رؤية نقدية في إنشقاق إعلان دمشق

رؤية نقدية في إنشقاق إعلان دمشق

إعلان دمشق بوصفه أحدث التجارب السياسية السورية، نشوء الإعلان كرد فعل توحيدي يجمع المعارضة السورية ضد النظام في سورية قبل الثورة، شكل الإعلان آنذاك خرق للذهنية الحزبية في نشوئه وديناميته، استطاع أن يجمع أحزاب ومستقلين يمثلون ذهنية سياسية تمثل جماهير معارضة للتسلط والاستبداد، رغم ذلك لم يستطيع تقديم قراءة نقدية سياسية تسببت بإنسحابات كثيرة بعد فترة وجيزة من نشوئه.

من هنا يأتي أهمية عودة الإعلان للواجهة السياسية السورية بعد اندلاع الثورة فيها، محاولاً الإسهام بشراكة حزب الشعب الديمقراطي والإخوان المسلمين، بهدف تشكيل وعي سياسي معاصر وواقعي يسقط النظام، ويكون قادراً على إرساء مناخ الديمقراطية والحريات المنشود.

في هذا الصدد يأتي المؤتمر الأخير لإعلان دمشق، المنعقد في مدينة غازي عنتاب التركية ٦و٧ الشهر الجاري، بحضور ورعاية سياسية من رئيس الحكومة المؤقتة أحمد طعمة، كرد فعل ضدي يعكس التباينات السياسية الخاضعة للمحاصصة أكثر من كونها، استجابات سياسية وإجتماعية وديمقراطية، تمثل جماهير الثورة. فقد أدت الخلافات على المحاصصة عقب مؤتمر إعلان دمشق في المهجر، المنعقد سنة٢٠١٤م، إلى هذا الرد الفعل الضدي، متجسداً في إنشقاق نتج عنه قيادة جديدة للأمانة، متمردةً على القيادة الحالية.

هذا الإنشقاق يظهر أن شعارات التغيير السياسي والاجتماعي والديمقراطي لم تتحقق، وأن هذه المظلة السياسية لم تتجاوز سمات ما قبل الثورة. فها هي الخلافات تظهر أن محفز ديناميات الإعلان خاضعة لأجندة خارجة عن المشروع الوطني، وللخضوع لحوافز دينامية الأجندة الخارجية والبازار السياسي، أكثر من محفز الأسئلة المطروحة حيال القضايا السياسية المركزية المتمثّلة في إسقاط النظام وعملية التحول الديمقراطي والمفاهيم الكبرى من حريات عامة وغيرها.

وتناول الإنشقاق الأخير، يستوجب رؤية أن الأحزاب السياسية والساسة المستقلين في الإعلان، يعانون من ثقل موروث ما قبل الثورة السورية، لا يوجد تجديد في المسارات المستقبلية، والرؤية السياسية ما تزال ضبابية، ما ينعكس سلباً على الخيارات السياسية والاجتماعية والاقتصادية على السوريين في المناطق الواقعة خارج سيطرة النظام. إذاً الإشكال التاريخي الأكبر يظهر العجز عن وجود قراءة نقدية، وغياب النقاش الجدي داخل إعلان دمشق، وبقاء خطابه السياسي أسير نرجسيات فردية. وما يزال التغني بشخوص بعينها وتمجيدها على حساب تغليب روح الاجتماع السياسي، حاضراً بضراوة أكبر. الشرنقة التي حاول الإعلان الخروج منها بتنسيب عشوائي، يقارب تنسيب أعضاء حزب البعث الحاكم في سوريا، تجسد في أن غالبية المستقلين المنتسبين بالسنوات القليلة المنصرمة، بلا تاريخ سياسي ويفتقرون للكفاءات بأشكالها المتنوعة. وبقي الإعلان مقفلاً على قيادة تدين بالولاء والنهج لحزب الشعب الديمقراطي وشخصيته الرمزية مجسدةً بشخص رياض الترك، وهذه الأسباب تسببت بالنتائج التي يحصدها الإعلان وقبله حزب الشعب، نتائج خرابية، ليس للمنتمين لهذا الحزب أو ذاك التجمع السياسي. وإنما نتائج الخراب تشمل الحياة السياسية المعارضة في المشهد السياسي الحديث. العلاقة السياسية داخل الإعلان كانت وما تزال ملتبسة وعجزت عن تجاوز التمثيل للتنوع السوري على حساب تعددية سياسية وطنية، والفشل في الاستفادة من مناخ الثورة للخروج عن مبدأ المركزية القمعية، مما أدى إلى تمرد المنتسبين حديثاً من المستقلين على المؤسسين، رافضين البقاء في دائرة الكومبارس السياسي. وظهرت المؤتمرات التي قبل الثورة وبعدها، وكأنها فلكور سياسي لا يملك روح المبادرة.

سلسلة الإجراءات والقوانين الاستثنائية التي فرضها حزب الشعب على الإعلان، منعت وجود تحول ديمقراطي يتناسب مع حساسية الثورة السورية وشعاراتها المرفوعة، وضمان بقاء التشتت بديلاً عن الإجماع السياسي الوطني، خارج الإجماع السياسي للحزب وأيديولوجيته. ما زالت الوجوه نفسها تتبادل الأدوار السياسية، وكأنها شبيهة لمقولة مدى الحياة في النظام الحاكم، وضمان هيمنة الأفراد ذاتهم. منع تشكل أُطر تأسيسية تستوعب جيل الثورة من الشباب، وفقدان مشروعية تواجد جيل الثورة من الشباب في الإعلان حيث لا يتجاوز الشباب بالإعلان حاجز٢بالمئة، مما يفقده الكثير من مشروعيته السياسية، وهو تدهور سياسي ملحوظ منذ اندلاع الثورة بضراوة أكثر من السابق. وبقي الإعلان عاجزاً على أن يكون له مقرات في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، أو مواقع إلكترونية إحترافية تتفاعل مع الناس وتنامي المجريات السياسية. هذه السلبيات حرمت الإعلان من وجود تمثيل شعبي خارج المقاهي في باريس وأسطنبول، وصالونات ثقافية يجتمع فيها أناس شغلهم الشاغل مواضيع بعيدة عن لقمة عيش الناس في المخيمات، ومقدرتهم على الإسهام في تخفيف وطأة معاناتهم الناتجة عن آلة حرب النظام.

أليس المال السياسي الناتج عن المحاصصة بين كبار المشهد المعارض الرسمي ومؤتمراته دائمة الإنعقاد في دول الجوار وما بعد الجوار السوري، ستكون أكثر جدوى في مناحي صرفها على الناس في المخيمات؟

الإنشقاقات التي أصبحت تتناسل مؤخراً، ظهرت كرد فعل على محاصصات سياسية، وأجندة خارجية، وليست تعبير عن تعدد ديمقراطي، نتيجة فقدانها للجماهيرية. وتحديداً بعد فشلها الذريع في ممارسة الديمقراطية في شرنقتها، وعبر إعادة إنتاج لأحزاب والمظلات السياسية، بأشكال  تسلطية وقهرية. وما زالت قاصرة عن إنتاج قيم حداثوية خارج التفكير القبلي والعشائري، وتهديد وحدتها السياسية من أجل المنافسة على محاصصات سياسية لا أكثر في سوق البازار السياسي.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات