فقهقه صفوح وقال له: نحن برقاويون دمشقيون من حي الشاغور. أما برقاويو المخيم المشهورون فهم الفلسطينيون.
إنها دمشق. أم العواصم الجامعة الصاهرة.
ماذا يعني أن يُطرح سؤال عن أصل وفصل وحال بعض سكان عاصمة عربية أو أية مدينة أو قرية مضى على وجودهم فيها ألف عام؟
علي أن أشير، أولاً: إلى إن امتزاج سكان بلاد الشام (فلسطين وسوريا ولبنان والأردن)،قد ألغى الوعي الأصولي القومي والمناطقي لأغلب المدن الشامية على وجه الخصوص .فالمدن الشامية كدمشق والقدس وبيروت وطرابلس ونابلس ويافا وحيفا وعكا و وحلب وحمص وحماه واللاذقية ودرعا وعمان وصيدا وصور مدن صهرت سكانها لغةً وعادات وتقاليد ووعيا والحديث عن الأصول نوع من التسلية ليس له أثر على الوعي وبالتالي على السلوك.
فمن النادر أن تجد مدينة شامية خالية من هذا التنوع التاريخي الذي صار متحداً مدينياً.
فليس للأكراد في المدن الشامية التي ذكرت وعي ذاتي بكرديتهم، لا سيما أن عامل اللغة قد اضمحل من جهة ،وعامل الاندماج في المدينة قوي جداً. هذا ناهيك عن أن الوعي القومي العربي المديني وعي حديث العهد. فالوعي الديني والوعي بالانتماء إلى المكان أقوى.
وإذا ما جرى الحديث عن دمشق فهي من أكثر المدن الشامية، إن لم تكن العربية، باستثناء القاهرة، التي شهدت قدوم عدد كبير من الجماعات السكانية التي أذابتها في قيمها وعاداتها ولهجاتها ومهنها.
ففيها من هم من أصول مغربية وفلسطينية ولبنانية وكردية وشركسية وكردية وحورانية الخ. فعائلات العكاوي الصفدي والنابلسي والقدسي والبرقاوي عائلات دمشقية شهيرة.
والدمشقيون من أصول كردية، رغم أنهم يعيشون في حي شامي هو حي الأكراد، غير أنهم بعد ألف عام من عيشهم المشترك لم يعودوا منتمين إلى وعي قومي ولغة قومية وزي قومي وطبخ قومي ومهنة قومية.
والأهم من هذا وذاك كله، فإن دمشق الشعبية لم تشهد أية نزعات عنصرية مرتبطة بالأصل والفصل، فضلاً عن ذلك فإن جزءاً "مهماً" من النخبة الدمشقية الأدبية والفكرية والعلمية والتجارية والمهنية والسياسية من أصول متنوعة. غير أن الأيديولوجيا التي لا عقل لها، وبخاصة لدى بعض المثقفين، يصطنعون ما يفسد الحياة الطبيعية.
فالسؤال عن كرد دمشق ليس سؤالاً شامياً، وليس سؤال كرد دمشق، إنه سؤال أيديولوجيا تبحث عما يعزز هوية قومية في مدينة صهرت كل سكانها منذ آلاف السنين.
ماذا لو طرح هذا السؤال على خالد بكداش، أو على محمود الأيوبي، ماذا لو طُرح هذا السؤال على محمد كرد علي أول وزير للمعارف في سوريا، ورئيس مجمع اللغة العربية منذ 1919 حتى وفاته 1953، ماذا لو طرح هذا السؤال على زياد الملا وصاحب بوظة بكداش في الحميدية، وعلى حسني الزعيم وووو.
إن هذا لا يعني أن ليس هناك مسألة كردية في شمال سوريا، ولا يعني أنه ليس هناك عنصرية مارستها السلطة الحاكمة على أكراد الشمال. غير أن تحويل القضية إلى أصول سكانية لبلاد الشام ليس سوى وعي أيديولوجي مصطنع وزائف.
التعليقات (12)