الديمقراطية المنشودة سورياً وكُردياً

الديمقراطية المنشودة سورياً وكُردياً
يُشير اسبينوزا عبر رسالة في اللاهوت والسياسة إلى أن الديمقراطية هي الحالة الأصلية للعلاقات بين الناس. وهو عندما يتحدث عن الملكية فمن أجل إثبات أن الحكم الملكي يقوم على الخداع و التضليل باسم الدين وهو يكرس عبوديتهم بواسطة الخوف و يوهمهم بأن تلك العبودية هي طريق خلاصهم.

في هذا الصدد يرى "جاد الجباعي" في مؤلفه طريق إلى الديمقراطية أن "ثورة التطلعات"، التي شهدتها خمسينات القرن الماضي وستيناته (1952 – 1967) انتهت بهزيمة الخامس من حزيران (1967)، وإخفاق المشاريع السياسية العابرة للوطنية، أو ما فوق الوطنية: (المشروع القومي العربي، الوحدوي، الاشتراكي، والمشروع الاشتراكي، البروليتاري، الأممي، والمشروع الإسلامي، الوسطي، المعتدل، والمستنير). ولعله من المؤلم أن نقول إن "الثورة" انتصرت، وإن التطلعات هي التي هُزمَت. وللمرء أن يتخيل، وأن يفكر في مسألة، ماذا يمكن أن تكون الثورة بلا تطلعات، أو ماذا يمكن أن تكون ثورة ذات تطلعات مهزومة. بل للمرء أن يفكر، قبل ذلك كله، في مسألة كيف تكون "ثورة" "من فوق"، أو من وراء ظهر المجتمع، وبصرف النظر عن حاجاته الجذرية، التي من دون تلبيتها لا يكون مجتمعاً، بل تراصف جماعات تتعايش على مضض؛ نعني بالحاجات الجذرية الحاجة إلى الدولة الوطنية وحكم القانون والمساواة في الحقوق والواجبات، فضلاً عن التنمية البشرية والاقتصادية والاستثمار الأمثل للموارد.

 في معرض الحديث عن المشروع الديمقراطي الغائب في سوريا، وحالة الوطنية الممسوخة التي عُممت على كل سوريا ما بين التطلعات المهزومة، أو الأيديولوجية المهزومة، العابرة للوطنية، وبين الممارسات الفئوية، ما قبل الوطنية، وما دون الوطنية، كان المجتمع السوري غائباً ومغيباً، ولم يكن ينظر إليه إلا بوصفه موضوعاً هامداً ومطاوعاً للإرادة الثورية الخيرة ووسيلة لتحقيق الأهداف النبيلة وكان المشروع الوطني الديمقراطي، ولا يزال، هو الغائب الأكبر. (وسيظل على جدول الأعمال حتى يتحقق عملاً تاريخياً كلياً).

يقيناً نحن اليوم وبسبب فقدان مفاهيم الديمقراطية وقيمها في سوريا، أصبحنا على مفترق، إما بناء أسس ومبادئ الديمقراطية وإما التوحش والهمجية؛ إما التعددية الديمقراطية وإما الفوضى والخراب والقتل على الهوية؛ إما الدولة الديمقراطية وإما الإرهاب، وصحيح إننا نعاني من الإرهاب منذ ثلاث سنوات على الأقل، لكن الإرهاب الأكثر خطراً وعنجهية هو إرهاب  السلطة الذي  يريد البعض فرضها على الآخرين في مختلف مناطق سورية، ومن مختلف الجهات التي استولت على مقاليد الحكم، وما الأساليب والأدوات السطحية والخوف كطريقة نتوسل بها لمنع  هذه السلطة من إرهابنا، ما هي إلا نتائج إرهابنا وفق عقلية تلك السلطة.

الديمقراطية المنشودة في سوريا والطرح الكُردي

إن كانت الديمقراطية غائبة عن سورية كدولة ونظام، فإن الجماعات السياسية المشكلة أو المعارضة، أو المنضوية ضمن هذا النظام وهذه الدولة هي الأخرى كانت تفتقد لأي مقومات الديمقراطية.

وفق عملية الديمقراطية المنشودة، كان الطرح الكُردي يرغب أن تكون القضية الكُردية قضية وطنية، وحاولت بعض الأحزاب السياسية الكُردية كسر حواجز الجليد بين الكُرد والمعارضة العربية، لكن الطريق كان دوماً مبعداً بالمسامير. هذا الطيف الواسع من القضايا والمشكلات، التي ينبغي أن تناقش في ضوء واقعنا الراهن، ليس معزولاً عن العوامل الاجتماعية الاقتصادية والثقافية والسياسية، التي أنتجت الاستبداد المحدث، ووفرت له فرص النمو والاستمرار، لذلك رأينا أن مشروع الخروج من النسق الشمولي والانتقال إلى الديمقراطية مشروع مجتمعي متعدد الجوانب والمستويات والأبعاد، ويحتاج ربما إلى وقت غير قصير، وأنه عمل تاريخي ينهض به المجتمع كله، ويلقي على عاتق القوى الديمقراطية، بوجه عام، وعلى المثقفين، بوجه خاص، مسؤوليات وطنية وأخلاقية جسيمة، ولاسيما أن سبل الخروج من النسق الشمولي لم تكن آمنة دوماً، وأن الواقع مفتوح على احتمالات، بعضها في غاية الخطورة ولا تقتصر نتائجها على طرف دون آخر أو على فئة اجتماعية دون أخرى.

ضعف الديمقراطية في الداخل الكُردي

 في الوقت الذي يفترض به علينا كشعب كُردي السعي نحو بلورة مشروع تشاركي مبني على قيم الديمقراطية والعيش المشترك مع باقي المكونات الرئيسية في كُردستان سوريا، لا تزال الديمقراطية هي الحالة الأكثر غياباً وتيهاً في الوسط الكُردي.

لا يجوز أن تكون دعوة الإصلاح الكُردية حَوْلاء وبعين واحدة، فأولاً وقبل أي شيء يجب أن تكون الأحزاب، أحزاب مدنية ديموقراطية ويجب أن تكون الحالة الكُردية مبنية على شعار الديمقراطية لسورية وحق تقرير المصير لكُردستان طافح بحضوره الدائم، علماً أن الأحزاب الكُردية نفسها تفتقد إلى الديمقراطية في مفاصل كثيرة من كياناتها، سواء في تعاملها مع أعضائها، أو في تعاملها مع نظرائها من باقي الأحزاب الكُردية. فلا يجوز السماح لبعض الكُرد أن يُأسسو حزباً سياسياً يشتغل كما يرغب ويُحرَمُ من هذا كُرد آخرون، أن الإصلاح الحقيقي يقتضي أن يبدأ كل حزب من أحزابنا الكُردية بإصلاح ذاته من الداخل فالسماء لا تمطر ذهباً وبعض الذين يتحدثون عن التنمية السياسية لا يدركون أن صناعة الأحزاب تختلف عن أي صناعة أخرى، بأنها عبارة عن التقاط لحظة تاريخية تأتي استجابة عاجلة لحالة قومية بلغت ذروتها.

التعليقات (2)

    مسعود

    ·منذ 8 سنوات 5 أشهر
    يقول الكاتب: الطرح الكُردي يرغب أن تكون القضية الكُردية قضية وطنية. ماذا يعني بالقضية الكردية وكل الأكراد في سوريا هم لاجئون إليها من عسف الحكومات القومية التركية في الزمن القريب! ثم هو يتكلم عن ما يسميه كردستان سوريا وكأنها أمر حقيقي لا تكذبه كل الوثائق التاريخية والرسمية. أخي الكريم: ابحثوا عن كردستانكم في تركيا أو إيران ولا تكونوا جاحدين للبلد الذي آواكم ولأهله. فأقصى ما يمكن أن تطمحوا إليه هو المساواة بينكم وبين السوريين لا أكثر. أما المظلومية التي تدعونها فقد عانى منها كل الشعب لا أنتم فقط.

    رودي ظاظ

    ·منذ 8 سنوات 5 أشهر
    استاذي الكريم كل ما قلته في كتاباتك حقيقة واقعية . وشكراً على هذه المقالات التي تبين للعالم من هم الاكراد وماذا يبتغون .
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات