لا تمنحوا داعش ما تبتغيه

لا تمنحوا داعش ما تبتغيه
عند وقوع عمل فظيع ينتاب الناس حالة من الخيبة والاحباط والألم؛ يتضامنون، ويتعاطفون، وتنطلق الخطابات السياسية الرنانة وتحدث فورة إعلامية حامية وهذا ربما مايحقق لمرتكبي العمل الفظيع اهتماماً بقضيتهم وتحقيقاً لأهدافهم. في حالات رهيبة كهذه، ليس المطلوب هو الغضب أو الاتهام أو الذعر بل التصميم والثبات والرؤوس الباردة والتفكّر الحذر والفعل العقلي لا العاطفي.

يمكننا أن نستقي خمسة دروس مما حدث في باريس:

1- إبقاء التهديد ضمن إطاره الحقيقي وبحجمه الطبيعي:

صحيح أن 130 ضحية وجرح ما يقارب الثلاثمائة يستلب اهتمامنا، لكنه يجب ألا يهزَّ أركان مجتمعنا، ما لم نرعه يفعل ذلك.

ما حدث لايمكن مقارتنه بما عانته أوربا بين عامي 1914 و1918 وعامي 1939 و1945 ومع ذلك هذه هي أوربا اليوم أغنى وأكثر أماناً وأكثر انفتاحاً وحرية واستقراراً وهذه الانجازات لايجوز التخلي عنها، وإن حدث ذلك فهو نصر للمجاهمين لا يستحقونه. لقد استهدف الإرهاب مدناً عدة، وعادت نظرة متألقة.

ومع حزننا وألمنا على من قضوا، إلا أنه علينا أن نتذكّر أن الإرهاب سلاح الضعفاء. ستعود مدينة النور إلى التألق بالخلاص من المهاجمين.

2-علينا أن نقبل الحقيقة القائلة بأن الأمان المطلق مسألة مستحيلة.

بعض الدول تتجاوب مع هكذا فعل بإغلاق حدوده واتخاذ اجراءات أمنية مشددة، ولكن ذلك يبقى قصير المدى رغم أنه يطمئن ويمنع التكرار السريع لأفعال إرهابية، ولكنه لايمكن أن يحصّن المجتمع من أشخاص مهمين على قتل أنفسهم وقتل الآخرين بالمعيه.فحتى الدول القمعية كروسيا والصين عانت من الأعمال الإرهابية. هذه الأعمال ستستمر، ولكنها ليست خطيرة وجودياً.

3-هزيمة التطرف تستلزم فهم جذوره:

إن العنف الجهادي ليس متأصلاً في الإسلام، والقرآن يحرّم قتل من لايحارب، وأغلبية المسلمين يرفضون هكذا أعمال. إن الرمي باللئمة على الإسلام يشبه لوم المسيحية على ارتكاب" انديرز بريفيك" جرائم أوسلو، أو لوم اليهودية على ارتكاب" باروخ غولدشتاين" الجرائم في الخليل.

يستند العنف الجهادي على تفسير ضيق أقلوي محدود للإسلام. إن تفسيرات" القاعدة" و" دولة الخلافة" آتٍ من نمط الحكم الكارثي في العالمين العربي والإسلامي في الشرق الأوسط. وهذا ليس لتبرير ما حدث في باريس، فإن قلنا إن أمريكا وأوربا لا علاقة لهما بما يحدث في الشرق الأوسط، نكون كمثل الذي يخفي رأسه في التراب. إن المسلك الأوربي والأمريكي تجاه المنطقة العربية والمسلمة أغضب العرب والمسلمين. وزاد الغضب واحتضان الغرب للقيادات الدكتاتورية الذي ذبحت شعوبها. الجهاديون يعتقدون بأنه يردّون الدين للغر لإجرامه تجاههم. الغرب يقوم بأفعاله تجاه أناس لاحول ولاقوة لهم، وها هم يردون عليه.

4-للدولة الإسلامية استراتيجية علينا ألا نقع ضحية لها:

انطلاقاً من سورية والعراق، للدولة الإسلامية" داعش" أهداف ربما تكون بعيدة تتمثل بالسيطرة على العالم الإسلامي. فهي تجد أن عليها بداية بلورة الصراع بين المسلمين والآخرين، وعليها، أيضاً جذب الرماديين والمتعاطفين الجدد مع" قضيتها". ومن هنا تجدها تسعى إلى تثبيت" صراغ الغرب مع الإسلام والعداء بينهما".

علينا محاربة هكذا استراتيجياً. وألا نقع ضحية لها، فإن تصرفنا بردّة الفعل المرسومة، سنحوّل رؤيتها إلى حقيقة، ويتعمق هذا العداء المفتر1ض. وإن كانت الدولة الإسلامية ضعيفة نسبياً الآن، وتلقى العداء عالمياً، علينا ألا نحولها إلى بطلة في أذهان الكثيرين.

5-لنبقى هادئين ومتوازنين ونتابع ما نحن بصدده:

يغري الكثيرين أن نكون بحالة استنفار وتصريحات نارية مصممة على تدميرها، وخاصة إن كنّا على يقين من نيتها الخروج من نطاقها المحلي إلى العالمي. يمكننا مثلاً أن نخلق تحالفاً واسعاً لمن يرغب، ونقتل من الجهاديين ما استطعنا. هذا سيضعفها حتماً، وسيحرمها من تخطيط هجمات جديدة، ويحدّ من خطرها على الغرب؛ لكن هذا لن يحلّ المشكلة برمتها، وقد يجعل المشكلة أسوأ. وإذا ما شنّ الغرب حرباً شعواء عليها سيجعلها بطلة وسيثبت مقولتها بالصراع بين الغرب والإسلام.

إن داعش في جغرافيا صعب أن تضبط أو تُحكم. وحتى لو تم تدمير داعش إلا أن أفكارها ستبقى متجذرة، وسينتشر روّادها إلى أمكنة عدة في المنطقة. قد تنتهي" الدولة الإسلامية" داعش ولكن مجموعة إرهابية جديدة قد تبزغ. لذاك علينا بعلاج بعيد المدى لهكذا خطر. إن الحل المطل والنهائي غير متوفر.

علينا إحياء مؤسسات دولة قانون مؤثرة في المنطقة. وهذا ما لايمكن أن تقوم به قوة غازية، وخاصة ما جرى دمغه بصفة" الغرب". إن من يقوم بذلك هم أهل المنطقة فقط. ومن هنا، مايجب أن يحدث ضدها، يجب أن يكون من أهل المنطقة نفسها، والغرب ريما يكون موجوداً  في الخلفية فقط. علينا فعل عكس ما فعلناه بعد أحداث 11- أيلول.

المصدر

التعليقات (1)

    متابع11

    ·منذ 8 سنوات 5 أشهر
    تساؤل بسيط طرح وانا وزميلي نطالع الأخبار ...يقود الى حقيقه لا تحتاج الى تفكير كثير والتساؤل هو .......ما يسمى تنظيم الدولة (داعش ) وصل الى العالم والى الدول ذات القوى العظمى في الاستخبارات وتكنولوجيا التجسس .....ولم يستطع الوصول الى فلسطين ويهاجم أسرائيل الدوله المحتله وهي قضية العرب والمسلمين التى لا يختلف عليها أحد من المسلمين والعرب... اليس هذا أكبر دليل على أن داعش صنيعة أعداء الأمة العربية \\والأسلامية...
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات