سوريا المقسمة المنكوبة..أسئلة الجغرافيا أم الديموغرافيا؟!

سوريا المقسمة المنكوبة..أسئلة الجغرافيا أم الديموغرافيا؟!
في "سوريا الجغرافيّة" تبدو بشكل واضح مسألة الشرق والغرب، بالمقابل.. قد لا تكون واضحةً كثيراً مسألة الشمال والجنوب، والمسألة ليست مسألة اتّجاهات أصلاً، بل تضاريس ومناخ. 

اقسموا الخارطة بالمسطرة من "جرابلس" إلى "التنف" يصبح لدينا "سوريتان"، واحدة شرقية قليلة المطر فيها "الحسكة" و "دير الزور" والرقّة" وما تُسمى "بادية الشام"، وواحدة غربية ذات أمطار فيها سائر المُحافظات الأُخرى، أي إحدى عشرة محافظة، والسبب ليس المسطرة بل الطبيعة، مع أنّ المسطرة كانت الأداة الغالبة في تقسيم أو قسمة سوريا خاصّةً في الحدود الشرقية والجنوبية، عندما قرّر ذلك "مارك سايكس" المستشار السياسي الدبلوماسي البريطاني (36 عاماً)، و"فرانسو بيكو" المُستشار الدبلوماسي السياسي الفرنسي (45 عاماً)، سنة 1916، وكانا مجرّد موظّفين في وزارتي الخارجية البريطانية والفرنسية. 

لا أحد منهما كان رئيساً أو رئيس وزراء أو وزيراً أو سفيراً حتّى، بل على هذا المستوى "موظّفان دبلوماسيان" فحسب، ولقد تمّ منحهما صلاحيات إجراء تقسيم "الهلال الخصيب" وفق ما يريانه ويتّفقان عليه، على ورق الخرائط باستعمال "المسطرة"، والخارطة تتكلّم!.  

تطوّرت طريقة استعمال المسطرة التي حدّدت "خارطة سايكس- بيكو"، بعد الانتدابين البريطاني على العراق وفلسطين والفرنسي على سوريا ولبنان، ومع الأوامر التنفيذية التي صدرت بخصوص "فرض التقسيم"، تماماً كالمخطّطات التي يرسمها الخبراء في المحاكم بناءً على طلب الخصوم في دعاوى قسمة المال الشائع، العقار 2400 سهم، لكَ 500 ولهُ 1000 ولورثة المتوفّى 900، هاتوا المسطرة والقلم!.  

يمكن بوضوح أن نرى مفاعيل المسطرة والقلم حين ننظر إلى الحدود العراقية السورية الأردنية، والعراقية السعودية الكويتية أيضاً، ولقد جرى الأمر على هذا النحو في ترسيم أغلب الحدود ما بين الدول العربية وما بينها وبين الدول المجاورة غالباً، فبعيداً عن "سايكس-بيكو"، الأمثلة حاضرة في حدود مصر مع السودان وليبيا، وحدود ليبيا مع الجزائر، وحدود الاثنتين مع مالي والنيجر وتشاد، وحدود موريتانيا مع المغرب والجزائر ومالي والصحراء الغربية، كلّها مرسومة بالمسطرة!. 

لكن عدا عن الجغرافيا، وهذا مكمن الخطر الحقيقي الذي تعرّضت له هذي الشعوب العربية أو التي تعيش في المنطقة العربية، فبالمسطرة أيضاً تمّ تحديد مقاسات أخرى أكثر أهميّة وتأثيراً من شكليّات الحدود، أشكال الحكم، صلاحيات الحكّام، نفوذ الأنظمة، وظائفها ومهامّها، مدى خضوعها لمنظومة الاستعمار التي تطوّرت من كونها فرنسية بريطانية إلى أمريكية أوروبية، وكيف يتمّ السماح بتبديد الثروات، ماذا يُدفع بعد هذا التبديد وكم من المسموح أن يتبقّى، كلّه بالمسطرة"، وبالمسطرة أيضاً يُرسم انتقال السلطة في "العالم العربي" من أزعر إلى أزعر، من شيخ إلى شيخ، من أمير إلى أمير، ومن ملك إلى ملك، وكذا من رئيس إلى رئيس ولو كان ابنه البيولوجي أو المُتبنّى، وذا ليس غمزاً على ابن حرام ما، بل مجرّد مثال عن التداول العاطفي أو الإنساني أو الرومانسي للسلطة، أوَ ليس عبد الفتّاح سعيد حسين خليل السيسي ابناً بارّاً لمحمّد حسني السيّد إبراهيم مبارك بعاطفة المحبّة، وعبد المجيد أحمد تبون ابناً عزيزاً لعبد العزيز بن أحمد بوتفليقة في أبعاده الإنسانية، وعبد الفتّاح عبد الرحمن البرهان ابناً بالرومانسية الواقعية لعمر حسن أحمد البشير، ما دها إن كانت البنوّة حقيقية أو محتملة أو صحيحة؟. 

قصّة "البيولوجيا" ليست مهمّة يا سادة، فالصلة التي تربط حاكماً بحاكم هي السلطة وليس الدم، السلطة التي تسفك الدم بلا تردّد لأجل الحكم، وراثة سلطانية ملكية، وراثة شيوخ أميرية، وراثة مافيا جمهورية، وراثة الفئران من الجرابيع، والصراصير من الفئران، ليس مهمّاً، المهمّ وبالمسطرة وبلا قلم أحياناً، أن تستمرّ وراثة السفالة والرذالة والعمالة، هو ذا فقط، حيثما أمكن، ومهما كان، أن تستمرّ السلطة وبالمسطرة، هذا هو المهمّ. 

تتغيّر أحوال الجغرافيا السياسية، غالباً تحت شعارات إيجاد حلول من أجل إعادة "السلم الأهلي" أو حماية "السلم الدولي"، فبعد عام 2000 تشكّلت دول جديدة في العالم، كتيمور الشرقية وصربيا والجبل الأسود وكوسوفو وأخيراً وليس آخراً جنوب السودان، وقبلها بسنوات جمهورية التشيك وأريتيريا، لأسباب واحدة وهي الحروب، غالباً ما تنتج الدول أو حتّى ما قد نسميها بالكيانات مثل إسرائيل أو قبرص الشمالية وأوسيتيا الجنوبية عن الحروب سواءً كانت داخلية أم خارجية. 

لكن.. ومع أنّ الحروب هي الذريعة، تبقى الأهداف الحقيقية أبعد عن قضايا السلم وأقرب كثيراً إلى مسائل "المصالح"، وكي لا أستفيض.. فإنّ مسألة تقسيم سوريا أو إبقائها موحّدةً "جغرافياً"، ليست مسألة سلم وأمن واستقرار بالنسبة للمجتمع الدولي أو للدول الإقليمية، وإلّا لتمّ حلّ هذه المسألة منذ البداية وبقرار حاسم وربّما باتّصال هاتفي أو كما يُقال: "بكبسة زرّ"، لكنّ الواقع يقول ببساطة: إنّ هذه المسألة هي آخر المسائل المطروحة في القضيّة السورية، بل ليست مسألةً أصلاً، المسألة الحقيقية هي "من "الزعران" الذين نفوّضهم في حكم الأرض السورية"؟،  مقسّمةً كانت أم موحّدة لا فرق يذكر، فالشيء الوحيد المطلوب أن يُذعن المفوّض أو المفوّضان أو المفوّضون لتنفيذ الأدوار الوظيفية المطلوبة، ميليشيات طائفية موجّهة، أحزاب إرهابية مبرمجة، نظام سياسي علماني في الشكل، حكومة إسلامية متطرّفة في الواقع، لا مشكلة، المهمّ الإذعان، ولو بقي هذا الحال بلا زوال. 

فتّتت "الحدود العربية" الكتلة الديموغرافية التي خلّفها العثمانيون في الشرق الأوسط على الخصوص، ثمّ فتّتت اتّفاقيات لوزان وسيفر وسايكس بيكو وغيرها الكتل التي تشكّلت، وبدأ الشروع الآن في تفتيت المفتّت، ولا علاقة لذلك بسلم أهلي أو دولي، بل في رغبة "القوى العالمية" بإعادة هذي الشعوب إلى عهود القبائل، فلقد كانت السيطرة عليها أسهل بكثير، هذا منطق بسيط وواضح، مع سؤال تبرير حُجّة وذريعة يعتبرونها جوهرية، سؤال يقول: شعوب عنصرية طائفية عشائرية بلا هويات ومضامين وطنية، هل تستحقّ دول استقرار وتنمية وقانون؟. 

التعليقات (2)

    مرحبا

    ·منذ سنتين شهرين
    اي يلا ، ضلو اضحكو عحالكن و عالعقول البسيطة انو في مؤاااااامرة كونية ضد الدول العربية والشرق الاوسط ، وانو كل دول العالم عم تتآمر لتفتت المنطقة ، و العرب يا حرام ما الهن دخل ابداً ... لك كل هالويلات و الحروب و الدمار هني يلي عملوها بحالن ، واكبر مثال سوريا: السوري قتل وعم يقتل السوري ...ما دخل اميركا ولا روسيا ولا بريطانيا ولا الاستعمار و لا و لا من هالحكي الفاضي ...

    مرحبا

    ·منذ سنتين شهرين
    تتمة لما سبق .... على العكس تماماً ، لو سوريا بقيت تحت -يلي انتو بتسموه الاستعمار -الفرنسي كانت هلأ واحدة من اكتر دول العالم تحضر و تطور ، وما كان فيها كل هالحروب والقتل والدمار والتهجير ....
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات