قراءة في أبعاد الأزمة السعودية – الإيرانية وانعكاساتها على المنطقة

قراءة في أبعاد الأزمة السعودية – الإيرانية وانعكاساتها على المنطقة
في خطوة مفاجئة من نوعها أقدمت الداخلية السعودية في الثاني من شهر كانون الثاني \\ يناير من العام الجاري 2016 على تنفيذ حكم الإعدام رميا بالرصاص بحق 45 سعوديا بينهم المعمم الشيعي السعودي نمر باقر النمر إضافة إلى شخص مصري وآخر تشادي، وهو ما يمكن إعتباره الحدث الأكبر والأهم من نوعه، ربما منذ تأسيس المملكة.

الخطوة السعودية هذه مثلت ضربة قوية في اتجاهين، فهي من جهة نفذت حكم الإعدام بحق 46 من قيادات وأعضاء ومناصري الجماعات الجهادية كالقاعدة وتنظيم الدولة، ومن جهة أخرى وجهت ضربة للحراك الشيعي الإتفصالي ممثلا بزعيمه نمر باقر النمر، لتبعث بذلك رسائلها في أكثر من اتجاه.

داخليا: أكدت السعودية من خلال هذا الأمر أنها لن تتساهل مع أي محاولات لزعزعة الأمن الداخلي للمملكة خاصة بعد انخراطها القوي في الحرب اليمنية، فالمحكوم عليهم ينتمون لعدة قبائل وعائلات سعودية، وتنفيذ حكم إعدام جماعي كهذا يحتاج وبلا أدنى شك لما يخفف من وقعه على الداخل السعودي، فكان إعدام المعمم نمر النمر، الذي إحتاج بدوره لما يبرره ويخفف من وقع صدمته على أنصاره داخليا وخارجيا، وهو ما تم من خلال إعدام المجموعة السعودية، وبهذا فان المملكة تكون قد أصابت عصفورين بحجر واحد.

إقليميا ودوليا: أرادت السعودية أن توجه رسالة قوية لأصدقائها قبل أعدائها وكذلك للمجتمع الدولي مفادها أنها جادة في مسألة التصدي لأي مخطط خارجي يستهدف أمنها ووحدة وسلامة أراضيها، وهي بهذا نجحت مرحليا وإلى حد بعيد في أمرين: الأول أنها مصرة على التصدي لوجود الجماعات الجهادية على أراضي المملكة، والثاني أنها لن تتساهل مع أي مخطط إيراني يهدف إلى الضغط على السعودية في مسائل داخلية حساسة تتعلق بالبعد الطائفي والمذهبي.

إيران لم تفهم الرسالة

لو عدنا بالتاريخ إلى الوراء قليلا لوجدنا أنه لا يكاد يمر شهر بلا إعدامات تنفذها إيران بحق ناشطي ورموز الأحواز العربية ودونما اعتراض من أي جهة عربية كانت أو دولية, حيث تعطي لنفسها الحق بقتل وإعدام وتصفية من تشاء وتتدخل في شؤون الدول العربية وتشن الحروب في أكثر من دولة، ثم تنصب نفسها حامية لشيعة المنطقة.

رد الفعل الإيراني على إعدام نمر النمر كان غوغائيا كعادته ولم يستطع فهم الرسالة السعودية، فإيران المحكومة بعقلية العداء لمحيطها العربي السني أرادت أن تستغل الحادثة لتهييج الشارع الإيراني الداخلي والشيعي الخارجي من أجل رفع منسوب العداء هذا كي تبرر عدوانها على أكثر من بلد عربي، هذا العداء الذي غالبا ما تربط أسبابه بمسألة دعم المقاومة في وجه قوى الاستكبار العالمي وعمالة الأنظمة العربية له كما يحلو للنظام الإيراني أن يوصف الحالة.

إيران ومن خلال ردود أفعالها هذه هدفت إلى استغلال حادثة الإعدام للتعمية على وضعها الاقتصادي المترهل، إضافة إلى تصدير أزماتها إلى الخارج وذلك من خلال سياسة الهروب إلى الأمام فالمواطن الإيراني الذي يواجه البطالة والتضخم بات يدرك ان حكومة بلاده مخطئة في سياساتها الخارجية التي استنزفت كل ما تجنيه إيران من ثروات. 

فشل إيران في تلقي مضامين الرسالة السعودية وفهمها، دفع بالأخيرة إلى الرد بقطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية ووقف الرحلات الجوية معها لتلحق بها كل من البحرين والسودان فتنسج على نسجها لتكبر كرة الثلج التي قد يصعب وقف تدحرجها رغم دخول أكثر من دولة على خط الأزمة وذلك في محاولة لوقف تداعياتها التي لا يمكن التنبؤ بنتائجها وانعكاساتها على كافة الملفات الساخنة في المنطقة.

لقد استطاعت إيران صنع زوبعة فنجان، استمرت لأيام لكنها سرعان ما تلاشت بعد أن فهمت الرسالة، فَطَفِقَت تحاول لملمة الأزمة ووقف تداعياتها، وهو ما تجلى بتصريحات المسؤولين الإيرانيين التي أعقبت قطع السعودية لعلاقاتها الدبلوماسية معها، وكذلك من خلال قيام إيران بتوجيه رسالة إلى الأمم المتحدة تتعهد فيها بحماية السفارات الأجنبية وعدم تكرار حوادث الاعتداء عليها مستقبلا، ولاسيما أن سجل إيران أسود في هذا المجال، فقد كان هناك اعتداءات سابقة على أكثر من سفارة أجنبية منها الولايات المتحدة وبريطانيا. 

  

النأي بالنفس ومواجهة الأزمات دفعة واحدة

المتأمل للأحداث التي تعيشها منطقتنا اليوم، سيجد أن السعودية قد وجدت نفسها ورغما عنها في قلب الأحداث التي سيتعين عليها أن تتعامل معها بطريقة لم تعهدها سابقا، وربما يكون السبب في ذلك هو سياسة النأي بالنفس عن مشاكل المنطقة التي مارستها السعودية لعقود، ولم تسهم هذه السياسة في تجنيبها تبعات هذه المشكلات لا بل تسببت بتراكمها، الأمر الذي وضعها في مواجهة مباشرة مع العديد من الأزمات والاستحقاقات التي ما عاد بالإمكان تجنبها.

يقول المثل أن تصل متأخرا خير من ألا تصل أبدا، ومما لا شك فيه أن خطوة قطع العلاقات السعودية – العربية مع إيران كانت خطوة موفقة وصحيحة يجب دعمها كي تستمر وتستثمر بالشكل الصحيح, حتى وإن جاءت متأخرة وعلى خلفية حدث داخلي تمثل بإعدام مواطن سعودي، فإيران ومنذ استلام معمميها للحكم لم تظهر أي بوادر حسن نية تجاه محيطها العربي، لكنها وبدلا من ذلك سعت إلى خلق الأزمات ونشر الطائفية والعداء بين أطياف ومكونات شعوب المنطقة، وقامت بزرع خلاياها وأذرعها في الدول العربية وهو ما تسبب وسيتسبب في سلسلة الأزمات والحروب الحالية واللاحقة.

انعكاسات وتداعيات الأزمة السعودية – الإيرانية 

اليوم وبعد دخول العلاقات السعودية الإيرانية مرحلة القطيعة التامة التي قد تتطور إلى مواجهة مباشرة أو غير مباشرة يمارس فيها كسر العظام بواسطة أذرع البلدين في المنطقة، فإن شروط اللعبة قد تغيرت، وهو ما سيسهم في تعزيز قوة المحور السني المقاوم للتمدد الصفوي الفارسي في المنطقة ولكن بشرط أن تكون المملكة جادة فعلا في التصدي للمشروع الإيراني، وليس مجرد تكتيك أو إجراء مرحلي، فإن أي تراجع سعودي عن المواجهة مع إيران سيعني أنها أنزلت الجميع إلى البئر ثم قطعت الحبل بهم، وهو ما سيعني انهيارا تاما حتى لدول المنطقة وأنظمتها وليس مجرد انتكاسة.

حاليا وفي ظل حاجة العالم إلى محاربة التنظيمات الجهادية فإنه من غير المرجح أن تسمح الدول الكبرى بتطور الأزمة والتصعيد بين البلدين وهو ما يمكن فهمه من خلال جملة التصريحات الدولية فروسيا أبدت استعدادها للدخول في وساطة بين البلدين لنزع فتيل الأزمة، أما دي ميستورا فقد طار إلى الرياض ليجتمع مع المسؤولين السعوديين وهيئة المفاوضات السورية كي يضمن عدم تأثير الأزمة على مفاوضات جنيف الخاصة بسوريا والمقرر عقدها بتاريخ 25 من الشهر الجاري، حيث انعكست الأزمة السعودية على موقف المعارضة السورية المجتمعة في الرياض فرفعت سقف مطالبها في خطوة يمكن تفسيرها كدعم لموقف السعودية التي قد تزيد من وتيرة دعمها العسكري لفصائل المعارضة السورية في مواجهتها مع نظام الأسد وحلفائه الإيرانيين والشيعة. 

تركيا اختارت أن تمسك العصا من المنتصف وذلك بإدانتها لاقتحام السفارة السعودية في إيران وتحفظها على مسألة إعدام السعودية لمجموعة ال 47 فتركيا تدرك أن هكذا أزمة لابد وأن ترخي بظلالها على كافة الملفات الإقليمية، وهو ما قد يفتح الباب أمام الصراعات الطائفية والأثنية التي قد تتطور لتضرب كافة دول المنطقة بما فيها تركيا نفسها حيث يمكن لإيران اللعب على وتر الكرد والعلويين في تركيا وهو ما يهدد بزعزعة الاستقرار فيها.

السعودية وبما تملك من ثقل عربي وإسلامي قادرة على حشد الدعم لموقفها من خلال تفعيل الحلف الإسلامي العسكري وإدخاله حيز التنفيذ ضد إيران هذه المرة، لكن يبقى عليها أن تضمن مشاركة وفاعلية دور العديد من الأطراف العربية والإسلامية ومدى سماح الدول الكبرى بهكذا خطوة، فأي مواجهة عسكرية مباشرة ستعني وبكل تأكيد أن طرق مرور النفط البحرية قد أغلقت في وجه ناقلات النفط الرخيص، وهو ما سيضر بأمريكا ودول شرق آسيا لكنه سيخدم بالمقابل روسيا التي ستجني الأرباح الناجمة عن ارتفاع أسعار النفط، وهذا الاحتمال مستبعد حاليا.

من المرجح وفي حال عدم احتواء الأزمة أن يتم تصعيد في وتيرة الحروب بالوكالة، بين البلدين وفي أكثر من منطقة كاليمن وسورية أو حتى فتح جبهات جديدة في لبنان والبحرين على سبيل المثال، وما إعلان البحرين عن إحباطها لمخطط إرهابي يقوده عناصر من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله ‘لا خير دليل على هذا السلوك الإيراني.  

إيران قد تعود لممارسة سياسة الاغتيالات بحق شخصيات سعودية أو مقربة من السعودية، تنفذها خلايا نائمة تتبع لإيران في عدد من دول العالم فقد عُرف عن إيران استخدامها لإسلوب الاغتيالات مرارا.

لقد أثبتت الأحداث الخطأ الفادح المتمثل في ترك الشعب السوري وحيداً في مواجهة إجرام نظام الأسد الطائفي المدعوم من إيران وأشياعها، كذلك فإن دعم بعض الأنظمة العربية للثورات المضادة هو ما أدخل المنطقة في دوامة من الحروب والصراعات التي ما كانت لتحدث لو استطاعت هذه الشعوب تغيير أنظمتها سلما، وها هي مصر اليوم ترزح تحت حكم العسكر الذين أعادوها إلى ما دون نقطة الصفر بعد أن تمكنوا وبمساعدة الخارج من إزاحة رئيسها المنتخب الذي كان يمثل بارقة أمل للمصريين والعرب، حيث كان يمكن لمصر أن تكون سندا قويا لدول الخليج التي لن تضطر لدفع الرز كما تفعل اليوم مع السيسي.

إعدام النمر يثبت أن كل من باع وطنه لإيران لم يجنِ إلا الحسرة والوهم، لأن إيران محكومة بعداء تاريخي لكل ما هو عربي مسلم دافعها إلى ذلك أن الفاتحين الأوائل من العرب المسلمين هم من أزال إمبراطورية فارس، وهي اليوم تحاول الإنتقام منهم باستخدام أشياعها من العرب أنفسهم باسم حب آل البيت وتحت شعار يا لثارات الحسين. 

التعليقات (3)

    سوري حر

    ·منذ 8 سنوات 3 أشهر
    أوجه القراء الكرام وخصوصا ً الشيعة منهم لقراءة المقال الرائع ( رسالة لكل شيعي عاقل / للكاتبة كوثر الأربش) أحيي الكاتبة المحترمة وأتمنى لو أن فكرها يتم تبنيه من الشيعة العرب في كل دولنا العربية.

    ثائر

    ·منذ 8 سنوات 3 أشهر
    ايران ستبتلع ماجرى كما ابتلعت روسيا اسقاط الطائرة على يد تركيا ، الرد ان حصل لن يكون سعوديا بل سيكون في سوريا او اليمن

    aissa

    ·منذ 8 سنوات 3 أشهر
    بارك الله فيك اخي مقال جيد...انشره في القدس العربي,,,ضد المسمى عبد الباري عطوان هذا الخائن الذى بدل جلده ...واصبح ناطقا غير رسمى باسم بشار وجمرته....ارجو ان تفضحه....بمقال ...يشفي ليلى منه...مغربي غيور على امته....وعاشت الثورة السورية التى عرت كل العملاء....
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات