الإنسان في وعي الدكتاتور

الإنسان في وعي الدكتاتور

يذهب الدكتاتور في زيارة عائلة فقدت معيلها في معركة مع خصومه، ومن أجل بقائه في السلطة

إنه يصافح الأم المترملة، والأبناء الأيام، والابتسامة مرسومة على كل قسمات وجهه، إنه غير قادر حتى على تمثيل الحزن. 

ما الدكتاتور؟

الدكتاتور كائن انفرد بالقوة واستخدامها التعسفي، وسعى دائماً على حمل الشعب على الاعتراف به عن طريق القوة والعنف وجيش من العبيد، وفاقد للقلب والضمير. هذا يعني أنه يلغي ماهية الاعتراف بالآخر ولا يعترف بحق اﻵخر. إنه في هذه الحال يدمر فكرة الإنسان في أجلى مظاهرها المعاصرة.

كل  من  يحمل  اﻵخر  على  الاعتراف  به عبر  القوة  والعنف هو  مشروع  قاتل  وبالتالي  قاتل  بالضرورة. القتل عندما يواجه  ثورة  استعادة  الحق . السلطة الغاشمة، بالأصل، هي السلطة التي تقوم بلا اعتراف وعن طريق الغلبة بالقوة.

ولهذا كل السلط الغاشمة تحتكر القوة العسكرية واﻷمنية وتوقف فكرة القانون المعبر عن حق جميع الناس بلا  استثناء. فهي إذا سلط قاتلة بالضرورة، نافية للإنسان وحقه في الوجود، بل تحول الإنسان إما إلى عبد ممكن، أو عبد واقعي، أو ميت ممكن أو ميت حقيقي.

الدكتاتور العسكري- والدكتاتور والأصولي شيء واحد-  يتعاملان مع أنصارهما ككمية من النقود في جيبيهما يصرفانها على طاولة القمار وعلى ملذاتهما الشخصية .

ولهذا فإن تحرير المجتمع من الديكتاتورية بكل أشكالها تحرير المجتمعات العربية من أخطر اعتداء على الإنسان، الاعتداء الذي يحول البشر إلى أشياء

فوعي الدكتاتور بذاته على إنه الحر الوحيد يحمله على النظر إلى الإنسان بوصفة أداة، وإلى أتباعه وأعدائه إلى إنهم أشياء فقط. لكنها أشياء لا تحوز على قيمة . فملكية الأشياء تحتل لدى صاحبها على قيمة، فيبني معها علاقة حب.

فصاحب البيت يحب البيت، ومالك المصنع يحب المصنع، وهكذا. فيما الطاغية وبخاصة في صورته الأيديولوجية والشرقية لا يبني علاقة اعتبار لما يملك من العبيد، فهذه الأشياء ذات وظيفة واحدة هي حياتهم ليست سوى شيء من أجل الموت حفاظاً عليه، فإذ كان الدكتاتور الأيديولوجي يمتلك فكرة أثمن من عبيده، فإن الدكتاتور الفارغ لا يملك سوى فكرة واحدة ألا وهي تمسكه بالسلطة، ولهذا فهو يسلك أحط أنواع السلوك النافية لحق الحياة.

أجل ينظر إلى عبيده بوصفهم كمية من القوة التي بيده، وإلى رافضيه بوصفهم أشياء قابلة للفناء

فهو بهذا المعنى العدو المطلق للإنسان. وكل من يرضى أن يكون نقودا في جيب الديكتاتور مشروع قاتل ومقتول.

الحرية الحرية ليس سوى الحرية. والكفاح من أجل الحرية كفاح تحرير لانتصار مفهوم الوطن وولادة الموجود الإنساني وتحويل كل شيء إلى إنساني.

الحرية -والديمقراطية حرية-يعني تنظيف الحياة من الوسخ التاريخي الحاكم ،من المالك للنقود ومن الكائنات- النقود.

الحرية لا تنفصل عن الاعتراف ، الاعتراف منح الشرعية. لا شرعية بدون اعتراف. حكم لا يقوم على الاعتراف أو على اعتراف ضئيل حكم فاقد الشرعية، سلطة تعسفية  ليس نظاما سياسيا. فلا سياسة دون اعتراف بالحق الكلي الشامل.

المفارقة بأن المعترفين بالدكتاتور هم بالنسبة له ما عادوا بشراً، إنهم أشياء يملكها فقط. لذلك هو لا يصيبه الحزن على عبيده.

استعادة معنى الإنسان بوصفه غاية، يجب أن يكون أساس كل كفاح ضد الدكتاتورية، أما الكفاح ضد الدكتاتور من أجل حكم دكتاتور آخر، فهذه كوميديا سوداء، صحيح بأن البشرية لم تصل بعد إلى مرحلة ينتصر فيها الإنسان على إنه غاية، لكن البشرية وصلت مرحلة صار ينظر فيها إلى الدكتاتوريين من كل الأنواع على إنهم نمط من القتلة للإنسان، وحرمان من أن يكون غاية. لكن البشرية وصلت مرحلة صار ينظر فيها إلى الدكتاتوريين من كل الأنواع على إنهم نمط من القتلة للإنسان، وحرمان من أن يكون غاية.

 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات