استبشر السوريون خيراً بوضع حد للمآساة الإنسانية ويتنشل المدنيين من أنياب العصابات الأسدية، وبدأت الصحف الأمريكية والإنكليزية والفرنسية ملتحقةً بها الصحافة العربية، باستبعاد خيار التوجه الثورة إلى حرب أهلية نتيجة شرعنة ما تقوم به آلة حرب النظام من مجازر بحق السوريين راح ضحيتها عشرات الآلاف من من أطفال ونساء ورجال، وقضت على السواد الأعظم من البنى التحتية، البنى التحتية التي تحتاج إلى خطة إعادة إعمار وعقود تغري الشركات بالدمار الحاصل مما يفوق الحرب العراقية. العام المنصرم حلمت النخبة السورية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، باستبعاد كابوس التقسيم ومع نهاية العام، يبدو شبح التقسيم أشد وضوحاً من الواقع. التطورات الميدانية هي الأخرى لم تحمل دعماً جدياً يجبر بشار الأسد بغية الخروج من السلطة، ولكن التباطؤ بوعود الدعم لحركة أحرار وجيش الإسلام، كان التردد فيها استراتيجية أمريكية تحول دون إجبار الأسد من أجل الخروج من السلطة، بحجة أن المواقف الروسية تملي الوتيرة. الولايات المتحدة الأمريكية، قالت للمعارضة السورية، إن تعنت الروس حيال النظام، يجعل كل خياراته واردة، ومنها الخيار الأمثل للدبلوماسية الروسية شن حروب بدعوى الأمن القومي وقواعدها العسكرية على مياه البحر المتوسط الدافئة، والمعارضة السورية الرسمية لا تملك من أمرها شيئاً، سوى السمع والطاعة.
الأمين العام للأمم المتحدة بدأ تصريحاته بداية العام المنصرم، وصدقت الصحف أن القادم لن يكون مثل سابقه، والأمم المتحدة لن تهرب المرة من استحقاقاتها نحو المآساة الإنسانية المرتكبة من قبل العصابات الأسدية بحق أهل السنة بينما بقيت كل الطوائف السورية تدفن رأسها في الرمال. بدأ الحديث عن أن"الأزمة السورية"-حسب التعبيرات الدبلوماسية الأممية- باتت تهدد السلم والأمن الدوليين، وتحديداً بما يخص بند، استعمال النظام لأسلحة المحظورة دولياً في الغوطة الشرقية، وخرق النظام لأخطر محظورات الأمم المتحدة. ولكن مع بداية العام كان القرار الأممي رقم٢٢٥٤، ينحاز للنظام ويفرض عقوبات على أكثرية فصائل المعارضة العسكرية، وسمح الأمريكيون للروس باغتيال قائد"جيش الإسلام"الشيخ زهران علوش، تجنباً لإحراج الأمريكيين غير القادرين على إدراجه في قوائم الفصائل الإرهابية التي ستصدر عن الأمم المتحدة، قريباً، من أجل شرعنة إغتياله، نزولاً عند مطلب الروس لضرورات المرحلة، بينما الأمريكيون اكتفوا بالشجب والإدانة. وبدأت ملامح التنسيق الخليجي-الأمريكي بالتعاون مع الأردن من أجل دعم الجبهة الجنوبية وريف دمشق، مصابةً بالشلل، خرج أهل الزبداني في منظر أبشع تطهير لأهل السنة برعاية أممية. كل رقع الطبول الدبلوماسية والعسكرية، تحولت من حلم إلى كابوس بشع مع استفاقة العام الجديد، وبدأ الحديث عن شرعنة "ديكاتور قصر المهاجرين"، وتحول التهديد الغير الجدي إلى دعم بدأ مع التدخل الجيش الروسي، دعماً للأسد. التطور الوحيد المفاجئ ميدانياً كان في تحرير محافظة إدلب كاملةً، الذعر أصاب الخليجيين ودفعهم للتنسيق مع الأتراك لإحداث تطورات ميدانية لصالح المعارضة، ولكن هذا التغريد خارج سرب الاستراتيجية الأمريكية، سرعان ما دحضته الولايات المتحدة بمناورات عسكرية، انتهت منذ أيام قليلة، وأسفرت عن تطمينات للخليج بدعمه باليمن وكف ذراع إيران عن الأمن القومي الخليجي، وعادت المملكة العربية السعودية عن عزفها المنفرد دبلوماسياً.
كان النعش الأول لجندي من الجيش الروسي يصل من الجبهة السورية إلى موسكو قبل إنصرام العام بقليل، بداية التورط المادي والسياسي للجيش الروسي في"حرب استنزافية"ضد المعارضة العسكرية السورية التي لاتمتلك من العتاد غير الآربجيه والإيمان بوضع حد لعلونة الدولة السورية. لأسباب عملية ومادية للاستراتيجية الأمريكية، كان التدخل الروسي، مما يجنب حلف الناتو التدخل في عمل عسكري في سوريا الغير غنية بالثروات مثل العراق، ولا يغري هذا التدخل بتغطية مصاريف الموارد"غير المباشرة"ونتيجة ذلك تبدو الموارد"المباشرة"مكلفة جداً.
عزف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على المشاعر القومية للروس، وحرك مشاعرهم الأرثوذكسية من أجل الحرب في سوريا. الحرب التي لن تكون تبعاتها أقل من الحرب التي خاضها السوفييت في أفغانستان، لن تتوقف النعوش الروسية القادمة إلى موسكو من جبهات القتال في سوريا. وحينما تعود النعوش الكثيرة إلى موسكو، سيعلم الشعب الروسي إن الرهاب الإسلامي في الجمهوريات الروسية، والذي انتقل غالبية كوادره إلى صفوف ما يسمى"تنظيم الدولة الإسلامية" لمحاربة الروس، سيكون مستنقعاً جديداً لا قدرة للروس على تحمل نفقاته. الروس الذي يعانون من البطالة وانعدام الضمان الصحي والإجتماعي، حال أي دولة من دول العالم الثالث، سيكون حلم عودة روسيا كلاعب دولي قوي بعيداً عن حلف وارسو، ممثلةً بالكلفة المالية لميزانية الأولمبيات الشتوية التي سببت عجز حاد بالميزانية من أجل إرضاء غرور"قيصر التركة السّوفياتية".
كان الوهم الأكبر العام الفائت، أن باراك أوباما في الفهم الشائع لدينا، كان قائداً ينفذ ما يريد مثلما هو حاصل في المنطقة العربية. التدخل الروسي لم يأتِ بين ليلة وضحاها. وجنيف وفينيا وباريس وموسكو وطهران وحتى باريس على دارية بالتدخل الروسي. التدخل تحت بنود استراتيجية"سيد البيت الأبيض". وحدنا أهل السنة لم نحسم خياراتنا بوصفها حرب لن تنتهي إلا بخسارة خصمنا"ديكاتور قصر المهاجرين"وإلا ستكون نهاية العام الحالي، مجزرة مروعة بحق أهل السنة تفوق ما حصل خلال الخمسة أعوام المنصرمة.
التعليقات (1)