المستقبل السوري: بين المنهج العلمي والرجم بالغيب

المستقبل السوري: بين المنهج العلمي  والرجم بالغيب
تقول اللغة العربية: التوقع هو انتظار واقعة محتملة الحدوث، فالتوقع معرفة مؤقتة قد يؤكدها الواقع أو ينفيها. ولا يكون التوقع إلا ثمرة معرفة وعلم. وبالتالي هو يقع في حقل معرفة الاحتمالات.

وبهذا المعنى كل ما يقع في حقل التوقع ينتمي إلى شروط واقعية، هذه الشروط إذا ما توافرت فإنها تنقل الواقعة المتوقعة إلى واقعة حادثة. فإذا كانت السماء ملبدة بالغيوم فإن توقع حدوث المطر مبرر واقعياً لأن الشرط الأساسي لنزول المطر متوافر. وقد لا تتوافر شروط أخرى، عندها يخطئ توقعنا .

وهذا يعني بأن اليقين في التوقع معلق.

فيما التنبؤ: ادعاء النبوة من جهة، وإخبار بشيء قبل حدوثه، والتنبؤ العلمي أصدق أنواع التنبؤ، كالتنبؤ بالكسوف والخسوف مثلاً.

أما الرجم بالغيب: فهو الظن بغير دليل. فيما التنجيم نمط من ادعاء معرفة ما سيحدث بناء على حركة النجوم. 

كل ما يقع في حقل التوقع ينتمي إلى شروط واقعية، هذه الشروط إذا ما توافرت فإنها تنقل الواقعة المتوقعة إلى واقعة حادثة

‫وفي منتصف القرن العشرين تزايد الاهتمام المعرفي -العلمي بالمستقبل، فنشأ ما سمي بعلم المستقبليات Futurology  Футурология. وهو علم قائم على وقائع ومعلومات دقيقة متحررة من الأيديولوجيا، ويستخدم في الاقتصاد حركة المجتمعات وأزماتها وحدوث الزلازل وهكذا.‬

وقديماً قال لنا الشاعر المبدع أبو تمام:

السيفُ أصدقُ إنباءً من الكتبِ في حدِه الحدُ بين الجدِ واللعبِ.

والعلمُ في شهبِ الأرماحِ لامعةً بين الخميسينِ لا في السبعةِ الشهبِ.

لنخطُ خطوة أخرى في الكشف عن التوقع في عالم المجتمع. المجتمع لا يخضع لقوانين صارمة تسمح لنا بالتنبؤ، والسبب يعود إلى إنَ الشروط التي تنتج واقعة ما متعددة من جهة، وغير معروفة بمجملها، من جهة أخرى. وهذا يعني بأن اليقين لا ينتمي إلى عالم التوقع.

هذا المدخل المنهجي ضروري للإجابة عن السؤال الذي يطرحه بعض اللائمين للثورة السورية بقولهم لماذا لم يتوقع من فجروا الربيع السوري ما حدث للثورة فيما بعد؟ لماذا لم يتوقعوا المستقبل الذي ينتظر سوريا وها هو  الدمار الآن ماثل أمام أعينهم؟

سأفترض بأن العقل الذي فكر في مآلات الثورة السورية هو عقل المجلس الوطني وتحولاته في الائتلاف.

حقل التوقعات كان في حدود درجة العنف الذي ستستخدمه السلطة، حجم الدعم الدولي قياساً على الدعم الدولي الذي تم في بلدان الربيع العربي، الدور الإيراني وحزب الله، ثم أضيف إلى هذا الحقل الدور الذي سيقوم به الجيش الحر . 

ما كان خارج التوقع: ظهور الحركات الأصولية المسلحة وقضاؤها على الجيش الحر الذي عزز الأمل بالانتصار في البدايات، التدخل العسكري الروسي، الطعنات الأمريكية والأوروبية، الدور التركي، الدور العربي المتقلقل.

ما كان خارج توقع الثورة السورية: ظهور الحركات الأصولية المسلحة وقضاؤها على الجيش الحر الذي عزز الأمل بالانتصار في البدايات، التدخل العسكري الروسي، الطعنات الأمريكية والأوروبية، الدور التركي، الدور العربي.

هل كان عدم التوقع هذا خطأ في الوعي المعرفي؟ لا، بل الخطأ الفادح هو في التعامل مع ما لم يكن متوقعاً ووقع.

وهذا يشبه تعامل الجماعة الحاكمة مع ما لم يكن في حسبانها ووقع.

لقد خلق اللامتوقع الذي وقع وقائع جديدة لم تكن في الحسبان، كما قلنا، وهذا يتطلب التعامل مع الثورة آخذينها بالحسبان دون نكرانها والتعامل معها من منطلق الإدانة.

هناك ثابت واحد يجب أن يكون مشتركاً عند أطياف المعارضة وهو الرفض المطلق لبقاء الجماعة الحاكمة ورأسها. لأن حجم الجريمة التي ارتكبتها لا مثيل لها في تاريخ الشعوب، والرفض المطلق لجبهة النصرة التي قضت على إمكانية تحول الجيش الحر إلى قوة فاعلة في تحديد المصير، ولأنها حركة نكوصية لا علاقة لها بمفهوم الدولة المعاصرة.

وإنتاج عقل يفكر على هذا النحو يعني بالضرورة إنتاج جبهة سورية موحدة حول الأهداف الكبرى.

هناك ثابت واحد يجب أن يكون مشتركاً عند أطياف المعارضة وهو الرفض المطلق لبقاء الجماعة الحاكمة ورأسها. لأن حجم الجريمة التي ارتكبتها لا مثيل لها في تاريخ الشعوب

هذه الجبهة الموحدة بعقلها الذي يتعامل مع الواقع في تعيينه الحاضر، هي القادرة على التعامل مع القوى الخارجية التي حولت القضية السورية إلى مسألة دولية، وتفرض وجودها على أي تفكير دولي بسوريا.

والتفكير المنهجي وفق منطق الواقع واحتمالاته وتوفير سبل فهمه وتغييره وحدة الكفيل بالانتقال من حالة عطالة الإرادة الشعبية إلى حالة نشاطها الفعّال.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات