مؤتمر الرياض .. معركة الحل السياسي والعرقلة الروسية

مؤتمر الرياض .. معركة الحل السياسي والعرقلة الروسية
تناولت بعض الصحف العربية اتفاق المعارضة السورية في الرياض، يوم الخميس الماضي، الذي يعتبر تطوراً نوعياً في مواجهة نظام بشار الأسد ومن يستقوي بهم من قوى دولية وإقليمية على الشعب السوري.

ويقول الكاتب السوري "حسين عبد العزيز" في مقال بصحيفة "العربي الجديد" إن مؤتمر الرياض حقق تقدماً مهماً على صعيد إعادة وضع المعارضة السورية في اتجاهها الصحيح، فلأول مرة يجتمع الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية وهيئة التنسيق على هذا المستوى، بخلاف اللقاءات الجزئية التي حصلت سابقاً (باريس، بروكسل)، ويتوافقان بشكل تام حول طبيعة حل الأزمة السورية، ولأول مرة يتلاقى المستويان، السياسي والعسكري، على آلية موحدة، وتجري عملية شرعنة لفصيلين عسكريين مهمين. لكن أهم ما أنجزه المؤتمر الذي لم يكن له أن ينجح، لولا تضافر جهود المثلث الإقليمي (الرياض، الدوحة، أنقرة)، أنه حمى المعارضة من محاولات روسيا المتكررة في اختراقها بوضع قوى سياسية من صناعة النظام ضمن جسدها. ولذلك، كان مؤتمر الرياض موجهاً بالدرجة الأولى لمواجهة المخططات الروسية في إعادة موضعة المعارضة خارج معادلة "الائتلاف".

ويتابع الكاتب أنه لم يكن مفاجئا أن تعلن موسكو رفضها مخرجات المؤتمر، لأنه تجاهل جهودها الدبلوماسية التي بدأت منذ نحو عام (منتديا موسكو الأول والثاني)، والهادفة إلى القضاء على احتكار "الائتلاف" تمثيل المعارضة، وبيان الخارجية الروسية واضح في هذا الشأن "لا نستطيع أن نوافق على محاولة الجماعة التي اجتمعت في الرياض لاحتكار حق التحدث باسم المعارضة السورية بكاملها".

ويضيف الكاتب، أنه بدا واضحاً أن القوى الإقليمية الداعمة للمعارضة ستعمل على منع موسكو من تحقيق أهدافها، وطُرحت لأجل ذلك فكرة عقد مؤتمر للمعارضة السورية في الرياض، رداً على موسكو أولاً، ثم القاهرة التي استضافت اجتماعيين للمعارضة، لكن المؤتمر أجل، بسبب تبايناتٍ بين الدوحة والرياض وأنقرة، وهو المثلث الإقليمي الذي يرفض المخططات الروسية في سورية، في حين ترفض روسيا مخططات هذه الدول الرامية إلى إسقاط نظام الحكم في سورية، فيما تتفق واشنطن مع موسكو على آلية الحل، بشقيها السياسي والعسكري، وتتفق مع حلفائها الإقليميين على الشكل النهائي للتسوية السورية، أي مستقبل سورية ما بعد الأزمة. 

وإذا كان الواقعان، السوري والدولي، لا يسمحان باعتماد نتائج منتديي موسكو، في غياب "الائتلاف"، فإنهما لا يسمحان، أيضاً، باعتماد مخرجات مؤتمر الرياض كما هي، على الرغم من نتائجه المهمة، وتصريح وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، لا لبس فيه، حين قال إن "بعض المسائل، وتحديدا نقطتين في مؤتمر الرياض، بحاجة إلى معالجة... وأنا واثق أنها ستعالج".

وثمّة أربع قضايا يجب تسويتها قبيل انطلاق المفاوضات مع النظام، أولها مسألة التمثيل، والمتوقع أن تتم تسوية مسألة التمثيل، باتفاق روسي ـ أميركي، بحيث يتم توسيع وفد المعارضة، ليشمل قوى محسوبة على موسكو، مثل جبهة التغيير والتحرير التي يتزعمها قدري جميل، وقوى أخرى يجب حضورها، مثل تيار قمح، بزعامة هيثم مناع الذي يحظى بدعم مصري، على أن يتم استبعاد الأحزاب والحركات المشكلة من النظام (أحزاب الشعب والتضامن والتنمية والشباب الوطني للعدالة والتنمية، التجمع الأهلي الديمقراطي للكرد السوريين، تيار سلام ومجد سورية، هيئة العمل الوطني الديمقراطي). والمسألة الثانية، طبيعة هيئة الحكم الانتقالي التي أقرها مؤتمر الرياض، "من ضرورة تأسيس هيئة حكم انتقالية تتمتع بكل الصلاحيات التنفيذية، وفق بيان جنيف والقرار الدولي 2118، وتكون لها الصلاحية على المؤسستين الأمنية والعسكرية"، وهذه النقطة موضع نقاش بين روسيا والولايات المتحدة، ولم يجر حسمها في اجتماع "فيينا 2" (دعم المجتمع الدولي عملية بقيادة سورية من شأنها إقامة حكم شامل ذي مصداقية وغير طائفي، في غضون ستة أشهر، ووضع جدول زمني وعملي لإعداد مسودة دستور جديد). المسألة الثالثة، مصير الأسد، حيث أكد المؤتمر على "أن يغادر بشار الأسد وزمرته الحكم مع بداية المرحلة الانتقالية"، وتشكل هذه المسألة نقطة خلاف بين الفرقاء الإقليميين والدوليين. ولذلك، أجل اجتماع فيينا الأخير مناقشتها، وإن كان هناك اتفاق على ضرورة بقاء الأسد في المرحلة الانتقالية، من دون تحديد طبيعة دوره وصلاحياته، وهو ما عبر عنه كيري عشية المؤتمر، حين دعا المجتمعين إلى التعامل مع المقترح الروسي حول هذه المسألة بهدوء وليونة. المسألة الرابعة، وقف إطلاق النار. ووفقاً لمؤتمر الرياض، يتم تنفيذ وقف إطلاق النار، بناء على الشروط التي يتم الاتفاق عليها، حال تأسيس مؤسسات الحكم الانتقالي، وفي إطار الحصول على ضمانات دولية مكتوبة بقوة الشرعية الدولية.

من جهته، اعتبر الكاتب "طلال صالح بنان" في صحيفة "عكاظ" السعودية اتفاق المعارضة السورية في الرياض، يوم الخميس الماضي، تطورا نوعيا في مواجهة نظام بشار الأسد ومن يستقوي بهم من قوى دولية وإقليمية على الشعب السوري والدولة السورية، استعدادا لخوض معركة الحل السياسي للأزمة السورية، تتويجا لجهد دبلوماسي وسياسي سعودي كبير، ما فتئ يدعم الشعب السوري منذ اندلاع ثورته ضد ظلم وجبروت وطغيان حزب البعث، بقيادة عصابة الأسد، الذي حكم سوريا بالحديد والنار لما يقرب من أربعة عقود ونصف. هذا الإنجاز للسياسة الخارجية السعودية، ليس غريبا على الدبلوماسية السعودية، انطلاقا من موقف المملكة القومي الثابت تجاه نصرة قضايا العرب، دفاعا عن مصالح النظام العربي وذودا عن أمن العرب القومي. كان للمملكة العربية السعودية سابقة في هذا المجال عندما نجحت في رعاية اتفاق الطائف بين الفرقاء اللبنانيين في سبتمبر ١٩٨٩، الذي أنهى حربا أهلية في لبنان اشتعلت لسبع عشرة سنة.

الجبهة السياسية الوطنية السورية الموحدة الممثلة في الهيئة العليا للتفاوض التي انبثقت عن مؤتمر الرياض، أكيد لن تجد طريقها للحل السياسي الذي يضمن وحدة الشعب والدولة في سوريا، مفروشا بالورود.... إطلاقا، على العكس: ستمضي في طريق مليء بالأشواك.. ومفخخ بالألغام، ومسمم برائحة المؤامرات والدسائس.. وفي أفضل الأحول مفعم باللامبالاة وانعدام الإحساس، من قبل الكثير من القوى الفاعلة في النظام الدولي، التي تبلد الإحساس لديهم حتى على المستوى الإنساني، بمأساة الشعب السوري والمصير المظلم، الذي يأخذ سوريا إليه أعداؤها من الداخل.. وأطماع الأطراف الإقليمية والدولية من الخارج.

هذه الهيئة العليا للتفاوض، الذي شكلها المؤتمر، ستلقى - ولا ريب - مقاومة شرسة من نظام الأسد.. وستواجه بتدابير أكثر شراسة من قبل الأطراف الدولية والإقليمية التي تستخدم عمالة نظام الأسد لها من أجل تحقيق أطماعها في التوسع والهيمنة.. وأيضا، للأسف: من قبل بعض العرب الذين تاهت بهم وعنهم بوصلة الأمن القومي العربي!؟ لعل أقسى ما يمكن أن يواجهه هذا الفريق التفاوضي للمعارضة السورية، هو، كما سبقت الإشارة إليه: هذه اللامبالاة والتردد المريب التي يصطبغ بها الموقف الدولي، الغربي على وجه الخصوص. الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، استمرأ إرسال رسائل متناقضة، حول الأزمة السورية، تحكمها اعتبارات استراتيجية قصيرة النظر.. وتحالفات قائمة.. ومصالح متضاربة، أكثر منها إحساس مسؤول بخطر ما يحدث في سوريا على سلام العالم وأمنه، بل وحتى على مصالح الغرب نفسه، في أهم مناطق العالم حيوية بالنسبة لمصالحه وأمنه.

تلك المتغيرات التي تحكم خارطة الصراع في سوريا والمنطقة، هي: أهم التحديات التي ستواجه المعارضة السورية في معركة الحل السياسي القادمة. الموقف لا يتطلب فقط الإبقاء على روح الاصطفاف السياسي التي أوجدها مؤتمر الرياض للمعارضة السورية، بل أيضا: استمرار القتال على مسرح المعارك مع النظام ومن يسانده من قوى إقليمية ودولية، لكسب المزيد من الأرض كأهم رصيد استراتيجي متراكم لدعم المركز التفاوضي للمعارضة السورية. بالأكيد: من الناحية الاستراتيجة، أن اتفاق الرياض لفصائل المعارضة السورية سوف ينعكس إيجابا على أدائها القتالي في أرض المعركة، بعد أن كان كل فصيل بدا وكأنه يقاتل من أجل أجندته الخاصة، بدلا من أن تقاتل المعارضة المسلحة معا من أجل وحدة سوريا وإرادة الشعب السوري الحرة.

الكرة الأن في ملعب المعارضة السورية ومرمى الحل السياسي تحتشد دونه كل قوى الشر وعدم الاستقرار في المنطقة والعالم، وليس من خيار أمام الوفد التفاوضي الموحد، الذي شكل في مؤتمر الرياض، إلا أن يسدد الكرة تجاه المرمرى محرزا أكبر عدد من الأهداف لتنتهي مباراة الحل السياسي لصالحه، انتصارا للشعب السوري والدولة السورية الموحدة والمستقلة، ذات السيادة الكاملة. 

التعليقات (1)

    mamad

    ·منذ 8 سنوات 4 أشهر
    اتمنى الا تخذلنا المعارضة في اجتماعاتها هذه وان تحافظ على رايها وتحافظ على سورية وشعبها وتكون رافضة اي تقسيم لهذها البلد لان امال الشعب السوري اصبحت متوقفة على المعارضة السورية
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات