قول بالنزاهة الثورية

قول بالنزاهة الثورية

يقول المعجم العربي: النزاهة هي (البعد عن السوء وترك الشبهات)، ونزه الشخص تباعد عن كل مكروه وقبيح.

ما إن تذكر النزاهة في هذه المرحلة من تاريخ الأنظمة الطاغوتية الفاسدة، حتى يخطر على ذهنك، أمر واحد، ألا وهو: نظافة اليد. ونظافة اليد يعني أنّ شخصاً ما قادر على الارتشاء والسرقة، تعفَّف عن ذلك.

وهكذا يتداول المجتمع- في عصر الفساد- قيمة النزاهة بوصفها القيمة الأرفع، وإذا ما مُدح شخصٌ ما عامل في مؤسسات الدولة التي تلعب بالمال مدحاً شديداً قيل عنه "نزيه".

فيكون الموظف النزيه، هو ذلك الذي لا يسرق ولا يرتشي، وأستاذ الجامعة النزيه، هو المترفع على سرقة جيوب الطلاب مقابل نجاحهم، والضابط النزيه، هو الذي لا يستغلُّ سلطته طمعاً بالمال والأشياء، والقاضي النزية هو القاضي الذي يحكم بالعدل وبكل موضوعية وهكذا.

وإذا ما حددنا مفهوم النزاهة تحديداً فلسفياً قلنا هي الصدق والأمانة في كل تفكير وسلوك. وعندي أنَّ عكس النزاهة هو مفهوم الخيانة. وإذا كان الأمر كذلك- وهو كذلك- فإنّ المعلم النزيه، هو ذاك الذي يعمل بكل ضمير هادفاً تعليم الطلاب وتربيتهم، أميناً على هذه المهنة- التعليم- وصادقاً في سلوكه.

وأستاذ الجامعة النزيه، هو الذي يستزيد من المعارف في مجال علمه، ويقدِّم عصارة تجربته المعرفية لتلاميذه، ويتعامل بشكل أمين مع المعرفة. والأستاذ الخائن، هو الذي يحمل هذا اللقب السخيف- الدكتور- ولا يفقه من العلم المتخصص فيه شيئاً، ويقوم بدور "الدَّجال" أمام الطلاب. وقس على ذلك علاقة الإنسان بالمهنة.

غير أنّ أخطر أنواع غياب النزاهة، أو الخيانة، هو ذلك النوع المتناقض مع منطق مباحث المعرفة الإنسانية، ومع الحقيقة الواضحة بذاتها.

فمن التناقض أن يكون هناك عالِم في علم الطب ومؤمن بالخرافة معاً. أو أن ينبري. أو أن يتبنَّى مؤرِّخ خبراً عن حدوث واقعة غير معقولة في التاريخ. فالنزاهة العلمية تقتضي أن يكون العالِم وفياً وأميناً وصادقاً مع علمه.

ومع انفجار الربيع العربي ضد الوسخ التاريخي الحاكم، صار لمفهوم النزاهة سلطة تمييز قوية وحقيقية بين الضمير الأخلاقي النبيل من جهة، وموت الضمير من جهة ثانية.

وصار بالإمكان الحديث عن النزاهة الثورية. النزاهة الثورية قوة أخلاقية تجعل صاحبها أو الجماعة المتمتعة بها متحررة من أية مصالح ذاتية أو انتهازية مرتبطة بالانحياز لحركة التائقين للحرية.

فالنزاهة هنا وحدة النظر والعمل.

فليس من النزاهة الثورية التعامل مع فعل التغيير الجذري بمنطق الحصول على الغنيمة، أو استغلال الثورة بدافع الربح المادي.

إن هذا الأمر إن حصل فلن يكون هناك فرق بين طرفي الصراع. وتأسيساً على هذا فإن مطلب النزاهة بعامة والنزاهة الثورية بخاصة مطلب أساسي، ودون تحقيق هذا المطلب فإن الثورة قد تقع في حيص بيص.

ومن شروط النزاهة الثورية التطابق بين الخطاب والممارسة العملية، وأي تناقض بين خطاب ثوري نزيه وسلوك انتهازي في الوقت نفسه يضعف روح الانتماء إلى الإرادة الثورية.

وفي هذه المناسبة، مناسبة حديثنا عن النزاهة، فقد تساءل كثيرون: هل من النزاهة التي يدعو إليها الدين أن يتحول من يسمون برجال دين مسلمين وشيعة ومسيحيين لداعمين الطاغوت الذي مارس كل أصناف القتل بحق الأحرار في سوريا ولبنان والعراق واليمن؟

هل يحق لرجال دين أن يقفوا في الصلاة جنباً إلى جنب مع الدكتاتور؟

فإذا كانت أخلاق الدين في الدفاع عن الحق الإنساني وحياة البشر لم تزود من يعتبر نفسه من النخبة الفكرية بالنزاهة التي تعني كلمة حق عند حاكم جائر، فما معنى وجوده إصلاً.

وبعد: إن النزاهة بنية متكاملة، لا يمكن أن تكون نزيهاً في جانب وسيئاً في جانب آخر. 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات