شروط العيش الآن.. هل تتماشى مع الأنظمة الاستبدادية؟

شروط العيش الآن.. هل تتماشى مع الأنظمة الاستبدادية؟
ماذا يعني أن نتحدث عن شروط العيش الآن؟

فمصطلح "شروط العيش" يشير إلى الشروط التي تجعل حياة الإنسان ممكنة دون خوف على البقاء. إنها الشروط التي تخلق لدى الإنسان حب الحياة كما يجب أن تكون. أما كلمة الآن، وهي ظرف زمان، فإنها تدل على أن شروط الحياة في الحاضر هي غيرها شروط الحياة في الماضي، فليس بمقدور الإنسان أن يعيش حاضره في شروط ماضية ولت وانقضت.

وإذا تركنا حنين جيل قديم إلى ماضيه، فإن الأجيال الجديدة ذات مطالب مختلفة، وليس لديها حنين إلى ماضي الجيل القديم. فالأجيال الجديدة تبحث عن تحقيق الشروط التي أصبحت معايير للحضارة الإنسانية التي ينتمي إليها الإنسان المعاصر.

إن تلبية الحاجات  البيولوجية هو شرط دائم منذ نشأة الإنسان على هذه الأرض، وبالتالي فإن غياب هذا الشرط الضروري للحياة من مأكل  ومشرب ومسكن وكساء يعني غياب الأساس الذي يقوم عليه البقاء.

ومن المفترض أن الإنسان قد تجاوز البحث عن هذا الشرط في حضارة تنتج ما يفيض عن الحاجة البيولوجية. لكننا مع الأسف نشهد الآن فقراً وبطالة وجوعاً في أصقاع كثيرة من الكرة الأرضية. وإنها لمأساة أن يحتاج الإنسان إلى ما يحفظ جسده ولا يجده.

والحياة الراهنة التي طبعتها الثورة التكنو-ألكترونية بطابعها خلقت حاجات لا يمكن للإنسان العيش بدونها الآن، بل وصار التواصل وتلبية الحاجات بدونها مستحيلة. فالهاتف النقال وجهاز الكومبيوتر ، والحفاظ على الصحة باستخدام الوسائل الحديثة ،كل ذلك صار شرطاً ضرورياً من شروط الحياة الآن.

بل إن هذه الثورة التكنو-ألكترونية عمّقت من حاجة الإنسان للحرية وجعلت حياته مستحيلة في شروط العنف والقهر.

وبعد تطور منابع المعرفة تطورت معها أنماط الشعور بالكرامة الفردية التي لا يمكن أن تتحقق الآن بوجود أشكال من الاعتداء عليها. ولهذا فإن الحركات الأصولية التي تنتشر في بلادنا والتي تريد أن تفرض نمط حياة قديماً على مجتمعاتنا هي حركات ضد الكرامة البشرية التي وصل إليها الإنسان الآن. مع كل ما تتطلّبه الكرامة من حرية التعبير والنقد والمعتقد والوجود الحر.

وهذا يعني أن شروط الحياة الآن متناقضة كل التناقض مع كل سلطة استبدادية، مع كل سلطة أيديولوجية شمولية أو غير شمولية. وأن أية سلطة مستبدّة باسم أية أيديولوجيا لا يمكن أن توفر شروطاً كهذه الشروط للحياة، سواء كانت سلطة أصولية علنية أو أصولية مستترة.

هذه هي الحدود الضرورية للعيش الآن، وكل من يعادي تحقيق هذه الحدود بالعنف المسلّح، وتحت شعارات أيديولوجية زائفة هو ضد الحياة الآن . ويجب ألّا ننسى أن معاداة شروط الحياة كما يجب أن تكون الآن، يعني معاداة شروط الحياة في المستقبل، لأن المستقبل الجديد يتأسس على مبدأ الاستمرار والقطيعة.

‫‬

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات