مؤرّخ الثورة السورية.. يعيش في خيمة ويدوّن أحداثها بخط اليد ويحلم بطباعتها يوماً! (صور)

مؤرّخ الثورة السورية.. يعيش في خيمة ويدوّن أحداثها بخط اليد ويحلم بطباعتها يوماً! (صور)

عندما تريد البحث في أرشيف بلد أو ثقافة شعب، تلجأ بديهياً لتاريخه الذي تُدوَّن من خلاله الأحداث وتُرتّب النقلات الثقافية والسياسية، يُكتب عبره مراحل النهوض والتعزيز والضعف أيضاً، فهو بمثابة توثيق لجهة معينة، ومع انطلاق الثورة السورية المباركة، وما اكتنفها من محاولة إعلام أسد وأبواقه  تشويه حقيقتها وتجريدها من أهدافها المشروعة، وزعزعة ثقة الناس بها أو بالقائمين عليها وإظهارهم بصفة الإجرام تارةً وأن قوات جيش أسد وميليشياته هي الحمَل الوديع الذي يحاول أن يحمي الوطن من التطرف والإرهاب تارةً أخرى، كان لا بد من توثيق أحداث الثورة السورية بشكل انضباطي وبطريقة منهجية، وعبر جهد دؤوب ومخلص يمتلك أهم مزايا كتابة التاريخ وتوثيق أحداثه، ألا وهو الصبر والاستمرار على مدى زمني طويل.. وهو ما نراه لدى "حمود الكرّوم" ابن قرية معرشمشة بريف معرة النعمان بمدينة إدلب، الذي يتجاوز اليوم الخامسة والخمسين من العمر (مواليد 1967)، الذي دوّن بالورقة والقلم أحداثاً متسلسلة منذ انطلاقة الثورة حتى ساعة إعداد هذا التحقيق.

ثقة مفقودة بتاريخ مشوّه

لم يصدّق حمود يوماً ما نشره حزب البعث عن جماعة الإخوان المسلمين في حقبة زمنية لا تكاد تخفى وقائعها على كل سوري عاصرها. كان والده المتوفّى معتقلاً معهم، رغم أنه كان من جماعة اليمين العراقي.. وكانوا يوصفون بأنهم أشرار استتروا بالدّين لتحقيق غايتهم الشخصية.  فوالده وغالبية المعتقلين السياسيين - من مشارب شتى - كانوا من خيرة الناس وأفضلهم على حد وصفه، ولكن لم يكن يجرأ على البوح أو المخالفة بسبب القبضة الأمنية الفظيعة، ومن هنا كان الدافع الذي تعزّز مع قيام الثورة السورية.. دافع كتابة أحداث التاريخ اليومي السوري المَعيش وتدوينها بنفسه، بعيداً عن أي ثقة بهذا التاريخ المشوّه والمزوّر الذي فبركته ميليشيا أسد.. وفي هذا يقول السيد كروم:

"بحكم دراستي للحقوق، كنت أعمل بمكتب تعقيب للمعاملات في معرة النعمان، وكنت أرى الأحداث وأعاينها بنفسي، ولكن أتفاجأ بتشويهها وتحريفها بعد ساعات قليلة بواسطة آلة النظام وأبواقه الإعلامية. كان كذباً ممجوجاً واستهتاراً فاضحاً بعقول السوريين، فأخذت على عاتقي تدوين الأحداث حتى لا تُنسى أو تحرّف، وكانت بداية التوثيق بتاريخ الخامس عشر من شباط/ فبراير 2011 خروج أول مظاهرة في سوق الحريقة الدمشقي، ومنها أدركت أنها بداية صحوة لن تتوقف ولا بد من بصمة أضعها من خلالها، تتمثل بمصداقية تاريخ ثورة شعب بعيدة عن المغالاة والتحريف، ومنهل للأجيال القادمة والمهتمين في مجالات الثورات وصياغة التاريخ".

وأضاف كرّوم موضحا آلية عمله في البداية: 

"لم تكن وسائل التواصل متوفرة لدينا في بداية الثورة كما هو الوضع حالياً، فكنت أكتب بيدي بالحبر العادي، معتمداً على الأخبار التلفزيونية من القنوات ذات المصداقية، واتبع طريقة تقاطع المعلومات للتأكد من صحتها، إضافةً لمعلومات آخذها من الأرض من معاينتي لها، أو إخبار من الأصدقاء الموثوقين بحسب علاقاتي مع أشخاص من كل المحافظات، خاصةً درعا التي حظيت باهتمام إعلامي واسع، ثم أهداني أحد الأصدقاء صحن نت فضائي وحاسوباً بنهاية العام 2012 للعمل بشكل أفضل".

كل ما يتعلق بالثورة محطّ اهتمامي

مع ارتشافه لقهوته المرّة، وانهماكه بتدوين أخبار سياسية ضمن دفتر التصريحات العالمية، سألناه عن مجال الأحداث التي يرصدها وسرّ اهتمامه  بتوثيق الأحداث الخارجية فأوضح لنا: 

"أقوم بتوثيق كافة الأحداث التي تحصل داخل سوريا مثل القصف والمجازر والأحداث السياسية والاجتماعية والعسكرية وحركات النزوح والتهجير، وخارج سوريا من تصريحات سياسيين أو مجلس الأمن فيما يتعلق بالثورة، وأقوم بترقيم الدفاتر من رقم ١ وما فوق، وفي بداية كل دفتر أكتب رقمه وتاريخه بدايةً ونهايةً، حتى أتمكن من ضبط التسلسل وعدم الخطأ، وأحياناً أجمع أحداثاً معينة فقط ضمن دفتر مخصص لها، مثل المجازر المرتكبة بحق المدنيين تشمل التاريخ والمكان والضحايا والسلاح المستخدَم والمشاهد المؤلمة، كمجزرة معرة النعمان ومجزرة الأقلام بقرية حاس التي عاينتُها بنفسي، ولا زلت أعمل في هذا المجال يومياً أربع ساعات تقريباً على الرغم من وجودي بمخيم فقير، ولكن التاريخ لا ينتظر أحداً ولا بد من تدوينه، وطالما ذهبت إلى أماكن الأحداث والمعارك بنفسي، وأطّلع عليها مباشرةً لتحرّي الدقة، وأحياناً كنت أكتب الأحداث داخل مقصورة سيارتي لعدة ساعات حتى لا أنساها، وكانت تساعدني ابنتي بالكتابة في المنزل بسبب تعبي من السفر، ولكنها تزوّجت وعدت أعمل وحيداً".

تاريخ لا بد أن يرى النور يوماً 

على طاولته الخشبية المتواضعة يقضي "حمود" غالبية وقته في تدوين الأحداث، كونه يعتبر عمله مقدساً لا بد منه، ويتطلع لنشره للمهتمّين والأجيال وإن طال الزمان به، حيث حدثنا "حمود" عن أمنيته تلك بقوله:

"أنا لا أكتب التاريخ لنفسي فقد عاينتُ منه الكثير وترسّخت أحداثه في أعماقي ووصلتُ لليقين بظلم الأسد لنا كشعب مسالم أعزل يريد الحياة الحرة الكريمة، ولكن لا بد للأجيال القادمة أن تعرف حجم حقد السلطة الحاكمة على هذا الشعب ومقدار ظلم آل الأسد ومن والاهم وتعطشهم لسفك دماء السوريين ونهب ثرواتهم، وأتمنى يوماً تحقيق مشروعي المتمثل بطباعة كتب ومجلدات أحداث الثورة السورية، فأنا لم أكتب الأحداث حتى أبقيها في درج خزانتي مثلاً، وهناك بعض الدفاتر أرسلها مع ولدّي إلى تركيا وأوروبا لنشرها إن استطاع أو تخزينها والمحافظة عليها من الفقدان أو التلف، وطباعتها فيما بعد حتى ولو على حسابنا الخاص، ولا زلت أحاول السفر الى أوروبا ليس حباً بالخروج أو هرباً من الخوف مثلاً، وإنما حتى أستطيع من خلال ذلك إظهار ما كتبته ووثقته بشكل أفضل، ومتابعة أشمل مع أولادي وأقاربي المهتمّين، كون مثل هكذا جهد يحتاج فريق عمل متكاملاً لا بد منه ومعدّات إلكترونية خاصة تسهّل العمل وتسرّع في نشره، وبالتالي تعرّي ادعاءات النظام أو المتسلّقين على الثورة ووضع كل رجل في مكانه، وكل من خدم وساعد وتآمر على السوريين موضعه الحقيقي". 

وتبقى الثورة السورية منبراً للأحرار، والكفاح فيها لا يقتصر على حمل السلاح أو القتال على الجبهات، فالتأريخ وحده جبهة يقاتل فيها من يحاولون تشويه تاريخ الثورة السورية والإساءة إليه وتشويهه.. ويبقى جهد "حمود الكروم" مشهداً خاص لرؤية أحد السوريين الغيارى على ثورتها وحرصهم على نصاعتها وصياغة أحداثها بموضوعية، ليكون شاهداً ومرجعاً لكل الناس الباحثين في ثورة عزّ وشرف، لكل عزيز شريف عشق الحرية وتطلع لمستقبل ممتلئ بالكرامة الإنسانية، بعيدٍ عن الأسد وإجرام الأسد.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات