الملحمةُ السوريةُ تُلْهِمُ المشهدَ الثقافيَّ الأردني

الملحمةُ السوريةُ تُلْهِمُ المشهدَ الثقافيَّ الأردني

محمد جميل خضر

بمختلفِ تداعياتِها، تلخِّصُ صورةُ رئيسٍ سابقٍ لرابطة الكتّاب الأردنيين إلى جوار رأس النظام السوري المجرم، (أعاد نشرها 25 مرة مكررة عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي fasebook)، مشهد الانقسام المروّغ الذي قسم ظهر الساحة الثقافية الأردنية بعد اندلاع الثورة السورية.

بعض الذين يحاكِمون الأمور وفق مرجعية أخلاقية نقية الأهداف والمرامي، راعهم سرعة اصطفاف زمرة ممن تحركهم المصالح الآنية الذاتية، والحسابات الحزبية الضيقة مع النظام القاتل، بطل البراميل والمدافع الثقيلة، على حساب أرواح أشقائنا السوريين من أبناء الشعب في مدنه وقراه وريفه المنكوب. زمرةٌ محسوبةٌ على المشهد إما بقوة الحزب وتعاظم نفوذه داخل الهيئة العامة لرابطة الكتاب الأردنيين على سبيل المثال، أو هي ضامنة لمساحتها المغتصبة عنوة من الصحف اليومية والمجلات الثقافية، وللأمانة فإن الصوت الإبداعي لبعضها لا بأس به، ولكن أي إبداع هذا الذي لا يرضخ لحظة الحقيقة لمنطق الحق والفسطاط المبين، ولا يجنح مع نبض المكلومين وأنّاتهم لنداءات الحرية والكرامة والعدالة؟؟؟

هم حسموا أمرهم منذ الساعات الأولى لانطلاق ثورة الشعب، ابتداءً من درعا نحو غوطة دمشق وصولاً لحمص أيقونة الثورة، وما بينهم من محاولات مدنية سلمية في سوق الحميدية، وبعض شوارع دمشق، وحتى مظاهرة العاصي الحاشدة البائنة بينونة كبرى. حسموه باتجاه الفئة الباغية وفي سبيل مزيد من بغيها وطغيانها وإزهاقها أرواح الأبرياء.. وفي سبيل مزيد من جلبها للغزاة فـ"الطغاة يجلبون الغزاة" كما تقول القاعدة الأخلاقية الحكيمة البليغة.

فأي مبادئ يسارية تلك التي في لحظة مفصلية حاسمة تخون أهم شعاراتها المتعلقة بالانحياز للناس والمقهورين والمعذبين في الأرض؟ وأي مبادئ اشتراكية تلك التي أتاحت لهم خيانة العقل والضمير؟؟

طول عمرنا نسمع منهم ومن غيرهم شعارات تتعلق بالانتصار لحقوق الناس والشعوب بالحرية والكرامة والغد الأفضل، فما الذي جرى في الحالة السورية؟ ما الذي جرى ليحتلوا المشهد الثقافي الأردني ردحاً من الزمن، ويتحدثوا باسم هذا المشهد، حتى إن بعضهم ناب عن الناطقين العسكريين للنظام، وواصل عبر مختلف وسائل التواصل زف أخبار (الانتصارات المظفرة) في جوبر على سبيل المثال، أو في حلب، أو كيف دُحِرَ (الإرهابيون) من حمص!!! بعضهم كان يزف (شهادة الشهداء) من جنود النظام وشبيحته ومرتزقته من أفغانستان ولبنان والعراق وإيران، ويورد أسماءهم الرباعية، فمن أين تأتى له هذا التدفق الحاشد من المعلومات والإحداثيات!!!

عشرات آلاف الأسرى في سجون النظام، وآلاف المخطوفين والمختفين بشكل قسريّ لم يحركوا مشاعرهم، في حين حرّكها معتقل رأي (على ذمتهم) لدى قطر (هو الشاعر القطري محمد العجمي أو (لعله النبطي) بن ذيب)، وتسابقوا على متابعة أخباره، وتعليق صوره في بيت المثقفين والمبدعين الأردنيين، شاء من شاء وأبى من أبى، رغم أنها قصة جانبية، معزولة، ولا يمكن مقارنتها بجرائم النظام السوري منذ 50 عاماً محزنة ضمن مسيرة الياسمين ودمشق وحلب الشهباء ودار العزة وجليلة النواعير وأرض حوران.

وبسرعة جنونية مشبوهة النوايا قسّموا الجسم الثقافي الأردني إلى قسميْن لا ثالث لهما: جسمٌ نورانيٌّ مستنيرٌ مضيءٌ بليغٌ بهيجٌ واعٍ عميقٌ تقدميٌّ نبيهٌ جليلٌ كاملٌ لا لبس فيه هو الجسم المؤيد للنظام المجرم الغبي، مقابل جسمٍ ظلاميٍّ متخلّفٍ هو الجزء الأكبر والأطهر من المثقفين الأردنيين ممن وقفوا إلى جانب الشعب السوري، وانحازوا لدمه وتضحياته، وانتصروا له ضد مختلف ما تعرض له من تشريد وتدمير وقتل وهوان!!!

رد الأنتلجنسيا الثقافية المعرفية الأردنية لم يتأخر كثيراً، فمع أول استحقاق انتخابيّ، بعد الاستئثار برابطة الكتاب، وبكثير من تفاصيل المشهد الثقافيّ الإبداعيّ المحليّ، وإذا بالرد الصاعق الماحق يشكّل أقلَّ واجبٍ لكل من يحترم عقله وقلبه وضميره الإنسانيّ الحيّ النبيل: خسر (شبيحة) النظام السوريّ صفر/ 11، أي فاز الفريق الآخر غير المؤيد للنظام، المنحاز لسوريا الوطن والتاريخ بجميع مقاعد الهيئة الإدارية لرابطة الكتاب الأردنيين (11/0)، وكأن لسان الناس كل الناس في بلدي يقول لهؤلاء الموتورين العصابيين المتجرئين على الدم الزاكي الشريف: أخرجوا من أرضنا.. من جرحنا.. من قمحنا.. من كل شيء.. ومن تفاصيل الذاكرة...

الملحمة السورية ليست مجرد باب لخلاف حزبي، ولا هي تمرين رواقيّ يتسلى به عشاق التجريد في كهوف السفسطة.. إنها ملحمةٌ من لحمٍ ودمٍ وانفجارٍ حقيقيٍّ وصولاً إلى الخلاص النهائيّ من الظلم والعدوان والطغيان إلى غير عودة له هناك في برّ الشام وبحرها ونهرها وأغاديرها وأشجارها العالية..

وقد تكون هذه الملحمة قسمتنا قليلاً، ولكنها ألهمتنا كثيراً، وما ردّ الفعاليات الثقافية المبدعة في أهم استحقاق لها سوى أول الغيث.. ثم ينهمر المطر. 

التعليقات (2)

    دارين دانييل

    ·منذ 8 سنوات 6 أشهر
    الله ينصر سورية

    ليلى حجازي

    ·منذ 8 سنوات 6 أشهر
    الشعب السوري احتضن الشعب الأردني وفتحله بيوته من قبل :) ربنا يريح بال كل السوريين
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات