إذن، أصبح تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" هو العدو الأول لكل دول العالم، وأصبحت بالتالي عداوته، هي الشمّاعة الرئيسية لقتال كل مخالف في الرأي. وبسبب داعش أيضاً، أصبحت قوانين الطوارئ تجتاح دول العالم، ابتداءً من الدول المتقدمة، ومنابع حقوق الانسان "فرنسا"، وصولاً إلى دول العالم الثالث -وربما أفقرها- مالي الإفريقية ،التي طالها جزء من إرهاب تنظيم داعش، المتمدّد في كل مكان، والذي يستطيع أن يصل إلى كلّ بقعة في هذه الكرة الأرضية، إلا تلك التي تقاوم وتقارع المشروع الصهيوني، الذي يريد فرض إرادته على العالم، كما يقول أنصار هذا المحور.
لابدّ هنا من طرح بعض الأفكار، لتفسير حقيقة أصبحت تقضّ مضجع كل متابعٍللأحداث الأخيرة في العالم، منذ مطلع عام 2015، الذي بدأ بالهجوم على صحيفة "شارلي ابيدو" الكاريكاتورية الساخرة في العاصمة الفرنسية، متزامنا ًمع الهجوم على المتجر اليهودي، والذي تبنتّه آنذاك جماعة "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب"، وبأمر مباشر من زعيم التنظيم في أفغانستان "أيمن الظواهري"، إلى الهجوم الأخير في باريس، والذي قتل نتيجته 130 شخصاً،خلال عدّة اعتداءات متزامنة، في ثلاثة دوائر في العاصمة "باريس"، وما بينهما من إسقاط طائرة روسية في سيناء، وقتل ركابها جميعاً، البالغ عددهم 224 شخصاً، إلى حوادث مقتل الجنود المصريين، وليس آخرها، أحداث الهجمات في فندق في الحي الديبلوماسي، في عاصمة مالي "باماكو"، والذي قتل فيه 27 شخصاً، قبل أن ينفذ الجيش المالي عملية فك احتجاز الرهائن، وتبني تنظيم "المرابطون" الذي ينضوي تحت راية تنظيم القاعدة الجزائري، للعملية، بحسب وزير الدفاع الفرنسي "جان إيف لودريان".
في الحقيقة، إن تحول داعش إلى عدو للجميع، لا يعني بالضرورة أن الجميع أعداء بنظر تنظيم داعش، وبمتابعة الأحداث، تنتج لدينا عدة تساؤلات لابد منها، من أجل فهم ما الذي يريده هذا التنظيم من القتل في مختلف أنحاء العالم؟ ولماذا يريد أن ينظر إليه العالم على أنه عدو لابد ّمن القضاء عليه؟ وفيما إذا كنا سنصل إلى هذه النتيجة، اي القضاء عليه نهائياً، أو أنه قد يدخل في حوار سياسي فعال، برعاية دول وسيطة، للتوصل إلى وقف شامل للعمليات العسكرية المتبادلة، كتلك التي كانت ستبدأ بين تنظيم طالبان في أفغانستان، والولايات المتحدة، عبر وسيط قطري،سيما وأنه قد افتتح مكتباً لهذا الغرض، لكنه-فيمايبدو- لم يكتمل بشكل جيد، من أجلالوصول إلى حل نهائي،لأننا لم نسمع حتى بتسريبات عن لقاءات من المفترض وجودها!
هناك فرضيتان أساسيتان في قراءة الأحداث الأخيرة، وما يمكن أن يفكر به تنظيم الدولة الإسلامية، أولها، وهو ما بدأ به فعلاً، أن التنظيم الذي أتى من العراق الى سوريا لمحاربة النظام السوري، كما كان يحارب القوات الأمريكية في العراق، وانتصاراً للشعب السوري من النظام المجرم، الذي يقتل السوريين بكل انواع الأسلحة، وهو ما مهّد له ليكون منتشراً في كل المدن، والبلدات، بعد ظهوره بأشهر قليلة من العام 2013 وأصبح له أنصار ومقاتلين من أبناء سوريا، وكان مرحّباً جداً بالغرباء، الذين يطلق عليهم اسم "المهاجرين"، وعناصر التنظيم من أبناء البلد بـ "الأنصار" ،غير أن الانقلاب في المواقف، من تحرير المحرّر (كما كان متداولاً)، أي أنّ قتال الجيش الحر، في المناطق التي يستولي عليها بعد دحر جيش النظام، أصبحت مهمة التنظيم، فانفضّ عنه معظم مؤيديه، وبدأت محاربته، حتى خرج من مناطق واسعة من تلك التي يسيطر عليها الثوار،فأصبح الجيش الحر والكتائب الاسلامية أعداءه الأساسيين، وراح ينعتهم بـ "المرتدين" أو بـ "الصحوات"،كناية عن كتائب الصحوات العشائرية التي تم تشكيلها في العراق عام 2006 لقتال التنظيم في العراق، وأصبح قتال المرتدين أولى من قتال جيش النظام "النّصيري"، بحسب رواياتهم، وغالباً تكون أبرز وسائل قتال التنظيم للمعارضة السورية المسلحة هي العمليات الانتحارية، عبر تفجير المفخخات، ولكن لا توجد معارك حقيقية بين النظام والتنظيم خلال عام 2015، إلا تلك التي سلّم فيها داعش مناطق واسعة للنظام!
جاءت الهجمات الذي تبناها تنظيم داعش في باريس، وإسقاط الطائرة الروسية في سيناء- وبحسب بيانات التبني - أنّها انتقام للقصف الذي يطال تنظيم الدولة في سوريا،وكان قد بثّ -أي التنظيم - إصداراً مرئياً، بعنوان "قريبا ً"، يهدّد فيه بضرب الكرملين،ثم بيان عن أن التنظيم سوف يقوم باحتلال البيت الأبيض، وحرق قادة الكفر، وهو ما يعني أن هؤلاء جميعاً هم أعداء داعش، وقد عمل على تنفيذ عمليات ضدهم!
إنّ ما يتم تداوله في الإعلام عن أن الولايات المتحدة هي من أسس تنظيم الدولة في العراق، بتمويل خليجي،قد يدخل في باب التحليلات، ويبرز هنا التساؤل: لماذا لا يستخدم مؤسس هذا التنظيم، أو الداعم،تنظيمه هذا، أو العدو المفترض، لضرب أعدائه الإيرانيين، أو النظام السوري، أو حتى الحوثيين في اليمن؟
من الثابت تماماً،أن تنظيم الدولة في العراق، لم يتبنَّ أي عملية حقيقية ضد أهداف إيرانية في العراق، أو حتى داخل إيران، وهم الذين يعتبرون الإيرانيين "شيعة روافض"، ويجب القضاء عليهم، إلا أن كلّ الأهداف التي تضربها "داعش"، هي داخل مناطق من المفترض حمايتها !
الفرضية الثانية لحالة العداء التي يضمرها تنظيم الدولة، وهي، تعتبر الحالة الطبيعية لسبب إيجاده، هي كلّ من ايران والنظام السوري،خاصة وأن داعش استطاعت ضرب عدة مناطق في العالم، واختراق أجهزة أمنية عالمية، ولم تستطع الوصول إلى أي هدف داخل دمشق، والمقصود هنا هو الهدف ألأمني أو الحكومي،على الرغم من كونهم ليسوا بعيدين عن العاصمة دمشق، إذا علمنا أنهم يسيطرون على مناطق في أحياء مخيم اليرموك، أي الحديقة الخلفية للعاصمة، ولذا فالوصول إلى قلب العاصمة ليس مستحيلاً، بالنسبة لتنظيم يستطيع الوصول للمكان الذي يريده. والحقيقة أن هذا التنظيم إلى الآن لم يفكر بضرب أي هدف حقيقي في طهران مثلاً أو تل أبيب .
ما يمكن الوصول إليه، هو أن تنظيم الدولة، وبحسب الأهداف أنه حليف لإيران والنظام السوري، خاصة وأننا نرى انسحاب داعش من مناطق يسيطر عليها لصالح نصر اعلامي لجيش النظام السوري، مثل فك الحصار عن مطار "كويرس" العسكري، أو الانسحاب من مدرسة المشاة التي استطاع التنظيم احتلالها وإخراج الجيش الحر منها، وآخرها الانسحاب من مستودعات مهين بعد تفريغها، ويقول البعض أنه تسليم أسلحة وتذخير للتنظيم، ولعل جمهور المؤيدين للنظام اعتبروا أن النظام السوري هو المنتصر بعد أحداث باريس، لأن فرنسا تخلت عن فكرة إسقاط الأسد، واعتبار داعش عدوّها الأول.
داعش، هذا التنظيم الهلامي، المتمدّد والمتقلّص، بحسب الأحداث التي تجعل حلفاءه ينتصرون، يستطيع أن يقوم بما عليه من مهام تجعل النظام وإيران وروسياوحدهم القادرين على القضاء عليه ،عند انتهاء مهمته الموكلة له، وهذا ما سيجعل الكفة في موازين القوى الدولية تكون في صالح روسيا، وعلى اعتبار أن قيادات التنظيم غير معروفة، فيمكن صهر هذا التنظيم بسهولة عندما يقتنع العالم بضرورة وجود الأسد في المرحلة الانتقالية لسوريا، وبعدها ترشيح نفسه للانتخابات والفوز بها، لأن المصلحة الإيرانية – الروسية، تتطلب ذلك،على الرغم من الخلاف بين الحليفين على مصير الأسد، إلا أن المصالح في الوقت الحالي، واعتبار بوتين أن كلّ من يريد ان يقاتل تنظيم الدولة، يجب أن ينسّق مع القوات الروسية، التي تستمد شرعية وجودها من طلب بشار الأسد .
التعليقات (11)