مُهَجَرون أم مُهاجِرونَ

مُهَجَرون أم مُهاجِرونَ
 

أكاد أجزم أننا لن نجد من هو أكثر مرونة وإصرارا على الحياة من السوريين, الذين تعايشوا مع واقعهم المؤلم ولم يتركوا وسيلة من وسائل حل الأزمة إلا وجربوها، فمن السلمية التي بدأت بها ثورتهم رغم تنكيل النظام بهم، إلى القتال الذي فرضه عليهم نظام الأسد وما نجم عنه من نزوح, بنوعيه الداخلي والخارجي, ثم الهدن المناطقية مع هذا النظام الذي لا يعرف عهدا ولا يرعى ذمة, فقد غدر بكل من سالمه أو هادنه, حتى تلك الهدن التي وقعت مباشرة مع أسياده الشيعة في طهران كما حدث في هدنة الزبداني -كفريا -الفوعة جاء الروس فخرقوها بقصفهم لمناطق خاضعة لإتفاق الهدنة في ريف إدلب.

لم يكن أشد المتشائمين ليتخيل أن أكثر من نصف الشعب السوري البالغ عدده 25 مليون نسمة سيصبح مهجرا نازحا يهيم على وجهه وخلال عامين فقط من الحرب الظالمة التي شنها نظام الأسد على الشعب السوري الأعزل إلا من إيمانه بعدالة قضيته في التخلص من عصابة مافيا طائفية منظمة حكمت السوريين بالحديد والنار على مدى أكثر من أربعة عقود.

المتابع للشأن السوري سيلحظ أن التهجير خلال الأشهر الأولى للثورة السلمية قد إتخذ شكل الفرار الفردي وإقتصر على الناشطين السياسيين والإعلاميين الثوريين المطلوبين لنظام الأسد لتتسع الدائرة فتشمل عوائل هؤلاء، فقد كان النظام المخابراتي يمعن في إبتزاز المطلوبين وإجبارهم على تسليم أنفسهم من خلال إعتقال أقاربهم من الدرجتين الأولى والثانية ودون تفريق بين ذكر وأنثى، وهذا إن دل على شيئ فإنما يدل على اللاأخلاقية والقذارة التي يتمتع بها النظام وأجهزة مخابراته التي قد لا نجد لها مثيلا في عصرنا هذا.

لقد صبر السوريون كثيرا ووثقوا بالقريب والبعيد، ظنا منهم أنهم سيجدون في هذا العالم من سينظر إليهم بعين الرحمة والرأفة، فيضع حدا لإجرام نظام لم تخترع الأبجدية بعد كلمات تستطيع توصيف حالة الإنحطاط الأخلاقي التي وصل إليها، والتي ما كان بإمكانه ممارستها على السوريين لو لم يكن واثقا من دعم الشرق والغرب له وسكوت بل وتآمر بعض العرب معه، هذه هي الحقيقة التي ربما بات معظم السوريين مدركين لها ولكن بعد فوات الأوان.

حاكم تقلد وسام فرسان مالطا هو بكل تأكيد رجل تدعمه الماسونية العالمية! 

مع بدايات العمل المسلح في أواخر العام 2011 دفاعا عن النفس والعرض والمال نزح المدنيون السوريون من المناطق الملتهبة، طلبا للأمان، وعلى أمل العودة بعد وقت قصير لا يتعدى الشهور، حيث تركز وجودهم في دول الجوار كتركيا والأردن ولبنان وبدرجة أقل في العراق وتحديدا مناطق شمال العراق الخاضعة لسيطرة الأكراد.

لم يكن يدور في خلد من نزح او هُجِرَ أن هذا التهجير كان جزءً من سياسة ممنهجة خططت لها إيران وأوكلت مهمة تنفيذها لتابعها الأسد وميليشياتها الطائفية التي بلغ عددها أفرادها أكثر من 100 ألف مقاتل اجتمعوا على قتال السوريين، فمن حمص التي كانت أول المحافظات التي يهجر سكانها قسرا إلى ريف دمشق المحاصر في أغلبه إلى درعا وصولا إلى إدلب وحلب وباقي المحافظات السورية الثائرة، كان المخطط واضحا جليا يثبت أن الهدف كان تفريغ هذه المناطق من سكانها.

العودة بالذاكرة إلى الوراء وإستحضار المجازر الجماعية ذبحا وحرقا, ثم تصوير عمليات تعذيب الفارين والمنشقين عن نظام الأسد ولاحقا القصف المدروس والتدمير الممنهج للمدن والقرى والبلدات الثائرة يدل وبما لا يقبل مجالا للشك على هذه السياسة, حتى تلك المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام المجرم وبدأ أهلها الفارون المهجرون بالعودة إليها لم تسلم من القصف بين حين وآخر والهدف منع السوريين من الاستقرار أو حتى التفكير بالعودة إلى مدنهم وقراهم المحررة, وما يثبت ذلك هو مفاوضات الزبداني –الفوعة –كفريا والتي كان يصر الجانب الإيراني خلالها على خروج سكان الزبداني من مدينتهم وصولا إلى توطين من إستجلبتهم هي من شيعة, حدث هذا في حين أن الحواضن الشعبية للنظام بقيت بمامن من القصف المضاد وعاشت في أمان نسبي إلا في حالات محدودة. 

ضاقت الأرض على السوريين بما رحبت، فزاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر، فمن غريب ملك أمرنا إلى قريب يتجهمنا، وآخرون يعتاشون على مأساتنا، بدأت أحلام الهجرة تراود السوريين عن نفسها، عارضة عليهم الخروج من ضنك العيش في بلاد العرب إلى حضن أوروبا الدافئ رغم برودة طقسها، فبدأت مراكب الأمل تمخر عباب المتوسط غازية أوروبا، وصل بعضها وأنهى بعضها الأخر رحلته في قاع البحر. 

السوريون في غالبيتهم متعلمون مثقفون، إذ أن هناك شخص واحد من بين كل خمسة مهاجرين حاصل على شهادة جامعية، وفيهم الأستاذ الجامعي والطبيب والمهندس والمحامي وعدد كبير من خريجي المعاهد الفنية، الذين وجدوا أنفسهم باعة جوالين أو سكان مخيمات ينتظرون الهبة الشهرية لبرنامج الغذاء العالمي الذي تقلص حد التوقف. 

إنعدام سبل الحياة في سورية نتيجة القصف والقتل والتضييق على السكان من السوريين السنة وتعميم أسماء الشباب على الحواجز واعتقالهم والزج بهم على الجبهات, ناهيكم عن عمليات الخطف والسرقة والإبتزاز, أما في بلدان اللجوء العربية فكان توقف برامج الإغاثة وإنعدام فرص العمل والتضييق على اللاجئين إضافة إلى نجاح شريحة كبيرة من السوريين في الوصول إلى أوروبا أغرى باقي السوريين بتجربة حظهم في "الهجرة" التي باتت حلما يدغدغ خيال الشباب السوري، لم لا؟ ألم ينتحل الإفريقي والإيراني والأفغاني والكردي والعربي الجنسية السورية ويقدموا أنفسهم على انهم لاجئون سوريون فارون من جحيم المعارك، فلماذا لا يهاجر السوري طالما أن الجميع قد إنتحل صفته فهاجر بإسمه؟ حتى على الموت حسدونا!

الخدمة التلفزية الخاصة بموقع "شتيرن" الألماني نشرت إستطلاعاً للرأي في الرابع من شهر تشرين الأول الحالي، استهدف اللاجئين السوريين والمسلمين عموماً بهدف التعرف على موقفهم من طريقة حياة بعض الألمان ومدى تقبلهم إياها وقدرتهم على الإندماج والتعايش معها، حيث إشتمل الاستطلاع على سؤال اللاجئين عن رأيهم بالتقبيل في الشارع، وأكل لحم الخنزير، وشرب الكحوليات، واليهود، وزواج المثليين، فكانت النتيجة على النحو التالي:

شرب الكحول: 29 من أصل 40 كانوا قد شربوا البيرة سابقاً، ورغب واحد من الباقين بتجربتها.

تناول لحم الخنزير: 12 من أصل 40 لاجئاً تناولوا لحم الخنزير سابقاً، وهناك اثنان يودان تجربته في ألمانيا.

الذهاب للديسكو: 14 من أصل 40 لاجئا ذهبوا سابقاً للديسكو سابقا، و16 آخرين يودون الذهاب.

وجود اليهود في ألمانيا: أكد 37 لاجئاً من أصل 40 أنهم يقبلون بهم في ألمانيا.

لباس النساء المثير: أجاب جميع المستطلعة آرائهم بأنها ثياب جميلة، لتفوق النسبة بذلك قراء صفحة موقع “شتيرن” نفسها على الفيسبوك من المواطنين الألمان المستطلعة آرائهم. فقد قال 71% فقط أنهم لا يجدون مشكلة في ذلك، بينما عبر بعضهم عن غضبهم من هذه المشاهد حتى أن أحدهم قد علق قائلا: أطفال ألمانيا لا يستطيعون الكتابة والقراءة والحساب لكنهم يستطيعون في عمر الطفولة ارتداء ما ترتديه العاهرات.

المثلية الجنسية: النتيجة النهائية أظهرت أن 25 لاجئاً ليس لديهم اعتراضات على ذلك، بينما سنجد أن 8% فقط من قراء صفحتها على فيسبوك لديهم مشكلة في تقبل ذلك، واعتبروه شيئاً مقرفاً.

التقبيل في الشارع: إعتبر جميع اللاجئين المستطلعة آرائهم في المشهد أمراً طبيعياً.

بعض اللاجئين ممن فقدوا حنان الوطن وأبوة القائد وجدوا في الأم ميركل والدة لهم، في حين أن آراء المواطنين الألمان كانت مغايرة تماما وبنسبة 21% فقط لصالح ميركل، بينما شتمها الباقي، ونعتوها بألقاب منها “خائنة الشعب”. (ميركل يمينية موالية للكيان الصهيوني)

بغض النظر عن الأسباب التي دفعت اللاجئين لإبداء هذه الآراء الصادمة إلا ان هذا مؤشر على وجود شريحة كبيرة بين المهاجرين إما من الموالين لنظام الأسد أو تلك التي تعتنق المذهب الغربي في الحياة، فوجدت ضالتها في حرب أهلكت الحرث والنسل سبيلا لتحقيق حلم بحياة على الطراز الغربي.

السوريون اليوم يحاولون تحسين ظروف لجوئهم بشتى الوسائل وما تدفقهم على أوروبا إلا واحدة منها، وهو ما يهدد بنسف اتفاقية شينغن التي وقعت في لوكسمبورغ عام 1985 وضمت 26 دولة أوروبية، فالسوريون الفارين من جحيم المعارك لن يعودوا إلى وطنهم ما بقي الأسد ونظامه ومحاولات إستيعاب اللاجئين أو تحسين ظروف لجوئهم لن تنجح في تفريغ سورية من سكانها حماية لنظام الأسد، وعلى أوروبا أن تستعد لموجات لجوء وهجرة جديدة تضم في غالبيتها أشياعا لفارس وموالين لنظام الأسد. 

فليحذر السوريون فربما كان ما يحدث للشام تطهيرا لها، فلا تكونوا من اللذين نبذتهم الأرض التي بارك الله بها!

التعليقات (3)

    حاجة مبالغة والله ارحموا عقولنا

    ·منذ 8 سنوات 5 أشهر
    يا أخي السوري شو بحب التلبسة. يعني على قولة صاحب المقال طلع السوري متمدن فكريا ومتسامح دينيا وجنسيا ومنفتح اكتر من شعوب ألمانيا واسكندنافيا. لك شو هل السوري خرطه الخراط وقلب ومات

    حسان

    ·منذ 8 سنوات 5 أشهر
    استوقفني المقطع هذا بغض النظر عن الأسباب التي دفعت اللاجئين لإبداء هذه الآراء الصادمة إلا ان هذا مؤشر على وجود شريحة كبيرة بين المهاجرين إما من الموالين لنظام الأسد أو تلك التي تعتنق المذهب الغربي في الحياة، فوجدت ضالتها في حرب أهلكت الحرث والنسل سبيلا لتحقيق حلم بحياة على الطراز الغربي.

    حسان

    ·منذ 8 سنوات 5 أشهر
    تتمه هذا هو الشعب السوري كله اولا حتى الموالون هرّبوا من جحيم المولاة فما الضير من ذلك ثانيا اذا كان اغلب المهاجرين متعلمون او من الشريحة الأكثر تعلما فبالتأكيد هم على فهم بأنهم قادمون على اُسلوب حياة جديد عليهم التأقلم لاجله
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات