ضحك القيصر والمرشد كثيراً

ضحك القيصر والمرشد كثيراً
ضحك القيصر الروسي، فلاديمير بوتين، والمرشد الإيراني، علي خامنئي، وطواقم وفديهما المشاركة في اجتماعهما في طهران، وقضوا النصف الأول منه يتبادلون المفارقات الطريفة التي حصلت في أثناء الشهر الفائت وما تلاه، في عالم الدبلوماسية الدولي. وفي النصف الثاني، اتفقوا على استراتيجية موحدّة لاستكمال الفصل الثاني من هذه الملهاة الممتعة، للمؤدين والمتلقين. وكانت مادة الضحك كيف استطاعا أن يمرّرا على العالم أفكاراً ساذجة، ليست مشغولة بحرفية، عن إمكانية تحقيق عملية سلام في سورية.

ضحكا لأنهما فوجئا بأن العالم هو من أكمل سرد نصف الكذبة بنفسه، وزاد عليها تفاصيل، لو أنهما استعانا بالشيطان، لما استطاع إرشادهما عليها، فهنا وزير يثق بجدية روسيا في صناعة السلام في سورية، وهناك وزير آخر يبشر بعملية انتقال في سورية في الأسابيع المقبلة؟  ضحكوا أكثر، عندما تساءلوا: كيف أغرقناهم بالتفاصيل، وكم هم مشغولون بترتيباتٍ لن ترى النور، ولن نسمح لها بالتشكّل على أرض الواقع، فيما نحن ننجز مهمة تطهير سورية من شعبها، وما استطعنا من مقاتليها، وكيف أجبرناهم على كشف أوراقهم، وطلبنا منهم كشف براءة من تهمة الإرهاب، عندما فرضنا عليهم قائمة بالتنظيمات الجيدة، والأخرى السيئة، وراحوا يلهثون ويتوسطون، لكي نقبل استثناء بعضها، وأعطونا فرصة لتوبيخهم على السكوت عن التي سيقرّون بأنها إرهابية فعلاً. فعلنا ذلك كله، ولم يستطع الطرف المقابل سوى الامتثال لطلباتنا واشتراطاتنا. 

ولعلّ الطرفة التي أشعلت قصر المرشد ضحكاً، إلى درجة أن جنرال فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، سقط مغشيّاً عليه من الضحك، واحتاج عملية إنعاش، عندما قال بوتين إنّه أقنع الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في لقائهما في أنطاليا، الأسبوع الماضي، بأنّه سيدعم عملية انتقالية بعيدة عن نظام الأسد. وهنا، سيعترف بوتين بأنه كاد يتلعثم وهو يخوض هذه المغامرة، وكان يعتقد أن يقاطعه أوباما ويطلب منه احترام عقله مستمعاً، لكن بوتين يتابع أنه، وعندما رأى الانشراح في ملامح أوباما، رفع عيار مغامرته بالقول إنّه أيضاً سيدعم أطراف المعارضة السورية بالضربات الجوية. 

أما خامنئي الذي أراد إثبات براعته في المناورة أيضاً، وأنّه لا يقل عن بوتين ووزير خارجيته، سيرغي لافروف، في الحنكة والظرافة، فاستشهد بمقال لوزير خارجيته، جواد ظريف، في صحيفة السفير اللبنانية، أشار فيه إلى احترام حق الشعب السوري في تقرير مصيره. وهنا، لا بد أن بوتين سأله: هل وصلت حذاقتكم إلى هذه الدرجة؟ فيرد خامنئي: بل أكثر من ذلك، بدليل أننا طالبنا بعدم تدخل الدول الأجنبية في الشأن السوري. وعندما عقد بوتين حاجبيه اندهاشا من هذه القدرات الخارقة، زاده خامنئي من الشعر بيتاً، بأن أخبره بأننا أيضاً طالبنا بضرورة مساعدة اللاجئين السوريين. 

ربما ذلك مجرد سيناريو متخيّل لأجندة لقاء الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ومرشد الجمهورية الإسلامية في إيران، علي أكبر خامنئي. لكن، حسناً لو أرد المراقب أن يكون أكثر جدية، وينحو صوب التحليل الاستراتيجي الأعمق، سيجد نفسه أمام جملة من الوقائع غير منطقية، مطلوب منه إلباسها ثوباً مزركشاً برغبات وأحلام واحتمالاتٍ، نصفها غير واقعي، ونصفها الآخر مدسوس، بالاعتماد على ماكينة الدعاية الروسية الإيرانية عن إمكانية حصول خلاف بين الطرفين، بسبب وجود طلب كبير على التحليلات التي تستكشف مكامن الخلاف بين روسيا وإيران، ولا تتحدث عن سواها. 

تتحدث الوقائع في التحالف الروسي الإيراني عن نفسها، ولا تحتاج إلى استخدام آليات تحليل الإشارات والتلميحات والتسريبات ولا حركات الجسد. تنطلق موسكو وطهران من قاعدة واحدة في التعامل مع الواقعة السورية، هي فرصة تتسع لكليهما، وتحقق طموحاتهما، كما تشكل الضلع الناقص في قوس مشاريعهما الاستراتيجية، وهي فرصة لابتزاز العرب والأوروبيين، حيث يشكلان المكوّن الأساسي لتصريف مصالحهما الدولية، وهي فرصة تتيح لهما تنظيف ملفاتهما الإشكالية مع البيئة الدولية، وأنهما سعداء، لأن أوباما يجلس على المدرجات، ينتظر غرقهما. حسناً، فلتبق، يا سيد أوباما، تنتظر، ودعنا نغرق أكثر في بحر الفرص. 

ليست مشكلة روسيا وإيران أنّ العالم بهذه السذاجة، إلى درجة يعتقد أنهما ذاهبتان إلى ترتيب الأوضاع في سورية، لكي يستفيد منها الشعب السوري أولاً، والأطراف التي تدعمه ثانياً. إنه أكثر من فانتازيا إمكانية تصوّر وجود لروسيا وإيران في ظل نظام جديد لسورية؟ وهل هما بهذا القدر من السذاجة، ليتصورا ذلك؟ وهل هما حمائم سلام، حتى يجهزا سورية لغد لن يكونا فيه؟ وهل نظام الأسد قادر على التعايش مع سورية، بعد أن تستعيد لاجئيها؟ أليس ذلك نوعاً من الانتحار المجاني؟ 

في النصف الثاني من اجتماعهما، توقف القيصر والمرشد عند قضية ما إذا كانت هناك ضرورة لوضع استراتيجية محبوكة، لاستمرار نجاحهما المبهر في سورية، غير أن عضواً في الوفد كانت له التفاتة حاذقة، حيث قال إن من شأن أي تدخل التأثير في انسيابية الأحداث وسهولتها. وعليه، من الأفضل ترك الأمور تسير وفق ما كانت عليه، وذلك أكثر ضمانة. وكانت حجته أن مساهمات الأطراف تشكل إضافات رائعة، وتعطي للأمر حركة أكثر مما لو تعمد الروس والإيرانيون صبها في قوالب وخطط، خصوصاً أنه معروف عنهم الصلابة والجدية اللازمة، وميلهم إلى التراجيديا والكآبة.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات