النابلسية الدمشقية تبهر إدلب
لفت انتباهنا محلان كبيران للحلويات بالقرب من دوار الكرة الأرضية في مركز مدينة إدلب كانا يحظيان بإقبال ملحوظ.. ليتبين لنا أنها محلات الكنافة النابلسية الدمشقية.
لا حاجة للتذكير أن الكنافة النابلسية فلسطينية الأصل وتنسب إلى مدينة نابلس التي كان يطلق عليها الفلسطينيون (دمشق الصغرى) نظرا لشبهها الشديد بدمشق قديما، لكن النابلسية منذ خمسينيات القرن العشرين انتشرت في سوريا كلها عن طريق الدمشقيين الذين احتفظوا باسمها، لكنهم تفننوا في عرضها وتقديمها حتى صارت حلوى أساسية من الحلويات الدمشقية.
بعد وقت من الانتظار بسبب الازدحام وحركة البيع الكثيفة، تمكنا من الحديث (ماهر الشامي) صاحب محل "الدمشقي" ليحدثنا عن الحلويات الدمشقية ومحلاتهم في إدلب قائلاً: "افتتحنا المحلين في منطقة إدلب منذ سنتين تقريباً وأسميناها الدمشقي والشامي تخليداً لمناطقنا التي هُجرنا منها. واختصاصنا بالنابلسية والمدلوقة الشامية بشكل رئيسي وكل الكادر العامل هنا من أهل الشام ومدينة داريا بشكل خاص".
وأضاف (الشامي) وهو يحدثنا بابتسامته العذبة التي لا تخفي خلفها حزن الابتعاد الطويل عن دمشق: "استغلينا خبرة عشرات السنين من أيام دمشق قبل الثورة في صناعة الكنافة والتي كانت مهنة عائلة العبّار بشكل رئيسي في درايا، وافتتحنا المحلات في إدلب لنقل النكهة الشامية إلى هنا ولكسب قوت العيش والاستمرار بالعمل الشريف".
طريقة تقطيع الكنافة التي تمتاز بالخفة والرشاقة المذهلة وخصوصا حين يتكدس الزبائن في ساعات ما قبل الإفطار.. لفتت أنظار الكثيرين... ولهذا آثرنا الحديث مع (أبي رشيد) أحد العاملين في هذين المحلين الذي بادرنا بالقول "نعم.. أنا متخصص في تقطيع الكنافة والمدلوقة وبيعها للزبائن كما رأيتم. عملية التقطيع تحتاج لمهارة وسرعة ودقة في تقدير الأوزان... وهذه نكتسبها بالعمل الطويل. بالنسبة للذين يأتون إلينا اليوم هم من كل مكان. يأتون لشراء الحلويات الدمشقية أو تذوقها داخل المحل، إذ لم يعد الاستهلاك حكراً على "الشوام" فقط بل بات زبائننا من باقي جميع المحافظات أكثر من أهل الشام أنفسهم".
وأضاف (أبو رشيد) شارحا أنواع وأصناف الحلويات الأخرى التي يبيعونها: "لدينا كافة أنواع الحلويات العربية مثل المبرومة والهريسة وسوارة الست والكنافة الساحلية التي تشهد استهلاكاً لا بأس به، ولكن تبقى النابلسية والمبرومة من أشهر وأكثر الحلويات مبيعاً، كونها شامية بامتياز وتتمنع بطعم شهي وبشكل رائع وسعر مقبول بالعموم".
وعن أسعار الحلويات بشكل عام أجابنا (فؤاد العلوش) صاحب أحد محلات الحلوى بقوله: "يختلف سعر الكيلو غرام الواحد للصنف باختلاف مكوناته إن كان من السمن العادي أو العربي بالدرجة الأولى، فعلى سبيل المثال كيلو (عش البلبل) أو (سوارة الست) أو (الهريسة) يبلغ ٣٠ ليرة تركية بالسمن العادي و٨٠ ليرة بالسمن العربي.. بينما سعر كيلو الكنافة يبلغ ٣٠ ليرة .. وكيلو المبرومة ١٢٠ ليرة .. وكيلو البلورية ١٠٠ليرة .. وهي قليلة الإنتاج بسبب قلة الاستهلاك نتيجة لسعرها المرتفع تماشياً مع الوضع المادي العام بالمحرر.. وسعر كيلو الكنافة النابلسية أو المدلوقة ٣٠ ليرة تركية ".
النواشف.. شاميات من نوع أخر
وبعيداً عن أصناف الحلويات العربية وفي نفس سياق الحلويات الشامية يحدثنا (أبو علاء) صاحب محل للحلويات الناشفة الدمشقية قائلاً "جاء سبب التسمية من كون الحلويات خالية من القطر وهي ناشفة بعض الشيء وتحتاج لكاسة شاي أو فنجان قهوة سادة بشكل رئيسي كطقس أولي لتناولها، وتشهد إقبالاً كبيراً من أهل كل المحافظات أيضاً ولا يقتصر على منطقة معينة" وعن أشهر أنواعها يجيبنا (أبو علاء) "هناك أنواع مختلفة للحلوى الناشفة أبرزها الكعكيات بأنواعها كالسادة و المسمسمة و المعمول التي يتراوح سعرها بين ٦ إلى ٢٠ ليرة تركية وهناك البيتفور المعروف للجميع ولكن يبقى أنواع بيتفور الصب و الطبع والسابلية والغريبة الناعمة والبرازق الشامية على رأس القائمة ومن أكثرها استهلاكاً عند كل الناس وخاصة. في شهر رمضان كونها من أساسيات السهرة بعد الإفطار وسعرها مقبول الى حدٍ ما وهو لا يتجاوز ٢٢ ليرة تركية.
ثوار حي الميدان في الشمال السوري
لطالما كان حي الميدان الدمشقي معلماً معروفاً لكل السوريين والزائرين لدمشق كونه يمتاز بأنه مركز شهير لمحلات الحلويات الدمشقية على مدار العام، فيما يتميز بأجواء شعبية مبهرة وخاصة في شهر رمضان حتى أطلق عليه "حي الميدان المطبخ الذي لا ينام" ومع أحداث الثورة فقد كان لانتفاضة حي الميدان ضد نظام أسد دور في تكثيف حملات الانتقام الجماعي من الحي الثائر.. الأمر الذي أدى لخروج بعض أبنائه إلى الشمال السوري.
يحاول الشاميون أن ينقلوا تراثهم وخبرتهم ومهنهم إلى الشمال السوري وهذا ما أكده (سمير الطباع) أحد أصحاب محلات الحلويات العربية الدمشقية في إدلب بقوله "نسعى لمحاكاة الواقع الميداني لما قبل الثورة السورية المباركة من خلال طريقة عرض وصناعة الحلويات الدمشقية الأصيلة والزي الشعبي القديم، ناهيك عن الكلمة الطيبة والابتسامة التي يجب أن تقابل بها الزبون في كل الأوقات والظروف"
هذا وتبقى مناطق الشمال السوري المحررة تجسد سوريا المصغرة الحالمة بالحرية والرزق الحلال، وهي تجمع كافة أطياف السوريين وتتناغم معها العادات والتقاليد والأكلات والحلويات لتنتج نسيجاً مجتمعياً رائعاً يتناوله الجميع بعيداً عن مزرعة الأسد، حيث تقاليد التشليح والإتاوات الظالمة والسطو باسم القانون!
التعليقات (1)