بوتين يواجه السعودية من "الحضن" الإيراني في "فيينا"!

بوتين يواجه السعودية من "الحضن" الإيراني في "فيينا"!

لا معنى لعقد محادثات فيينا (المُقررة) اليوم. طالما اختار الرئيس بوتين إعلان فشلها مُسبقاً أمس، بقوله "ليس من حق روسيا مناقشة مستقبل بشار الأسد معه، لأنها مسألة تخص الشعب السوري".

بل ذهب بوتين، إلى حد الاعراب، عن استعداده "لمواصلة حملته الجوية في سوريا، مادامت قوات الأسد بحاجة للمساعدة. أي أن بوتين عاد إلى مربع "الأسد أو نحرق البلد"، وهو جزء من سياسة إيران الإقليمية "الأسد أو نحرق المنطقة". لأنها تُدرك أن تحرير دمشق من قبضتها، يُشكل نقطة البداية لتحرير بيروت وبغداد، وتطهير صنعاء نهائياً، من ذات القبضة.

ورطة بوتين في سوريا، هي مع إيران. وليست مع أي طرف آخر. لأن الجميع دون استثناء، يُقر بدور روسيا ومصالحها في سوريا القادمة، بمن فيهم واشنطن. بالتالي لا تحتاج موسكو إلى ضمانات لتلك المصالح. بقدر ما تحتاج إلى امتلاك أوراق، تؤهلها لفرض حل سياسي في سوريا. يحفظ ماء وجهها، ويُعزز "مصداقية" حجمها ونفوذها "كدولة عظمى"، ويُقنع إيران "بتجرع" كأس السم هناك، مع "وعود" بان لا يكون الكأس قاتلاً، لنفوذها في المنطقة.

لا تملك موسكو الأوراق الكافية لفرض "مشيئتها" السياسية، حيث تتفوق عليها طهران على الأرض. عبر تواجد حرسها الثوري، وميليشياتها العسكرية المذهبية متعددة الجنسيات. إضافة إلى ميلشيا "الدفاع الوطني". كما لم يكن كافياً، على ما يبدو. أن تضع روسيا يدها عسكرياً على "قواعد" في الساحل، لإقناع طهران بالتنازل عن رأس "الأسد" لصالح موسكو، أو انفرادها بالمساومة عليه. رغم امساكها بخناق "الدويلة العلوية" أو "سوريا المُفيدة"، كما تتخيلها "الأوهام الإيرانية".

ما حصل، أن بوتين انتشى باحتلاله كامل أجواء سوريا، وبعضاً من أرضها. دون مواجهته بردود فعل دولية تُذكر، إلى درجة تجاهله لإيران تماماً، باستدعائه عميلها المدلل إلى موسكو، بلا إذن أو مشورة. لذا كان على طهران تذكيره، بأنها صاحبة الكلمة الأخيرة، لأنها الأقوى في سوريا. وأنها لا تزال تعتبر "الأسد" خطاً أحمر، أقله حالياً. وذلك من خلال حملة إعلامية مُضادة للتدخل الروسي في سوريا، شنها قادة كبار في الجيش الإيراني. عبر وسائل إعلام بديلة، تابعة لطهران.

جدية تلك الرسائل، أخرجت بوتين من "انتشائه". ليكتشف أن ورطته في سوريا باتت مُضاعفة. "عسكرية" ليس من السهل الانتصار فيها. و"سياسية"، لا يملك اللعب على طاولتها، إلى بالشراكة "المُرة" مع إيران.

لم يكن "تخلي" بوتين عن "غموضه" بشأن مستقبل "الأسد" أمس، المؤشر الوحيد على "انحنائه" للضغوط الإيرانية. إذ سبقه إعلان موسكو عن قرب تسليمها لطهران صواريخ "أس 300" المُطورة. وتلاه الإعلان عن زيارة بوتين لطهران في 23 من الشهر الحالي. وجميعها يصب بسياق الضغط الخطير المُباشر على السعودية، للقبول "بأفكار" روسيا التي سربتها للصحافة، قبيل محادثات "فيينا"، حول الإصلاح الدستوري، والانتخابات الرئاسية المبكرة، التي لا تستبعد "الأسد"، ودوره "القيادي" في المرحلة الانتقالية.

المثير فعلاً، أن طهران ردت على خنوع بوتين، بالتصعيد ضد تدخله العسكري في سوريا، وكأنها تحاول إذلاله أو معاقبته. وفوقها المزايدة عليه بموضوع "الإرهاب". وهذه المرة بشكل شبه رسمي، على لسان وزير الاستخبارات محمود علوي. الذي أعلن في مؤتمر صحفي نقلته العربية نت أمس، أن التدخل الروسي بات يُشكل تهديداً للأمن القومي الإيراني، لأنه دفع "بالأعداء" لتهديد أمنها الداخلي، على حد تعبيره. 

عموماً، كل تفصيل في محادثات فيينا، من نكتة وفد المعارضة "الموحد"، إلى بدعة تحديد الفصائل "الإرهابية" السنية، وما بينهما. يُثبت أن الهدف الحالي هو "التفاوض لأجل التفاوض"، وهو تعبير عن ورطة روسيا القاصرة سياسياً، عن فرض "حل" على الجميع، وأولهم حليفها الإيراني. والعاجزة عسكرياُ عن النزول إلى الأرض للحسم، وكذلك عن البقاء في الجو "مرتفع الكلفة" مادياً ومعنوياً. وليس صحيحاً ادعاء بوتين "بامتلاك روسيا الوسائل المالية والفنية لاستمرار الحملة العسكرية". وإن كان بإمكانه تمديدها طبعاً. وهذا ما أراد التلميح إليه أمس، بعد صدمته بخطأ حساباته "التكتيكية" العسكرية في سوريا. وسرعة فاجعة مقتل 244 مواطناً روسياً، بإسقاط طائرتهم فوق سيناء.

هذا العجز، دفع بوتين لمحاولة الضغط على الطرف الأخر "السعودية". لاعتقاده بأن "انهماكها" في اليمن، يُعطل "أولوية" سوريا بالنسبة إليها. وهذا ما تفعله إيران، بمد الحرب هناك، إلى أطول فترة ممكنة. رغم الهزيمة الواضحة، لميليشيا الحوثي، وقوات صالح. إضافة إلى محاولة موسكو مُحاصرة الرياض، بمواقف "السيسي "القريبة من مواقف طهران. وباللعب على مواقف "مواربة"، لحلفاء آخرين "مُفترضين" للسعودية.

لعل، أهم ما يراهن عليه بوتين. هو "تردد" الرياض نفسها. واستمرار تجاوبها مع المطالب الأمريكية والروسية "بترجيح" خيار الحل السياسي. أو لثقتها المُفرطة بشخص بوتين نفسه، الذي لم يتردد بدوره في ممارسة "التقية والكذب. بدءاً من التظاهر بالمرونة في الموقف من رحيل الأسد. مروراً بإنزاله العسكري المفاجئ في سوريا. وصولاً "لفبركة" تنسيق "غامض" مع ما يدعي أنه "الجيش الحر"، لتبرئة "ذمته" زوراً، من قصف المعارضة المعتدلة والمدنيين.

لا شك، بأن الثقة ببوتين انتهت.  بل تتبادل مختلف الأطراف المتواجهة في سوريا "انعدام الثقة". وهو ما أشار إليه جون كيري أمس. فيما الأسوأ هو إقراره بأن موازين القوى، هي من يحدد نتائج المفاوضات. بمعنى أن لا مكان فيها "للسياسة"، أو للأخلاق بطبيعة الحال.

 على الأرض، يبدو أن ميزان القوى الحالي، رغم الظهور الاستعراضي للجنرال قاسم سليماني "بالحاضر" بريف حلب الجنوبي أمس. لا يميل إلى معسكر إيران، الذي انضم إليه بوتين "تكتيكياً" في سوريا. لكن طهران لن تُسلم بالواقع. خصوصاً مع اقتراب "استعادتها" للأموال المحتجزة، ثم إعادة ضخها لإنعاش "طموحاتها" بالهيمنة على المنطقة. وهو مشروع يُهدد السعودية، ودول الخليج وجودياً. كما يستحيل التعايش السلمي معه. أو تفكيكه بالتفاوض.

أضاعت الرياض الكثير من الوقت الثمين وفرصه، وتحالفاته اللحظية. مرة بالتعويل على "شهامة" بوتين. وتارة باسترضاء واشنطن. وثالثة بالمراهنة على السيسي. في حين أن طريقها، لكسب حربها الاستراتيجية في دمشق، يمر بالتحالف مع أنقرة، والدوحة. وليس مع القاهرة، التي يحكمها "للأسف" جنرال. لا يرى أبعد من أنفه استراتيجياً وأمنياً وقومياً. 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات