قبل أن يخرج الساروت من حمص القديمة في أيّار 2014، أطلق مواله الأخير مودعاً تاريخاً كتبه مع رفاقه بالدم، والجوع، والقهر، والانتظار، والحلم . قبّل الأرض الخراب، لأنه مازال موقناً أن تلك القبلة ستنطق الحجر، وتزيد ندى العشب الذي مازال ينبت بين مفاصل الصخر، والقهر.
بكى وبكت الأرض معه، واستذكر معها الأغنيات، والأهازيج التي تختصر طفولة ثورة يتيمة. قال في الموال: "يا حمص يا حزينة ... أنا لقول الآه عالخريطة ماعاد نشوف حمص ... لك كنا مشتهين الأكل ... بكرا كل لقمة فيها لنغص ... باعونا وتكالبت علينا كل الأنياب ... باعو حمص ياناس ..وتكالبت علينا كل الأنياب .. لك حمص نعم الخيرة .. حمص شباب وذياب"
نظر كما ينظر أبناء الوعر اليوم في اللحظات التي تسبق هجرتهم، أو تهجيرهم .. الوجوه المتشابهة لحد التطابق، يودعون بعضهم بالعيون ويتذكرون كيف تقاسموا اللقمة، وكسرة الخبز، وقطرة الماء.
كان الأمل زادهم ، وزوادتهم ، كان ألق الهتاف الأول وشاعريته ماثلاً بكل الأماكن.
ما يعرفه أبناء الوعر وقبلهم الساروت ورفاقه، أنهم مضوا إلى آخر الدرب، لكنهم وجدوا صك الصفقة موقعاً، وبقيت الصرخة العالقة في الحناجر.
مشى أهالي الوعر ولسان حالهم يقول: "فلا نامت أعين الجبناء" ،هو خروج، وهجرة حمص من حمص , وتوصيف ديموغرافي جديد.
لكن للمكان ذاكرة ستتكلم .. ، ما تبقى من الجدران، والأرض، وبقايا الشجر عن الحكاية الحمصية، حكاية بحجم خيبة وطن، وانكسار مرايا الحلم في زوايا التفاصيل الحادة، والمستفزة كل الهتافات تختصر ( يا الله ما إلنا غيرك يالله).
هاهي لعنة الباص الأخضر تتكرر مجدداً بعد أقل من عامين .. لم تقتصر الباصات على الخضراء هذه المرّة، فقد أضيفَ اللون الأسود لها لتستوعبَ كل القهر.
مازلنا أحياء، لحمص بذمتنا الكثير، .. الكثير فهي ذات البين والبيان، هي حمص العدية التي أضاعها "الحرامية" .
وصول 15 باصاً من أهالي حي الوعر إلى مدينة إدلب ليلاً
التعليقات (4)