نموذج إبادة السنة في حماه في ثمانينات القرن المنصرم، تكرر في الثورة السورية، لكن نموذج الإبادة هذه المرة أخذ رقعة جغرافية تتميز بالثقل السكاني للسنة في دمشق وحلب وحمص وحماه، لما تشكله في وجدان أهل السنة من قيمة وطنية. حافظ الأسد حينما أبادة مدينة حماة في ثمانينات القرن المنصرم، أراد أن يقول للسنة تحديداً الأبد العلوي أو الإبادة، الابن بشار الأسد كرس هذه الإبادة في الثورة السورية، مقدماً السنة مذبحةً لم يعرف لها العالم مثيل، ولا أعتقد أن العالم سيشهد لها مثيلاً، قدم السنة في سوريا هدايا للأبد العلوي، ولازالت بقية الطوائف السورية تتفرج على محرقة السنة، وسيصابون بالإحباط حينما يلومهم لائم على تخاذلهم، ومكتفين بحصتهم من الأبد العلوي.
نظرة واحدة إلى الدمار في ريف دمشق وحلب وحمص وحماه وإدلب والرقة ودرعا، كافية للإضاءة على المحرقة السنية، السنة هم من دمرت مدنهم وعفنت مرافقهم العامة وقتل من قتل منهم، ونزح كثيرون، وبقيت قلة قليلة يعول عليها في الدفاع عن حقنا في الوجود. بينما البقية من شركائنا في المواطنة لا يعنيهم ما يحصل للسنة، وكأنه خلاف شخصي بين السنة والعلوية، وقبل كل ذلك قبائلهم الثقافية تعتبر كل من يستعمل تعبير"العلوية السياسية"طائفي. في مؤتمر"الفكر السوري"الذي أنعقد في باريس، منذ سنتين، تأفف المخرج أسامة محمد وأخته المخرجة والشاعرة والسينمائية والصحفية هالة محمد، من ورقة أستاذنا صادق جلال العظم، متهامسان أنه شخص طائفي. إذا كان صادق جلال العظم طائفي، إذاً أهل السنة إرهابيون!
استبشر غالبية السنة في سوريا المنتفضين ضد العلوية السياسية والأبد العلوي بباقي السوريين خيراً، بقيت الثورة صامدة أمام آلة حرب العلوية السياسية ترفع الورود وتردد "واحد واحد الشعب السوري واحد"، وعلقوا آمالاً على إنتفاض السويداء واللاذقية وطرطوس، من أجل إزاحة العلوية السياسية وأبدها. الثورة التي خرجت من أجل السوريين وإحياء الحياة السياسية من دون إقصاء أحد، لكن اللاذقية وطرطوس والسويداء لم تستفيق من عسل الأبد العلوي، ولم تناصر السنة من أجل إنجاز هوية سورية جامعة، كما اشتهى السنة. ولم ينتظر أحد منهم حتى ظهور تنظيم الدولة الإسلامية، لتوصيف السنة أنهم إرهابيين يريدون إبادة الطائفة العلوية. لم يكتفي الكل بسفك دم العرب السنة أو إنصافهم، "حزب الإتحاد الديمقراطي"حلفاء النظام لم ينتظروا أن تنتهي الثورة، يريدون جني ثمار مشروعهم القومي بالتحالف مع جلادي الأمس على حساب أخوتهم الضحايا. حرب العلوية السياسية يجنيه ثماراً أيضاً شركائنا في الأماكن الآمنة مشاريع إعلام بديل وتمويل مشاريع مجتمع مدني ونجومية وشهرة. والواقع أن غباء من زال يؤمن بهوية وطنية أنتجها الأبد العلوي، الذي أنتج هويات ما تحت مدنية، ساعدهم كثيراً في سرقة المال السوري.
تتعرض المدن والأرياف السنية الواقعة خارج سيطرة النظام لبراميل وغارات طائرات العلوية السياسية وحلفائها من إيران وروسيا، والذبح بالسكاكين على أيدي مرتزقة حزب والمليشيات الشيعية القادمة من العراق. ولم يبقى أمام أهل السنة سوى الدعاء والتظلم لله، حينما ملت أصواتهم من طلب الإنصاف من إخوتهم السوريين. مدن أهل السنة تتعرض لتطهير عرقي ودمشق الأموية يلطم بها الشيعة، لتتحول العاصمة دمشق بكاملها إلى مزارات شيعية يقصدها المرتزقة من المليشيات الشيعية بقصد السياحة الإرهابية.
الواضح أن القبيلة الثقافية لا ترى تمدد المليشيات الشيعية ومرتزقة حزب الله وجيش الأبد الأسدي، مخلفةً الدمار في المدن السنية، حرمةً أهلها من رؤيتها مرةً ثانية، محدثةً تغييراً ديموغرافياً خطيراً. ولكن القبيلة الثقافية ممثلة تحالف عدس تبصر جيداً توجيه النقد اللاذع للمفكر الكبير صادق جلال العظم، وتبصر مقالاً لمحمد منصور، وبوستاً لحكم البابا.
ما يجري في سوريا تطهير عرقي لأهل السنة وللعلوية السياسية اليد الطولى فيه وتتحمل مسؤوليته القانونية، ويمكن إعتبار العلوية السياسية"قوة احتلال"، وهذا لا يعفي باقي الطوائف من هذه المسؤولية القانونية.
من هنا نحن لا نتحدث عن رغبة لدى أهل السنة في التؤكو على المظلومية وأخذ الثأر، السنة الكتلة التاريخية التي يعول عليها في إنجاز التحول الديمقراطي، بشرطية عدالة انتقالية، تحاسب كل أمراء حرب العلوية السياسية وشركائهم، في أي تسوية سياسية مستقبلية. لا مستقبل للتقسيم في سوريا، الأحلام التي تتداعب مخيلة المليشيات الكردية سيتكفل بها الأتراك، وحلب لن تسقط في يد النظام، والمناطق الساحلية يدرك العلويين قبل غيرهم، عدم قدرتها على الاستمرار في محيط سني، ودمشق أموية وستبقى أموية.
لذلك لا يلقي أحد اللوم على أهل السنة بتوصيف الواقع، اللوم كل اللوم على العلوية السياسية، منتجة كل هذا الخراب والعفن الطائفي، ولا نريد بديلاً عنها"سنية سياسية"، نريد أن نعود إلى مدننا وبيوتنا، يوماً ما.
التعليقات (0)