جيوش سورية الحرة

جيوش سورية الحرة

في أواخر العام 2011 ومع إنطلاق الثورة المسلحة التي أجبر عليها الشعب السوري دفاعا عن دمه وعرضه وماله، تشكل ما يعرف بكتائب الجيش الحر، حيث لم يكن عدد هذه الكتائب يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة في كل محافظة، ثم تتالى تشكيل سرايا وكتائب الجيش الحر بقيادة العقيد رياض الأسعد الذي عمل جاهدا وطيلة فترة توليه للجيش على تأمين ما تيسر من دعم مادي وعسكري، قبل أن يتم تحييده ولاحقا محاولة تصفيته.

كانت الكتيبة وقتذاك تتألف من 25 عنصراً إلى بضع مئات، أما السرايا فكان عدد عناصرها من 10 إلى 25 عنصراً. 

 بالتوازي مع إنشاء الجيش الحر كان هناك تشكيل عسكري آخر سمي لواء الضباط الأحرار شكله وقاده المقدم حسين الهرموش الذي تم التآمر عليه وتسليمه لنظام الأسد مع 13 عسكريا منشقا في عملية لايزال يلفها الغموض حتى الآن، لتطوى صفحة هذا التشكيل حتى قبل ان تبدأ رغم إثخانها بقوات الأسد وخاصة في مدينة جسر الشغور في عملية نوعية أسفرت عن مصرع 120 من عناصر جيش الأسد.

توالى الإعلان عن تشكيل كتائب الجيش الحر وخاصة مع الدعم المادي الذي بدأ يتدفق عليها وإن بشكل محدود لا يكاد يكفي لتامين شراء السلاح والذخيرة التي كانت معضلة تواجه هذه الفصائل، حتى باتت تجارة السلاح والذخيرة التجارة الأكثر رواجا، بحيث أصبح البعض يسمسر حتى على الفصيل الذي ينتمي إليه.

مع توسع الجيش الحر ونجاحه في تحقيق بعض الإنجازات رغم قلة عدده وعدته بدأت عملية تشكيل المجالس العسكرية التي تولت توزيع الدعم المادي والعسكري على الكتائب المنضوية تحت لوائها، لتدخل بعدها هذه المجالس في دوامة الولاء للخارج الذي أحكم قبضته عليها من خلال قادتها الذين إرتبط معظمهم بأجهزة المخابرات الإقليمية التي تقوم بتوجيه هذه المجالس، فتمت عملية الإستقطاب من خلال الدعم المقدم لهذه المجالس التي تولت بدورها توزيع الدعم على الفصائل العاملة في المناطق التي تمثلها.

حتى مع تشكيل هيئة أركان ووزارة دفاع تتبعان الإتلاف وحكومته المؤقتة لم يتحسن الوضع على الأرض وبقي الدعم يقدم على شكل هبات وشراء للولاءات أو لتشكيل فصائل جديدة تولى قيادتها ضباط من هيئة الأركان لتثبت فشلها في تحقيق أي إنجاز يذكر على الأرض.

قوائم الأسماء التي كانت ترفع للمجالس من أجل الرواتب لم تكن دقيقة لا بل إن بعضها كان يضم أسماء وهمية واعدادا مبالغا فيها.

المفارقة أن الكثيرين من المسؤولين عن التوزيع إستغلوا هذا الدعم لتشكيل فصائل تتبع لهم مباشرة أو لتقوية الفصائل خاصتهم ليدخل العمل الثوري المسلح في دائرة الصراع على الولاءات والنفوذ والمال، وهو ما أسهم في تشتيت الجهود وصرف الإنتباه عن قتال عصابات الأسد وإشغال الجميع في صراعات جانبية أحدثت شرخا عميقا في بنية الجيش الحر الذي دخل في مرحلة الإنشقاقات وإعادة التشكيل والتموضع إلى جانب من يملك المال. 

الصراع على المال والنفوذ دفع العديد من الفصائل لإعطاء نفسها حجما يفوق بكثير وزنها الحقيقي على الأرض، إذ وبعد ان كان عدد أفراد الكتيبة يصل إلى أكثر من 250 عنصرا بدأت مرحلة تشكيل الألوية التي كان يتراوح عدد عناصرها بين 100 و250 عنصرا بحد أقصى، والهدف الوصول إلى جهات يمكنها التكفل بنفقات هذه الفصائل.

بدأت لعبة الإستقطاب الدولي والإقليمي من خلال إنشاء تشكيلات جديدة تم مدها بالمال والسلاح الوفير حتى ان بعضها كان يكدس هذا السلاح الذي لا يجد من يحمله ويقاتل به، إلى أن تم تجويع الكثير من الفصائل وحرمانها من السلاح والذخيرة بعد ان تم إغلاق الحدود الأردنية لعدة شهور أسهمت في نضوب المخزون البسيط من الذخيرة لدى الجيش الحر، ما إضطر كتائبه حتى إلى سلوك طرق ملتوية لسد رمق عناصرها في كثير من الأحيان.    

نجح التجويع في دفع عناصر الجيش الحر وإجبارهم على أحد أمرين إما الإنضمام للتشكيلات المرتبطة خارجيا والمتخمة بالمال والسلاح أو إعتزال العمل العسكري وحتى الهجرة خارج سورية باتجاه الأردن وتركيا ولبنان، فقد كان المخطط خبيثا مدروسا بعناية خدمة لنظام ماسوني طائفي لا يريدون له أن يسقط.

بحلول العام 2013 كان قد تم تشكيل العديد من الفرق التي باتت بدورها تتنافس على النفوذ والسلطة، رغم ان الكثير من هذه التشكيلات كان وهميا أيضا لكنه التضخيم الإعلامي الذي جعل من الصوص ديكاً ومن الحمل أسداً، حتى ان بعض هذه الفرق لم يتجاوز عدد عناصرها 200 إلى 250 عنصرا أي نفس عدد عناصر الكتيبة في بداية الثورة ولاحقا نفس عدد عناصر اللواء، ما تغير فقط هو التسمية وقدرة هذا الفصيل على تامين الراتب والسلاح. 

التنافس على النفوذ والسلطة والمال دفع بعض الفصائل للإعلان عن تشكيلات جديدة كالفيالق والجيوش والحركات والجبهات وغرف العمليات التي كان حجم بعضها الفعلي لا يتعدى حجم لواء عددا وعدة، لكنها فعلت ذلك لأسباب تتعلق بالداعمين لجهة فرض الحضور والأجندات.

بعض الفصائل بقيت في حالة كمون وبيات شتوي ولم تنخرط في أي عمليات عسكرية فعلية بناء على سياسات خاصة بملاكها!     

الفصائل الإسلامية وتحديدا جبهة النصرة الفرع الشامي المنتدب من قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين آنذاك لم تكن غائبة عن المشهد العسكري لابل إنها تواجدت على الساحة منذ الأيام الأولى لتشكيل كتائب الجيش الحر حيث عملت بحذر وبمعزل عن الفصائل المتواجدة معها في نفس المنطقة ولم تحاول الإحتكاك معها، خاصة في مرحلة بناء فصائلها المناطقية، ما ساعدها في ذلك هو نظافة يد عناصرها وورعهم وهو ما جذب إليهم المئات من السوريين.

من النقاط المثيرة للجدل هو ما أثير من تساؤلات حول حصول بعض الفصائل الإسلامية الغير منخرطة في أي تشكيلات ثورية مسلحة كجبهة النصرة على حصة من الدعم المقدم من المجالس العسكرية وغرف عمليات المناطق، طوعا أو كرها وعلى حساب كتائب الجيش الحر العاملة على الأرض.

لا أشك ولو للحظة ان أي متابع للشأن السوري عسكريا كان أم مدنيا سيلاحظ كثرة التشكيلات التي تحمل أسماء كبيرة كالألوية والفرق والفيالق والجيوش والحركات والجبهات التي لو توافقت قدراتها مع مسمياتها لما بقي نظام الأسد في السلطة كل هذا الوقت، علما أنه لم يعد يملك ما يمكن تسميته جيشا نظاميا بل ميليشيات طائفية تقودها وتوجهها إيران إضافة إلى بقايا جيش وبضع طائرات تلقي بحممها وبراميلها على رؤوس المدنيين العزل من السوريين. 

لا يمكن لأي ثائر حر إلا أن يفرح لرؤية جيش ثورته قويا موحدا، لكن المصالح الفردية والعشائرية والمناطقية الضيقة أسهمت وإلى حد بعيد في شرذمة هذا الجيش وتوزع ولاءاته بين هذه الجهة أو تلك وهو ما سهل حتى عملية إختراق هذه الفصائل من قبل نظام الأسد. 

لقد إستطاعت غرف عمليات الموك والموم إمتلاك قرار الحرب والسلم والمساهمة في ولادة تشكيلات مسلحة وزوال أخرى.

من النقاط السلبية التي يمكن تسجيلها هنا هو أن العديد من الفصائل المسلحة وخاصة تلك القريبة من الحدود قد دخلت في صراع على إدارة المعابر والأنفاق وعمليات التهريب التي درت عليها الملايين، بينما تفرغت أخرى للبحث والتنقيب عن الأثار والكنوز في المناطق الأثرية من سورية.

صراع أمراء الحرب على النفوذ والسلطة والمال تسبب في عمليات تصفية للعديد من قادة وفصائل الجيش الحر. 

يمكننا القول إن الأزمة السورية قد دخلت مرحلة من التعقيد جعلت من مسألة حلها أمرا شبه مستحيل، رغم عشرات المؤتمرات والإجتماعات الدولية والإقليمية والمحلية، حتى بات الحل بحاجة إلى معجزة إلهية، فقد تداخلت المصالح الفردية مع الوطنية، وبات قرار الحرب والسلم بيد الآخرين من الممسكين بتلابيب الفصائل المسلحة، التي سَهَلَ تناحُرُها وتشرذمها عملية تصفية العديد من القادة الشرفاء والأكفاء الذين رفضوا الإملاءات والوصاية الخارجية على ثورتنا وكان يمكن ان يكون لهم دور بناء في مستقبل سورية الحرة.

اليوم ومع دخول التسوية السياسية مراحل متقدمة بدأت تتوضح الصورة، وهاهم أمراء الحرب ينخرطون في مشاريع التسوية السياسية مع نظام الأسد متناسين أن مجرد الحوار معه كان يعتبر خيانة للدين والدماء التي سالت حتى في بداية الثورة التي خصصت جمعة باسم: "لا للحوار" فهل بات أقصى حلمنا هو الحوار وصولا إلى تشارك الحكم مع نظام فاجر لا يعرف عهدا ولا يرعى ذمة، وهل قدم مئات الألوف من السوريين دمائهم وأرواحهم رخيصة في سبيل أن يحكمنا المزيد من اللصوص وتجار الدماء الذين إعتاشوا وتكسبوا على ثورة مهرها شعب يذبح ووطن يدمر؟

إن الطريقة التي يدير بها العالم الأزمة لن تنجح بإيجاد حل لمأساة الشعب السوري، لأنها تكرس بقاء نظام الأسد مع توسيعه وتوجيه الجهد لقتال الجماعات الجهادية ورافضي بقاء الأسد ونظامه وهو ما سيزج بعشرات الألوف من الشباب السوري المجاهد في آتون حرب ليست حربه وبالتالي إراقة المزيد والمزيد من دماء شبابنا وفقط خدمة لمشاريع خارجية وأخرى داخلية وعلى الشباب السوري المجاهد أن يلفظ أمراء الحرب هؤلاء. 

التعليقات (8)

    فادي

    ·منذ 8 سنوات 4 أشهر
    أوافق فيما طرح عن الموك و بعض الفصائل و أمراء الحرب لكن أليس من الافضل وقف اراقة الدماء و الاستجابة للهدن الى متى سيستمر الموت عندما لا يستطيع طرف أن يحسم المعركة تكون الهدنة افضل الحلول

    أم مالك

    ·منذ 8 سنوات 4 أشهر
    أغرقوا ثورتنا بالمال فكبلو الفصائل وصولا الى هذه اللحظة

    ثائر حتى النصر

    ·منذ 8 سنوات 4 أشهر
    كانت الناس في بداية الثورة تتحرك عفويا وبحماس منقطع النظير الى ان استولى امراء الحرب على مقدرات الثورة التي شخصنوها بأنفسهم وبكل وقاحة

    احييك

    ·منذ 8 سنوات 4 أشهر
    توصيف واقعي للاسف لقد اسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي

    جيش الموك

    ·منذ 8 سنوات 4 أشهر
    هل يمكن ان نسمي الفصائل التي تأتمر بأمر الموك جيش حر وهي لا تملك من امرها شيئ, جهات درعا توقفت والخيانات حدث ولا حرج

    الجيش الحر

    ·منذ 8 سنوات 4 أشهر
    مالذي يمكن ان يقوله أوائل الشهداء عن هذا الواقع لو قدر لهم العودة إلى الحياة بيننا.

    ابو مصعب الشامي

    ·منذ 8 سنوات 4 أشهر
    وهذا ما اسهم في صنع فصائل لا وجود حقيقي لها على الأرض واخذت سمعة اكبر من حجمها الحقيقي على الأرض وتمارس اجرامها وسلطتها فقط على المدنيين العزل والسبب هو المال الذي تدفق على هذه ضعفاء النفوس من قادة هذه الفصائل.

    ابو جميل النمسا

    ·منذ 8 سنوات 4 أشهر
    سورية وثورتها وثوارها والجيش السوري الحر وصمودة رغم كل المصائب الجيش العربي السوري المحكوم من العصابة الاسدية لايمثل نسبة كبيرة من التابعين لها ان العصابة الاسدية وشعاراتها --الرد المناسب في الوقت المناسب كذبة مكشوفة للجميع-- ان التجاوزات الاسرائيلية هي بموافقة المافيا الاسدية وامنها ان الثورة السورية ليست بحاجة الى الاعداد وانما بحاجة فقط سلاح ضد الطيران
8

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات