تسع سنوات مرت.. وما زالت ذكرى المجزرة التي هزت وجدان السوريين تطرق مخيلتهم. تسع سنوات.. وما زال الجرح ينزف في نفوس من عايش أو سمع أو رأى آثار أفظع مجزرة اُرتكبت بحق شعب خرج يطلب الكرامة والحرية، وصاح قلبه قبل حنجرته "مالنا غيرك يا الله" مئات الجثث تناثرت هنا وهناك، من دون دماء أو أشلاء، فقط استلاب لنَفَسٍ خرج ولم يرجع في لحظة اختناق مروعة لأطفال قضوا بين يدي آبائهم وأمهاتهم بتاريخ 21/8/2013 في غوطة دمشق التي كانت محاصرة من قبل مليشيات أسد الطائفية.
بمشاركة منظمة الدفاع المدني، إدلب أحيت ذكرى المجزرة مع ذوي ضحايا المجزرة على أضواء الشموع، ضمن فعالية خلت على غير العادة_ من هتافات التنديد والشجب، وحملت رسالة صامتة بليغة لمن بقيت عنده ذرة إنسانية وإيمان بضرورة محاسبة المجرمين. أورينت نت كانت لها وقفة مع ذوي الضحايا وجولة مع المتظاهرين وعادت بالتقرير التالي:
شهادات لا تنسى
21/8/2013 يومٌ يستذكر فيه السوريون من قضوا دون ذنب، يحيون ذكرى جريمة إبادة ضد الإنسانية ارتكبت على مرأى ومسمع من العالم، ليبقى المجرم طليقا، وليبقى ما حدث دليلاً على وحشية نظام الكيماوي ونفاق وتواطؤ.. ففي فجر 21/8/2013 كان الناس الآمنون على موعد مع فجر غير اعتيادي، لن تُنسى وقائعه، بعد أن قامت ميليشيا أسد باستهداف منطقتي الغوطة الشرقية والغربية بريف دمشق بعدد من الصواريخ المحملة بالمواد السامة وغاز السارين القاتل، وعن تفاصيل الاستهداف وآثاره تحدث لأورينت نت (أحمد الأحمد) الناطق باسم مركز توثيق الانتهاكات الكيميائية في سوريا قائلاً "ما بين الساعة الواحدة والثانية والنصف فجراً، قامت قوات نظام الأسد المتمركزة في جبل قاسيون ومطار المزة باستهداف بلدتي زملكا وعين ترما بالغوطة الشرقية ومعضمية الشام في الغوطة الغربية بعدد من الصواريخ من طراز أرض- أرض محملة بغازات سامة، الأمر الذي أدى لمقتل 1461 مدني وإصابة الآلاف، وكانت الضحايا كالتالي:
113 طفلاً
206 سيدة
1142 رجلاً
وحوالي 5600 مصاب"
وخلال تجوالنا بين المتظاهرين، نادانا رجل خمسيني ممتلئ بملامح القهر وقد خالطت الذكرى دموعه السخية على وجهه المتعب. أحب أن يدلي بشهادته كونه أحد المتضررين من تلك المجزرة وقال:
"اسمي أبو خالد الخابوري من سكان الغوطة الشرقية. أذكر ذلك اليوم تماماً، فبعد هدوء عمّ المكان وخلا من أصوات القصف وأزيز الصواريخ، نمنا مع أطفالنا بحذر، نعم كنا نتوقع أن نسمع صوت انفجار أو نشم رائحة بارود، لكنّ الذي حصل كان على غير العادة، حوالي الساعة الثانية بعد منتصف الليل تعالت صرخات المستغيثين وأصوات أبواق السيارات تكسير النوافذ وخلع الأبواب، لم أسمع حينها أي صوت انفجار أو تحليق طيران، الأمر الذي زاد حيرتي وتخوفي، هرعت للمكان ونزلت للشارع، لا أعرف ماذا أفعل أو أين أتجه، لا دمار ولا حريق أحدد من خلالهما مكان الاستهداف، تجمعت مع جيراني وقمنا بإخلاء المصابين والشهداء، وبقينا حوالي ساعتين نقدم المساعدة ولا نعرف حقيقة الاستهداف، ونسيت عائلتي، لم أتوقع أن يلحق بهم أذى لعدم وجود قصف اعتيادي أو شظايا متناثرة، عدت للمنزل لأتفاجأ بموت طفلي ذي العام الواحد وإسعاف زوجتي لأحد المراكز الطبية، كان وجه طفلي منتفخاً والزبد يسيل من فمه، وقد غلب عليه اللون الأزرق، وبعدها بدأت تتوافد فرق الإسعاف والإنقاذ لنعرف بعدها أن الاستهداف كان بغاز السارين السام، يوم لا يمكن أن أنساه أو أنسى فظاعته، ولا أنسى مشهد الشهداء الذين كانوا بالمئات.. هل تتخيل مئات الجثث من الأطفال والشبان المختنقين تحيط بك؟ لا أنسى حركات الاختلاج اللاإرادية للمصابين الذين يبحثون عن شهقة هواء، وهل تتخيل بعد كل تلك الجريمة الكبرى ألا يحاسب الفاعل بل يتحدثون عن مصالحة معه.. حسبي الله ونعم الوكيل، حسبي الله ونعم الوكيل.
نائب مدير الدفاع المدني: نشر رسالة تضامن
كان للدفاع المدني السوري الدور الأبرز في تنظيم وقفة الشموع في ذكرى مجزرة الغوطة (منير المصطفى) نائب مدير الدفاع السوري حدثنا عنها بقوله "نريد إحياء ذكرى ضحايا هجوم الغوطة إضافة لأكثر من 217 هجوماً آخر موثقاً شنّها نظام أسد بالأسلحة الكيماوية بحق المدنيين، ونريد تكريم جميع ضحايا الهجمات الكيماوية حول العلم، ونشر رسالة تضامن مع أسر الضحايا ونذكر العالم بهذه الجريمة المروعة بحق الإنسانية جمعاء وليس السوريين فقط، وتريد تسليط الضوء على الحقيقة حتى لا تترك هذه الفظائع في الظلام وحتى لا تتكرر مره أخرى في المستقبل"
تعتبر جريمة الاستهداف الكيماوي للغوطة في أفظع الجرائم التي أضيفت لسلسلة انتهاكات كانت ولا تزال ترتكب بين الحين والآخر من قبل ميليشيا أسد وداعميه على مرأى ومسمع العالم يتغاضى عنها القاصي والداني، وتبقى الجهود المحلية تحاول التخفيف من الآثار السلبية لأي هجوم من خلال معالجتها بعد الحدوث ووضع خطط وقائية قبله، ولعل أبرز تلك الجهود تتمثل بالدفاع المدني الحاضر بكل زمان ومكان وعن دوره تحدث (منير المصطفى) نائب مدير الدفاع المدني السوري وقال " لدى الدفاع المدني السوري فرق مختصة بالاستجابة للهجمات الكيمائية وتوثيق الحوادث وفق المعايير الدولية، واستجاب لعشرات الهجمات الكيميائية وتوثيقها لتقديمها كدليل لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية عبر فرقه المختصة التي كانت تجمع العينات من أماكن الهجمات وعلى أعلى درجات المهنية، ويؤكد الدفاع المدني السوري مواصلة السعي لتحقيق العدالة"
مركز توثيق الانتهاكات الكيماوية: مشاريع المحاسبة لن تتوقف
من جهته أكد (أحمد الأحمد) الناطق باسم مركز توثيق الانتهاكات الكيميائية في سوريا على ضرورة محاسبة المجرمين وقال: "هجوم الغوطة هو من الهجمات التي لم تحقق بها حتى الآن أي آلية تتبع لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية سواء JIM آلية التحقيق المشتركة أو IIT فريق تحديد الهوية، وبكل تأكيد نحن على تواصل دائم مع المنظمات والهيئات الأممية وهناك عدة مشاريع نعمل عليها معاً فيما يخص المحاسبة لكن الأمور تتقدم للأسف ببطء، وردهم على هذه الذكرى كان رداً دبلوماسياً كالمعتاد يؤكد على ضرورة محاسبة النظام السوري على جرائمه وعلى ضرورة تحقيق تقدم سياسي في سوريا بدون التطرق للسبل والآليات لتحقيق ذلك وبدون جدول زمني"
كذلك أكد (الأحمد) "نحن في مركز "توثيق الانتهاكات الكيميائية" حريصون كل الحرص على إبقاء هذه المجازر حيّة في ضمائر العالم أجمع، لذلك نقوم وبشكل دوري بمخاطبة الجهات الدولية الفاعلة في هذا الملف ونقوم بإنتاج أفلام وثائقية وبين الحين والآخر نطلق حملات تهدف للتذكير بهذه المجازر وتجدد المطالب في محاسبة النظام السوري، فضلاً عن متابعتنا شبه اليومية لهذا الملف وكنا وما زلنا نقدم كافة أشكال الدعم للبعثات الدولية التي تحقق في الهجمات الكيميائية في سوريا.
التعليقات (0)