حتى لا تقع الكارثة مرّة أخرى

حتى لا تقع الكارثة مرّة أخرى
من الجيد أن يصدر المجلس الإسلامي السوري بياناً بخصوص مؤتمر الرياض، يرد فيه على الشبهات الشرعية التي عارض بها البعض هذا المؤتمر، واتخذ موقفاً سلبياً ممن شارك فيه من الشخصيات والفصائل والقوى، وصولاً إلى حد تخوينهم وتكفيرهم.

ومع ذلك، فإن السؤال يلح عن السبب الذي جعل البيان يتأخر كل هذا الوقت، حيث صدر يوم الخميس الماضي، أي بعد أسبوعين من انعقاد المؤتمر، وما تلاه من مواقف، أقل ما يمكن أن توصف بأنها (سلبية) من جانب بعض القوى ضد الفصائل التي شاركت في هذا المؤتمر !

والحقيقة، إن تلكوء المؤسسات الثورية، بما فيها المجلس الاسلامي السوري في المواجهة، ليس الأول من نوعه، بل إذا ما أردنا المقارنة، فإن تحرك المجلس الأخير، يعتبر عاجلاً جداً بالمقارنة مع ما حدث في قضايا سابقة، أدى السكوت عنها أو التلكوء في مواجهتها، إلى كوارث كبيرة !

فمثلاً، انتظرت حركة أحرار الشام الإسلامية ثمانية أشهر على الأقل، ليصدر أول موقف صريح من قيادة الحركة تدين فيه تصرفات تنظيم الدولة، وتكشف تجاوزاته وممارساته في المناطق المحررة، وذلك عندما أصدر قائد الحركة الراحل حسان عبود (أبو عبد الله الحموي) تسجيلاً صوتياً نهاية العام 2013، وذلك بعد فوات الأوان.

ومع ذلك، فعندما بثت حركة أحرار الشام هذا التسجيل، كنا مجموعة من الناشطين نستمع إليه في مخبأنا ونحن نبكي بحرقة، لأنه بقدر ما شعرنا أن هذه الكلمة جاءت لتنصفنا، بقدر ما أزعجنا أنها جاءت متأخرة جداً، وبقدر ما كانت مهمة وضرورية، بقدر ما كان تأخرها ضاراً.

لقد كانت المعادلة بسيطة يومها، وقبل ذلك اليوم بكثير ..

كلمة من شخصية بحجم ووزن وموقع قائد حركة أحرار الشام، تعادل، عندما يتعلق الأمر بفصيل محسوب على السلفية الجهادية، مئة ألف مقال وتفصيل لدى مناصري تنظيم الدولة، الذين لم يكونوا وقتها سوى جمهور التيار السلفي الجهادي بشكل عام، وقد كان يمكن انقاذ الكثيرين منهم فيما لو بكّر دعاة ومنظري وقادة السلفية الجهادية بالدرجة الأولى، مع غيرهم من علماء الدين في سوريا، بالمواجهة الفكرية والشرعية مع التنظيم.

وإذا كانت هذه سمة التيار السلفي الجهادي،الذي اعتاد أن يتأخر في مواجهة اخطائه ونقد الذات بشكل عام، فإن هذه السمة صبغت كل قوى الساحة في سوريا وتياراتها الثورية، التي تجنبت بشكل مستمر تحمل مسؤولياتها في النقد، ومواجهة الأخطاء وإصلاحها، والتصدي للانحرافات والسيطرة عليها قبل أن تستفحل، وهو الأمر الذي دفعت الثورة ثمنه من دماء شبابها ورصيد جماهيريتها الكثير!

اليوم، يبدو أن هناك تلمس لمدى فداحة الخطأ الذي ارتكب على هذا الصعيد، وإحدى تجليات هذا الإحساس، هو الموقف الذي عبر عنها المجلس الإسلامي السوري، وإن كان متأخراً كما قلنا، بمواجهة من اتهم وخون، وربما كفر الفصائل والشخصيات التي شاركت في مؤتمر الرياض، وصولاً إلى تنفيذ بعض الترجمات العملية لهذه المواقف، ضد من شارك من الفصائل في مؤتمر الرياض.

وإذا كانت هذه الترجمات العملية ما زالت محدودة وفي إطار ضيق، وقد اقتصرت حتى الآن على بعض التصريحات المغالية والمزاودة، وبعض عمليات الخطف أو محاولات الاغتيال أو التعدي على فصائل صغيرة شاركت في المؤتمر أو أيدته، فإن عدم تضافر المواقف والجهود لمواجهتها بشكل كاف، سيؤدي إلى تجرؤ أصحاب هذه التصرفات أكثر، وصولاً إلى كارثة أخرى لا يعلم أحد مآلاتها إلا الله.

إن سياسة دفن الرأس في الرمال والتغاضي عن هذه التجاوزات الصغيرة، التي هي في الحقيقة عمليات جس نبض يقوم بها متهورون، لا يهتمون كثيراً بما ستؤدي إليه تصرفاتهم من نتائج، رغم معرفتهم بخطورتها، ستعتبر شراكة مع هؤلاء المتهورين في أي كارثة قادمة ما زال بالإمكان تفاديها.

إن المطلوب موقفاً موحداً وجريئاً وحازماً من كل الجهات والمؤسسات والقوى الثورية، وفي مقدمتها المؤسسات الشرعية بمختلف حواملها الفقهية، التي عليها مسؤولية أن لا تترك الساحة مجدداً للعابثين والمزادوين، وأن تتصدى لأي تهور أو حماقة من أي طرف، من أجل انقاذ المتهورين أنفسهم، وانقاذ الجميع غيرهم، ولتجنيب قوى الثورة وفصائلها محرقة جديدة، لن يكون وقودها سوى شبابنا، الذين يجب الكف عن العبث بدمائهم في معارك ومواجهات داخلية وسخيفة، استنزفتنا بما فيه الكفاية.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات