهم المعايير في الحكم على قيم الاختلاف. 

ومن الطريف بالأمر بأن لغة الذم السوقية للآخر المختلف هي واحدة عند شاعر سابق وأكاديمي سابق، وسجين سابق، وعالم لغوي سابق،فيسبوكي عادي. فكيف تأتى أن تشابه العامي والمتعلم والمبدع في اللغة المعبرة عن ذم الاختلاف؟

ولعمري بأن انتصار الذهنية الريفية الاستبدادية في أحلك صورها هو ما يفسر انحطاط لغة الخطاب المتعلق بالاختلاف. فالاستبداد الريفي جعل الشتيمة طقس من طقوس الإهانة،وشيئاً فشيئاً تحول هذا الطقس إلى أخلاق عامه قار في الذهنية .

وأعود للسؤال: هل الثورة قادرة على تحريرنا من هذه الذهنية؟

الجواب إن التحرر من ذهنية أصعب من تغيير النظام السياسي وأعقد، لأن التخلص من الذهنية يحتاج إلى جيل جديد يكتسب ذهنية جديدة من سلطة دولة ونخبة تقيم قطيعة من الاستبداد الريفي المدمر للحياة.

التعليقات (3)

    Subdus

    ·منذ سنة 6 أشهر
    الثوره لا تخلق اي قيم ساميه اذ لم يكن الانسان ثائر ويثور على الظلم من منطق سامي... اما امثالك من البعثيين السابقين والفاشست الحاليين من اخونجيه ودواعش فهم يحكلون في قلوبهم الحقد وما يقومون به هو محاولة السيطره على الحكم من خلال السلاح لانكم مرتزقه وقتله مثلكم مثل من تثورون عليه.. يعني بالاول خليك بني ادم ومحترم واترك فاشيتك وثورتك ستكون ساميه..,وإلا قهي انقلاب على الانقلاب ومحاولة زرع شر في شر اخر

    soooon101

    ·منذ سنة 6 أشهر
    ماذا تقصد يا سيد برقاوي بالذهنية الريفية؟ ولماذا هذا الاستعلاء على أبناء الريف؟ ألم تكن فلسطين كلها ريف ومدن ريفيه باستثناء القدس وحيفا ويافا؟ كفى تهجما على أهل الريف أيها الفلسطيني الشوفيني وكأنك من أبناء الشانزليه

    علوي علماني

    ·منذ سنة 6 أشهر
    استاذي الدكتور برقاوي يؤسفني اني قلك انو عشرتك لغسان عبود جعلتك طائفي متله.. والمقال مقصود فيه العلويين حصرا.. والذهنية الريفية اللي متقصدها هي ذهنية العلويين المتخلفين من وجهة نظرك لانك متقول: أخلاق الفئة الحاكمة.. ومتحكي عن الاستبداد الطائفي الريفي.. وحاطينها بالبونط العريض. يعني ابقي فيه حيا... وابقى فيه خجل. مقالك مليئ بالطائفية ضد العلويين والعنجهية ضد أبناء الريف. ومع احترامي الك استاذي وللسنوات اللي درستني فيها بس آفيني قلك الا انو مقال ساقط. قدر سقوط البرقاوي الماركسي السابق والمتمسح الخالي بالبرجوازية العفنة في دبي
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات