مشواري مع الأدب والثورة- 10 (الأخيرة): في المخيم كتبت أهم رواياتي واستعدتُ تهديدات الدولة العلوية القادمة!

مشواري مع الأدب والثورة- 10 (الأخيرة): في المخيم كتبت أهم رواياتي واستعدتُ تهديدات الدولة العلوية القادمة!

في المخيم، كان كل ما حولي يدعوني بشدة للكتابة، أشتغل في المركز الثقافي وفي إدارة التعليم وأسافر إلى إسطنبول وغازي عنتاب وأورفا وغيرها لملاحقة طلبات المخيم, استقبل ضيوفاً قاصدين المركز الثقافي بعد اطلاعهم على  ما نشرنا عنه في صفحات الفيسبوك.... مع كل هذا الشغل كنت أجد الفرصة للكتابة، أسرق فسحة من الوقت من بين انشغالاتي.

في المخيم، الحياة جديدة على جميع القادمين من بيوتهم في القرى والمدن, ومنهم الأطفال ،وخاصة الأطفال الذين لا يعرفون كيف يتصرفون, كتبت مجموعة من قصص الأطفال الخاصة بآداب العيش في خيمة, طبعت منها ثلاثة آلاف نسخة, وزعتها مجاناً في مخيمنا وفي مخيمات أخرى. 

رواية وقع الخُطا

كتبت أيضا ًرواية بعنوان (وقع الخُطا) دمجت فيها بين هجرتنا وهجرة من سبقونا, في بدايات الاستعمار الفرنسي حيث جرى تقسيم سوريا إلى دويلات طائفية, وكان نصيب الساحل دولة العلويين, حين قامت دولة العلويين جرى تهجير أهلنا المسلمين السُنة, وحين انهارت تلك الدويلة رجعوا إلى بيوتهم المنهوبة المحروقة، تخيلت في روايتي أنهم مشوا على الطين, وبقيت بصمات خطواتهم حتى تاريخ هجرتنا, مشينا مهتدين بها, لنفس الأسباب, ونفس الدروب, ونفس المسار.

في روايتي مشاهد واقعية حية, تحدثت عن اجتياح قريتنا بالأسلحة والمعدات الثقيلة, عن تهجيرنا, نقلت حديثاً كنت شاهدة عليه في شعبة الحزب بالحفّة, قاله مندوب أمن الدولة الذي عمل في الحفة مدة تقارب عشرين سنة: إن تقسيم سوريا أمر متفق عليه دولياً, وقال إن قيام دولتنا العلوية أمر لابد منه, في دولتنا العلوية لن نسمح لامرأة محجبة بالسير في شوارعنا, لن نسمح لصوت الأذان بالارتفاع في فضائنا, من يعجبه الحال فليعش بيننا (بالصرماية) مثلما تريد الأكثرية, ومن لم يعجبه الحال فليبحث لنفسه عن وطن خارج حدودنا. في تلك الرواية كتبت عن عائلات صغيرة تمزقت بين السجون والمنافي, وعائلات جمعت شملها الخيام.

رواية ابن المجرم

روايتي الثانية في المخيم كان عنوانها (ابن المجرم), ابن المجرم ليس (بشار) أو أحد أولاده كما قد يتخيل القارئ, بل هو شريحة من الأطفال أبناء شهداء ومعتقلي ثورة الثمانينات, عاملهم النظام الحاكم على أنهم أبناء مجرمين, حاصرهم اجتماعياً حتى جعل الأطفال من أبناء الجيران وزملاء المدرسة لا يجرؤون على مشاركتهم اللعب، زجّوا بهم في منظمات الطلائع, ثم الشبيبة ونسّبوهم بشكل إجباري الى صفوف حزب البعث. تضافرت هذه الأقانيم مع الرعب الذي أفرزه أسلوب السلطة في قمع ثورة الثمانينات - حيث هدمت أحياء بكاملها من عدة محافظات وجرى تدمير مدينة حماة,- اجتمعت كلها لتلجم الناس عن سرد الحقائق لأطفالهم, عاشت هذه الشريحة من الأطفال تمجد الأب القائد حافظ أسد, وتبذل أقصى جهودها- عبثاً- لترفع عنها صفة ابن المجرم,  وحين قامت هذه الثورة, كسر جدار الرعب ونطق الأهالي بالأسرار المكتومة, وعرف هؤلاء الشباب أن آباءهم كانوا ثائرين على نظام فاسد ولم يكونوا مجرمين, وانضموا للثورة.

رواية طوق في عنقي

روايتي الثالثة كانت بعنوان (طوق في عنقي), أرّخت فيها للشهور الثلاثة التي أمضيتها في تركيا قبل انتقالي إلى  مصر, كاشفة الغطاء عن كثير من المعلومات التي حصلت عليها من خلال عملي في دوائر السجل المدني متنقلة بين الحفة واللاذقية وحلب والباب ودمشق, هذه المعلومات أعتبرها طوقاً في عنقي, في كل خطوة أخطوها  ضمن الرواية عودة إلى الوراء لربط ما يحدث الآن بأسبابه التي جعلت بركان الغضب في صدور الشعب ينفجر,, ولن تقدر قوة على الأرض أن تخمد بركانا ثائراً.

في المخيم أيضاً أنجزت مجموعة قصصية بعنوان بين الخيام, تحكي قصصاً من داخل المخيم عن أشخاص جلبوا معهم آلامهم, وأحلامهم, وعاهاتهم التي خلفتها حرب الحكومة على الشعب, حكيت فيها عن أطفال سببت لهم رؤية الدماء والأشلاء موجات من الاكتئاب والحزن, ونوبات حادة من البكاء الهستيري.

رواية امرأتان في مخيم اللاجئين

روايتي الرابعة كانت بعنوان (امرأتان في مخيم اللاجئين) كل وقائعها حقيقية, كانت المرأتان تزورانني في خيمتي, وفي المركز الثقافي, تحكي لي كل منهما حكايتها, إحداهما عاشت ثورة الثمانينات فقدت فيها زوجاً وابنةً طفلة, وتعيش الآن هذه الثورة, يتقطع قلبها جزعاً, أولادها الأربعة اثنان منهم مع الثوار, والآخران جعلهما التجنيد الإلزامي جنوداً في جيش الأسد, كانت تخشى أن يتقابل أولادها في معركة, من منهم سيقتل أخاه؟ جاءت هذه المرأة إلى المخيم بعدما هُدم بيتها ودفن تحت ركامه زوجها, وغادرت المخيم حين جاء أحد أولادها بعد رحلة البحث عنها, ليخبرها أن  شقيقيه قد انفصلا عن جيش الأسد وانضما إلى صفوف الثورة, والمرأة الثانية  من جماعة (كنا عايشين) كان زوجها في الجمارك, وكان أخوها في المخابرات, كانوا مرتاحين مالياً, لهم بيت في مخيم اليرموك وآخر في مساكن الحرس الجمهوري, كانت تفتخر بأن جيرانها وأصدقاءها من العلويين, ولكن, حين بدأت الثورة أظهروا عداوتهم وطردوها مع أسرتها من البيت, واستولوا على السيارة,  كانت تتحدث عن مقدار الذل والتنازلات التي قدموها وكأنها شيء عادي, وهي فعلاً شيء عادي لمن لا يعرف للكرامة معنى.

هذه الرواية لم أنشرها بعد, مازالت مخطوطة أحتفظ بها في أدراجي.

محاضرات جامعية في المخيم

في المخيم استدعينا أساتذة الجامعات لإعطائنا المحاضرات في شتى العلوم والاختصاصات, الدكتور خالد هنداوي تحدث في الحقوق, وقرأ بعضاً من قصائده, الدكتور إبراهيم سلقيني تحدّث عن حلب  في العهد العثماني, الدكتور سعد وفائي تحدّث عن بناء الدولة وعما كان وما نطمح إليه في ثورتنا, الدكتور محمد خير الغباني تحدث عن الجامعات وحال طلابها في هذه الظروف الاستثنائية, كما تحدث الدكتور شادي أركي أيضاً عن التاريخ في الفترة العثمانية.

الدكتور فاتح الراوي جاءنا مرسلاً من طرف صديقه الأستاذ زهير سالم, قدّم محاضرات, وقدم كفالة مالية لعدد من أيتام المخيم.

محاضراتنا لم تقتصر على أساتذة الجامعات القادمين من خارج المخيم, بل استمعنا إلى بعض الرجال ممن عركتهم الحياة وأكسبتهم الخبرة, وممن اشتغلوا بالسياسة وكان لهم اطلاع واسع على ما دار وما يدور.

خالد أصلان( أبو سليمان)  واحد من رجال قريتي, حدثنا عن تجربته في العمل السياسي, وقرأ علينا الكثير من قصائده, خرج مع أمين الحافظ إلى العراق وعاش فيها مدة   لابأس بها, حين فهم حقيقة ما جرى, وفهم سخافة وسطحية تفكير أمين الحافظ وإضاعته الفرصة التي منحه إياها العراق, قرر العودة إلى سوريا والانسحاب من كل عمل سياسي.. وهكذا كان

عبد الرحمن أسعد( أبو سعد) استشهد في هذه الثورة عدد كبير من أسرته, أولاده وإخوته وأقاربه, كان موظفاً في دائرة الزراعة, حكى الكثير عن الفساد الممتد من قمة الهرم الوظيفي إلى آخر مستخدم في تلك الدائرة, وحكى كيف كانت حرائق الغابات تتم جهراً وفي رابعة النهار, لتستملك الأرض بعد الحريق لمن يستصلحها, ومن يستصلحها؟؟ كبار الضباط والمتنفذين في الجيش والمخابرات.

اشتغلنا كثيراً, وسعينا كثيراً في سبيل رفع مستوى الوعي لدى شعبنا, وفي سبيل تغيير طريقة التفكير التي فرضها على الشباب ذلك الحكم الجائر, نرجو الله أن نكون قد حققنا هدفاً.

تفككَ المخيم, وتناثرت عائلاته بين المدن والقرى التركية, وجئت أنا إلى إسطنبول أواصل الثورة من خلال قلمي.

التعليقات (1)

    أحمد المهاجر

    ·منذ سنة 10 أشهر
    بوركت جهودك أيتها الثائرة شكرا لصبرك وإصرارك على العمل المضني في المخيمات. وفقك الله وأثابك
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات