الأجهزة الأمنية السورية: ولاء بلا سقف.. وإجرام بلا حدود.. وحصانة شبه إلهية!

الأجهزة الأمنية السورية: ولاء بلا سقف.. وإجرام بلا حدود.. وحصانة شبه إلهية!
كان حصول عناصر "الأجهزة الأمنية" في سوريا على النفوذ والصلاحيات والميزات سبباً جوهرياً في ولائهم للنظام الذي أعطاها لهم بموجب تشريعات وقرارات استثنائية تخالف أبسط مبادئ حقوق الإنسان والدستور والقوانين الوطنية، وكان هذا سبباً أساسياً في وقوفهم ضدّ الثورة السورية التي طالبت بإيقاف كلّ أشكال القمع وإلغاء هذه التشريعات التي شرّعت التدخّل في تفاصيل حياة السوريين وَسَطَت على حرّياتهم العامّة. 

أوصل نظام "أسد" بكلّ خبث وفساد وتخريب وإفساد الغالبية العظمى من السوريين الذين تمّ توظيفهم في "الأجهزة الأمنية" إلى حالة من التشبّث بالمكاسب، حتّى بات مجرّد التفكير في إجراء أي تغيير بالنسبة لأكثر المسؤولين الأمنيين وغيرهم في سوريا أمراً مستحيلاً، إذ إنّه يهدّدهم بشكل مباشر. 

بالرغم من وجود النصوص القانونية التي توضّح مهامّ وصلاحيات الشرطة والجيش والمخابرات في سوريا، لكن لم يوجد في الواقع ما يحكم عملها أو يحدّد اختصاصاتها وسلطاتها أو آليات التعاون بينها، ولم يكن ثمّة طرق قانونية أو شروط لتعيين عناصرها ورؤسائها، ولذلك لم يكن ثمّة علاقة قانونية واضحة ومحدّدة بين أجهزة الأمن في سوريا وبين مختلف سلطات الدولة القضائية والتشريعية والتنفيذية، ولا حواجز تمنع تدخّلها في عمل هذه السلطات بل وفي إنتاجها، فبدون "الدراسات والموافقات الأمنية" لا يمكن تعيين القضاة والضبّاط والمدراء وتسمية أو تزكية أعضاء مجلس الشعب أو اقتراح من يصلح لتولّي أعلى المناصب الحكومية في المؤسّسات العامّة وفي الوزارات.  

بالرغم من وجود النصوص القانونية التي توضّح مهامّ وصلاحيات الشرطة والجيش والمخابرات في سوريا، لكن لم يوجد في الواقع ما يحكم عملها أو يحدّد اختصاصاتها وسلطاتها أو آليات التعاون بينها

إنّ من أبرز التحدّيات التي ستواجه عملية الإصلاح في سوريا والإصلاح الأمني بشكل خاصّ، إيجاد آليات تؤدّي إلى إلغاء أدوار قوى الأمن والامتيازات غير الشرعية لرؤسائها وعناصرها، سواء بإلغاء القوانين الاستثنائية المخالفة للدستور وحقوق الإنسان، أو بسنّ تشريعات جديدة كلّياً أو بتعديل بعضها، لكن ينبغي التركيز على إعطاء تطمينات قانونية عملية لأنّ المخاطر الشديدة التي تخشاها نخب النظام الأمنية وغيرها في حال خسرت نفوذها ستجعلها لا تفكّر في التنحّي إلّا إذا أُعطيت ضمانات بالحصول على حماية . 

الأجهزة الأمنية والقوانين غير القانونية

أصدر النظام الحاكم في سوريا منذ الانقلاب العسكري في 8 آذار 1963 مجموعة من القوانين والمراسيم التشريعية أخضعت حياة السوريين للسطوة الأمنية والأحكام العسكرية ولقرارات حزب البعث، فأُعطيت القوى الأمنية حصانة من ملاحقة القانون وخرجت عن سيطرة المؤسّسات القضائية والتشريعية والتنفيذية، كما مُنح حزب البعث الحاكم صلاحيات استثنائية مكّنته من إغلاق باب المشاركة السياسية عن السوريين إلّا الذين ينتسبون له من الأفراد أو مَن يؤيّده مِن الأحزاب الصورية التي رُخِّص لها بالعمل تحت عباءته، أو من الموالين للسلطة والحزب الذين توافق القوى الأمنية عليهم وتُباركهم، ولنا في الاستفتاءات الرئاسية والانتخابات السورية التشريعية والمحلّية التي جرت في سوريا منذ 1971 أكبر دليل على غياب مفهوم الحياة السياسية والديمقراطية تماماً، بل امتدّ ذلك إلى مختلف الأحزاب الأخرى التي ضمّها البعث تحت مسمّى "الجبهة التقدّمية الاشتراكية" والتي حرم النظام الحاكم أحزابها أخيراً حتّى من طباعة الصحف الخاصّة بها، لأنّها أصبحت مجرّد منشورات داخلية لم تعد في ظلّ الأوضاع الراهنة قادرةً على تقديم الخدمة الدعائية للنظام . 

 أبرز التحدّيات التي ستواجه عملية الإصلاح في سوريا والإصلاح الأمني بشكل خاصّ، إيجاد آليات تؤدّي إلى إلغاء أدوار قوى الأمن والامتيازات غير الشرعية لرؤسائها وعناصرها

وهذه أهمّ القوانين التي حاصرت الحياة العامّة ودمّرت الحياة السياسية وجعلتها بلا قيمة أو مضمون: 

- قانون حماية أهداف الثورة الصادر بالمرسوم رقم 6 لعام 1965 بموجب قانون الطوارئ وقد نصّ على تجريم ومعاقبة كلّ من يناهض أهداف الثورة والنظام الاشتراكي بالسجن مدى الحياة، وتصل العقوبة وفق المادّة 3 منه إلى الإعدام وأحدثت لهذا القانون الاستثنائي محكمة استثنائية خاصّة. 

- قانون تنظيم إدارة المخابرات العامّة الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 14 لعام 1968، ونصّت المادّة 74 منه على منح العاملين في هذه الإدارة حصانة ضدّ الملاحقة القانونية عن الجرائم التي يرتكبونها خلال تأدية عملهم إلّا بإذن خاصّ من مدير الإدارة، ما كرّس سياسة الإفلات من العقاب.

- مرسوم إنشاء محاكم الميدان العسكرية 109 لعام 1968 لمحاكمة الجنود الفارّين أو الملتحقين بصفوف العدو، وتمّ تعديله بالمرسوم 32 لعام 1980 بإضافة عبارة "أو عند حدوث الاضطرابات الداخلية"، فأصبح اختصاص محكمة الميدان يشمل العسكريين والمدنيين، وفي أوقات السلم والحرب.

- قانون أمن حزب البعث العربي الاشتراكي رقم 53 لعام 1979 الذي يفرض عقوبات جنائية على من يقومون بأفعال محدّدة تستهدف الحزب، ويعاقب بالأشغال الشاقّة من يحصل على وثائق أو معلومات يعتبرها الحزب سرّية. 

- القانون رقم 49 لعام 1980 الذي يعتبر كلّ منتسب لتنظيم جماعة الإخوان المسلمين مجرماً عقوبته الإعدام، وبدون أيّة إضافة أو اشتراط لوقوع فعل جرمي محدّد يُكوّن العنصر المادّي للجريمة. 

- المرسوم التشريعي 64 لعام 2008 الذي نقل صلاحيات محاكمة عناصر قوى الأمن الداخلي وشعبة الأمن السياسي والضابطة الجمركية في الجرائم التي يرتكبونها خلال تأدية عملهم إلى القضاء العسكري، ولا تجري ملاحقتهم إلّا بأمر من القيادة العامّة للجيش والقوات المسلحة.

- المرسوم التشريعي 55 لعام 2011، القاضي بتعديل المادّة 17 من قانون أصول المحاكمات الجزائية ومنح الصلاحية لأعضاء الضابطة العدلية ومن يفوّضون بمهامّها بالتحقيق وبالتوقيف سبعة أيّام قابلة للتجديد من النائب العامّ حتّى 60 يوماً. 

- قانون "تنظيم حقّ التظاهر السلمي"، الصادر بالمرسوم التشريعي 54 لعام 2011، الذي وضع من القيود والشروط ما يجعل قيام مظاهرة أمراً مستحيلاً، وفي الواقع لم تمنح وزارة الداخلية أي ترخيص لأيّة مظاهرة مناوئة لسلطة الحكم.  

- قانون الإرهاب رقم 19 لعام 2012 والذي تضمّن في موادّه تعريف العمل "الإرهابي" والمنظّمة الإرهابية" وتمويل الإرهاب وعقوبات القيام بالعمل الإرهابي أو الترويج للأعمال الإرهابية، وقانون إنشاء محكمة مكافحة الإرهاب رقم 22 لعام 2012، وما هما إلاّ وجهان آخران لقانون "إعلان حالة الطوارئ" ومحكمة "أمن الدولة العليا".  

- المرسوم التشريعي 63 لعام 2012 الذي منح أجهزة الأمن والشرطة في معرض التحقيقات التي تجريها بشأن الجرائم الواقعة على أمن الدولة الداخلي والخارجي والجرائم الواردة في قانون الإرهاب أن تطلب من وزير المالية اتّخاذ الإجراءات التحفّظية على الأموال المنقولة وغير المنقولة للمتّهم. 

 قانون تنظيم إدارة المخابرات العامّة الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 14 لعام 1968، ينص على منح العاملين في المخابرات  حصانة ضدّ الملاحقة القانونية عن الجرائم التي يرتكبونها خلال تأدية عملهم!

رغم إلغاء قانون الطوارئ في نيسان 2011، إلّا أنّ حزمة القوانين السابقة وغيرها من القوانين والقرارات الأخرى ظلّت سارية، وفي الحقيقة إنّ إعلان حال الطوارئ وفرض الحكم العرفي في سوريا كان سبباً مباشراً في فرض القوانين والمحاكم العسكرية والاستثنائية وفي استمراء النظام ليس في مخالفة الدستور الذي وضعه فحسب، بل في خرق أبسط قواعد القانون والعدالة بلا تردّد أو اعتبار لحقوق السوريين العامّة وحرّياتهم السياسية، وضرب عرض الحائط المبادئ العالمية لحقوق الإنسان والمعاهدات الدولية التي تؤكّد على ضرورة مراعاة الكرامة الإنسانية والحرّيات الفردية والعامّة والسياسية وسيادة القانون وعلى مناهضة القمع والتعذيب، مع أنّ "سوريا" وقّعت على إحدى عشرة معاهدة أساسية من المعاهدات الدولية المتعلّقة بحقوق الإنسان! . 

إنّ تفتيت جميع هذه المراسيم والقوانين وغيرها من القرارات والأنظمة التي أصدرها النظام السوري عبر عشرات السنوات وتفكيك البُنى الأمنية القمعية السائدة وإعادة هيكلتها وإصلاحها شرط أساسي لبناء دولة قانون ومواطنة وديمقراطية في "سوريا" تضمن للجميع المساواة والحرّية والمشاركة في العمل السياسي، وسيكون هذا من الأساسيات التي ينبغي العمل عليها مباشرة بعد سقوط نظام "أسد".  

التعليقات (2)

    الايارنة وشافيز البعرزي

    ·منذ سنتين 10 أشهر
    وخيانة في الخفاء،وقتل الشرفاء،ان الامن السوري بقيادة حافظ وخاصة فرع الجوية كان يسمح لللطيارين اليهود بالطيران فوق سوريا بعد معاهدات مع دول اقليمية غربية وشرقية وكانت الصور تركب في البلقان تحت اشراف شركة سات وكانوايقبضون في النمساوايران. للاسف ان مستوى الخيانة هاءل

    فضل

    ·منذ سنتين 10 أشهر
    هذا تحالف عصابة لا يحتاج قوانين فقط افعل ما شئت لتنفيذ اوامرنا وخذ أجرك
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات