قصة بهجت سليمان مع قائد الشرطة وفتيات الليل!

صيف 2002، كنت ضابط شرطة صغيراً برتبة "ملازم أوّل" في السادسة والعشرين، أترأّس مركزاً للطرق العامّة بين "دمشق" و"درعا"، مركزاً من مراكز الشرطة التي أُنشئت من أجل ضبط حركة المرور والنجدة على الطرقات السريعة، وكان الوقت مساءً حين دخل شرطي وقال بلهجته الحورانية مسروراً: "هاظ حادث سولافة!". 

حين خرجتُ وجدتُ "ميكروباص" مثل "السرافيس" المستخدمة في النقل العام، لكن لم يظهر أنّ ثمّة حادث بل حوادث، فقد كان في المركبة "شوفير" واحد وتسع بنات، وفور شروعهنّ بالنزول من "الميكرو" تحوّل مركز الشرطة التي في خدمة الشعب إلى مركز للشرطة الحنونة، فحتّى "متعب" العملاق الذي كان يمسك بيديه "موقوفَين" اثنين فيأخذهما وحده إلى قاضي التحقيق في "الصنمين" دون حاجة إلى "أصفاد" أو زميل مساعد، صار مثل النسمة اللطيفة التي تلفح الوجه فتغمره بالسكينة والسرور، والدليل أنّه قال لأوّل الواصلات المنزعجات من الحادث حين وطأت ساحة المركز: "ولك روق يا برقوق"!. 

بالنتيجة، صار لدينا في المركز سائق "ميكروباص" يأخذ العناصر المناوبون إفادته في دفتر الضبوط، وتسع بنات يتجادلن ويتشاجرن ويصرخن، وبدا من "المظهر العام" أنّهن في مهمّة، واستطعنا "كشرطة" تحديدها بعد دقائق وضبطنا تفاصيل الحادث، "فنّانات" كُنَّ في طريقهنّ من دمشق إلى درعا من أجل العمل، وعند السؤال البريء: "ما هو العمل الذي يحمل فتيات زهرات وردات على تكبّد هذه المسافة ليلاً؟" أجابت إحداهن: نحن نعمل في مقصف "زيزون"، وأضافت: لقد تعرّضنا عند مفرق "منكت الحطب" إلى ملاحقة "شوية زعران" بسيّارة  بيضاء أجهل نوعها ورقم لوحتها، وظلّوا يلاحقوننا حتّى وصلنا إلى مركزكم فهرعنا إليه نطلب النجدة، ولقد لبّيتم طلبنا على الفور، وهذه إفادتي. 

هكذا كتب الشرطي "عبد المنعم" الذي من "فطّيرة" في جبل الزاوية بإدلب الإفادة على دفتر الضبوط، وعندما وافاني بها لأرسل برقية لقيادة الشرطة دخلَت من تبيّن أنّها "الزعيمة"، زعيمة البنات الزهرات الوردات إلى المكتب وبكلّ رقّة وعذوبة قالت: ممكن أحكي تلفون؟، وبسبب هذه الرقّة والعذوبة قلت: ما في مشكلة.. بس ممكن أعرف مع مين؟، بكلّ رقّة وعذوبة وفوقهما "ثقة" قالت: مع "اللواء بهجت". 

مين بهجت كيف بهجت ليش بهجت وشلون بهجت، أخذت مني وقتاً مُعتبراً لأفهم أنّ "الزعيمة" زعيمة البنات اللواتي كنّ في طريقهنّ إلى "النادي الليلي" للغناء والرقص والمجالسة، تريد أن تتّصل باللواء "بهجت سليمان" (رئيس الفرع الداخلي في المخابرات العامّة) وقتها. 

ووقتها أنا والله قلت لنفسي: معليش، من حقّ الجميع أن يحلموا بامتلاكهن لقدرات ما، سواءً كانت منطقية أو لا، حتّى الحلم بامتلاك قدرات خارقة جائز، فطلبت من "الزعيمة" أن تهدأ وتنتظر ريثما نؤمّن لها وللبنات الزهرات الوردات وسيلة نقل، وتنتهي القصّة. 

لكنّ "الزعيمة" أصرّت على إجراء مكالمتها الهاتفية، وبين قلقي من السماح بذلك، فلا يمكن أبداً وعلى الإطلاق ولا ريب وبلا شكّ أن يكون لها اتّصال أو تواصل أو معرفة قريبة ولا بعيدة بالمنوّه عنه، وبين فضولي لأرى كيف ستتصرّف ومن ستُخابر؟، سمحت لها باستخدام الهاتف، فاتّصلت وخاطبت أحداً ما مخاطبةً إيّاه بـ "سيادة اللواء" ثمّ خرجَت، وطفقتُ أنا أضحك ساخراً، فأيّان لهذه الإمّعة أن تتّصل برئيس الفرع الداخلي في إدارة المخابرات العامّة؟. 

بعد خمس دقائق اتّصل النقيب "سامر بريدي" من الإدارة المنوّه عنها للاطمئنان عن الوردات، وبعد خمس دقائق أُخرى اتّصل قائد شرطة درعا العميد "أحمد فاتي" فقال:

" ابني.. حكى معي اللواء بهجت شخصياً منشان هودي الجماعة اللي عندك، فوراً بتوصلن عالمقصف، وبتسهر هنيك وعحسابي، وإذا شفت عنصر من الأمن السياسي هنيك بتقوم بتقتله وبتقله: أنا بمهمّة رسمية من اللواء بهجت سليمان، مفهوم؟" 

بعد سنين التقيت بـ "الزعيمة" مصادفةً في "اللاذقية"، فسألتها: لك من وين لوين كنتي بتعرفي سيادة اللواء؟ فقالت وهكذا بشكل مباشر موجّه وواضح: ليش في "شر.." ما بيعرفا "بهجت سليمان"؟.