تجربة الهدن وتجربة خرقها وتجربة لم نجربها بعد

تجربة الهدن وتجربة خرقها وتجربة لم نجربها بعد
أثارت حادثة خرق الهدنة التجريبية في الغوطة الشرقية صباح الأحد الماضي قضية جديدة في الظهور، قديمة في الطرح، وهي قضية قرار المعارضة ومن يمتلكه أو يمتلك حق التصرف به.

وكما أن هذه الهدنة (تجريبية) وتهدف لاستكشاف إمكانية صمود مثل هذه الإجراءات، كمقدمة لحل شامل، يمكن بالمقابل اعتبار حادثة خرقها من قبل بعض قوى المعارضة هذه المرة، على عكس ما كان يحدث سابقاً حيث كان النظام هو الطرف الذي يخرق الهدن والاتفاقات، أنها ستفتح مجال البحث في كيفية صناعة وإدارة مرحلة وقف إطلاق النار المحتملة من جانب المعارضة وقوى الثورة.

ورغم أن الشاهد الذي انطلقنا منه هو منطقة الغوطة الشرقية، التي لا تتجاوز الفصائل فيها عدد أصابع اليد الواحدة، ومع ذلك نحن أمام تجربة مهددة، فكيف اذا تم الانتقال إلى مناطق أخرى، عدد الفصائل أكبر ؟!

من ناحية المبدأ، فإن الجميع يتوقع أن الطرف الذي سيواجه أو يرفض أو يعرقل أو ينأى بنفسه عن أي اتفاقات أو حلول سياسية مع النظام، سيكون جماعات السلفية الجهادية، وفي مقدمتها جبهة النصرة، وهذا تصور بديهي، على الرغم من وجود تجارب لدينا، كانت فيها "النصرة" وغيرها من الجماعات الجهادية، جزء أساسياً من هدن واتفاقات مع النظام.

آخر هذه التجارب كانت هدنة (الزبداني-كفريا الفوعة)، والتي تصدى للتفاوض والاتفاق عليها "جيش الفتح" الذي يضم كل جماعات الطيف السلفي الجهادي في سوريا، وقبل ذلك كان لدينا تجارب أخرى، كهدنة القابون ووقف إطلاق النار في برزة، وأيضاً هدنة الزبداني الأولى، و غيرها العديد من هذه الهدن التي حظيت بقبول فصائل التيار الجهادي.

مقابل ذلك كانت لدينا تجارب رفضتها جبهة النصرة وفصائل جهادية أخرى، كما حدث في بيبلا ويلدا وغيرهما من بلدات ومناطق جنوب دمشق المحاصر، وهي تجارب أدت كما هو معلوم، إلى ضرب أسافين عميقة في العلاقة بين فصائل المنطقة وجبهة النصرة.

ومقابل تجارب الرفض الجزئي والقبول الجزئي من قبل فصائل "التيار الجهادي"، يغفل الكثيرون أنه لدينا شخصيات وجماعات غير إسلامية، ترفض بالمطلق أي شكل من أشكال التفاوض مع النظام، بل ولا يجب إغفال أن مع "النصرة" في جبهة رفض الهدنة الحالية في الغوطة، الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام، وربما أيضاً فيلق الرحمن، وهما فصيلان ليسا من التيار السلفي، وليسا على توافق مع هذا التيار.

وبمناسبة الحديث عن أطراف أخرى ترفض أي طرح للتفاوض مع النظام، فلدينا شخصيات وجماعات من التيارات غير الإسلامية، ترفض، بل وتهاجم حتى المفاوضات والاتفاقات بين "الإدارة العامة للخدمات" التابعة لجبهة النصرة في الشمال مع النظام، حول إدارة وتقاسم إنتاج شبكتي المياه والكهرباء !

إذاً نحن أمام طيف، وليس لون واحد من القوى، يُتوقع أن ترفض أو تعرقل الحل السياسي الذي إذا ما كان هناك حل، وعليه، يجب الانتقال من مجال تعداد هذه القوى ووصفها ونسبها، إلى مجال البحث وإنتاج الحلول، بما يضمن عدم وقوع المحظور، والمحظور هنا هو أن يجري دم جديد بين الأخوة المرشحين وبكل قوة ليكونوا (أعداء) كما لم يكونوا من قبل، وهذه من أخطر مراحل الثورات كما هو معروف.

خطورة التحدي اليوم، هو أننا لسنا أمام قضية وقف إطلاق نار جزئي في هذه المنطقة أو تلك، ولسنا حيال هدنة أو مصالحة في بلدة هنا أو هناك، بل نحن أمام الحديث عن مرحلة مصيرية، يتطلب الدخول فيها قراراً جماعياً، لا يوجد حتى الآن جهة أو مؤسسة واحدة مجمع على أن من صلاحياتها اتخاذه.

لقد عجزت قوى الثورة والمعارضة العسكرية والسياسية طيلة أربع سنوات ونصف، عن إنتاج مؤسسة جامعة تكون واجهة سياسية للثورة، ويعود لها حق اصدار قرارات كبرى بهذا الحجم، حجم قرار اعلان السلم والحرب.

وبالتالي، فإن خيار العودة للناس على الأرض، ومنح سكان المناطق المحررة فرصة إنتاج مؤسسة تشاورية ما، على مستوى سوريا كلها، تقرر باسم الشعب في هذه المناطق ما تراه مناسباً، وتلزم كل الفصائل بقراراتها، يبدو خياراً ممكناً، كما أنه سيكون أقوى تقريراً وجديراً بالاحترام، طالما أنه يعبر عن إرادة المجتمع الذي يضحي أبناؤه على الجبهات، ويواجه أفراده القصف والدمار والجوع والحصار وقسوة الحياة.

إذا كان لدينا هدن تجريبية، وخرق تجريبي لهذه الهدن، ومفاوضات أيضاً بنفس سياق التجريب، ومعارك تجريبية كذلك، فلماذا لا نجرب الشيء الوحيد الذي ليس ثمنه أي دم ؟

إن وجود مثل هذه المؤسسة، سيوفر للجميع حصانة من الاقتتال المحتمل، وسيمنح كل القوى، الاستناد على أرضية صلبة، ويجنبها مغبة الاتهام والتخوين، وكذلك مسؤولية القرار تاريخياً، ناهيك عما يمكن أن تؤدي إليه لاحقاً مثل هذه التجربة، من تمكين للشعب أن يكون رقيباً ومحاسباً بالفعل، مما يقلل من احتماليات الخيانة والفساد وإقامة إمارات سياسية أو إنتاج أمراء حرب على أنقاض دمار ودماء الشعب، كما حصل في الكثير من البلدان.

 

التعليقات (1)

    احمد

    ·منذ 8 سنوات 5 أشهر
    كلامك مظبوط
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات