كان بوتين، يتحسب لردود فعل دولية وإقليمية صارمة، جراء احتلاله السافر. لذا سارعت دوائره المختصة، بتحديد جدول زمني، لعمليات سلاح الجو الروسي بالأجواء السورية،
لا يتجاوز الثلاثة أشهر، وبتقييد مهمتها في سياق مكافحة إرهاب، هو أخر همه. وبما يلمح إلى نوايا جدية، للسير بعملية انتقال سياسي، استناداً إلى جنيف1. يحفظ ماء وجه موسكو. ويتيح لها وقتاً إضافياً لترتيب بديل مناسب من "الأسد"، يؤمن لها مصالحها، والتي تتركز بالساحل. على شكل قواعد عسكرية. ومنع مد خطوط غاز ونفط مستقبلية باتجاه أوروبا، بعيداً عن سيطرتها.
لكن ما حدث، أن الحتلال المُفاجئ، بتواطئ أمريكي واضح. أربك المحور الإقليمي المُناوئ للأسد، بأكثر مما توقع بوتين ذاته. وربما رأت بعض أطرافه، في التدخل الروسي، فرصة لتقليم أظافر إيران، أو تقليصاً لنفوذها. خصوصاً أنه يحمل راية جنيف1، وما تُبشر به من حل سياسي يُزيح الأسد. ويُمهد لمعالجة المأساة السورية. وهو ما أوحى به بوتين مراراً. وعبر عنه الرئيس التركي أردوغان في تصريحه الشهير، بشان ملامح تبدل بالموقف الروسي، من بقاء بشار الأسد بالسلطة.
هذا الارتباك، الذي فضح نفسه، من خلال اعتراضات اقليمية ودولية خجولة. وبالامتناع حتى عن مجرد التلويح بالاستعداد، لرفع وتيرة تسليح ثوار سورية. أو تزويدهم بمضادات طائرات. شجع بوتين على التمادي بأوهامه وأحلامه. وصولاً إلى محاولة فرض رؤيته المستحيلة للحل السياسي، وصولاً لاستمرار الأسد. طالما أن أحداً، لم يبدِ رغبة حقيقية، للنزول إلى الميدان ومواجهته.
على طريقة "عنترة بن شداد" ذاتها. ذهب بوتين باتجاه الحلقات الأضعف، من "مدنيين وفصائل مقاتلة مُعتدلة. يستأسد في ضربها جواً بوحشية، وبلا مبالاة. على أمل خلع قلوب الأقوياء من داعميهم. ومواصلة تحييدهم.
بوتين "العنتر" هذا، لا يمتلك الامكانيات العسكرية والاقتصادية اللازمة، لتفجير حرب إقليمية. كما لا يملك جرأة الدخول في مبارزة تستنزفه على الأرض. وأكثر ما يُرعبه، هو أن يصعد أحد إليه في السماء مُتحدياً. أو يُعري حدود قوته بصواريخ من عيار "ستينجر"، تُرسل لمقاتلي المُعارضة. وهذا ما يُفسر "الهستيريا"، برد فعله المتواصل، على إسقاط تركيا للسوخوي 24.
تكمن مشكلة محور "السعودية- تركيا- قطر"، في المبالغة باسترضاء بوتين. والخضوع لمنطقه الشبيه بمنطق "عنترة"، رغم ذهابه بعيداً، بتهديد أمن هؤلاء القومي. سواء بدعمه جماعة الإرهابي صالح مسلم، لإقامة كانتون انفصالي كردي. أو الإيحاء بالاستعداد لتغطية كانتون علوي بالساحل السوري، وكلاهماعلى غرار الكيان "الإسرائيلي". عدا التحالف الاستراتيجي مع إيران، وآخر استفزازاته، حماية عبد الملك الحوثي، بمقر السفارة الروسية في صنعاء، من غارات التحالف العربي، خلافاً لمواقف موسكو المُعلنة، في الملف اليمني. بحسب ما كشفه نائب الرئيس اليمني خالد بحاح، عبر صفحته في فيسبوك، أول أمس.
الحقيقة، أن المشكلة ليست في بوتين و "عنترته"، بقدر ما هي في المحور المقابل إياه. وامتناعه عن اسقاط الأسد عسكرياً في دمشق، بأكثر من فرصة. تارة ارضاءً لأوباما. ومرة لأجل عيون "العنتر بوتين"، أو خوفاً منه. لكن الواقع أن "لا عنترة عنترة". ولا عواصم أولئك باتت بمأمن.
التعليقات (2)