هل يريد كيري سوريا علمانية وموحدة فعلا أم يريد حربا لا تنتهي؟! (1)

هل يريد كيري سوريا علمانية وموحدة فعلا أم يريد حربا لا تنتهي؟! (1)
وردت في حديث كيري في ختام لقاء فيينا الثاني كلمتان مهمتان، إذ قال: "يجب أن تكون سوريا دولة علمانية موحدة"! هاتان الكلمتان خرجتا منه أشبه بشعار من شعارات البعث يلقيه عضو بعثي في الأرياف السورية! كما أضاف المجتمعون أيضا شعارا براقا آخر وهو ضرورة "الحفاظ على مؤسسات الدولة"!؟

أما الجدل الدائر حاليا في فيينا حول مصير بشار فلا صلة له بالأحداث وينفع في تقطيع الوقت بين كيري ولافروف فقط، لسببين أساسيين.. الأول: لا يمكن لبشار أن يحكم سورية الموحدة، مطلب كيري(!؟) ولا حتى جزءا منها فقد تشكلت في مناطق العلويين نفسها ميليشيات لن تقبل قيادتها به أبدا، والثاني: أن الأحداث تجاوزته تماما وطمرته. إذ بات حلفاؤه، مثل حزب الله وايران وروسيا، يتصرفون وكأنه غير موجود! إذا دعونا نقرأ ما هو مهم ومستقبلي.

تبدو أشد الأفكار غرابة أن نظاما وطنيا جامعا سينشأ على أنقاض نظام البعث في سوريا. فمن الخطأ الاعتقاد بأن مجتمعاً صحياً سيظهر إلى الوجود بعد سقوط النظام السياسي، حتى عند اندلاع الثورة، ففي دولة البعث لم يكافأ أحد على المبادرة الفردية أو المجتمعية، مثلما لم يحاسب الفاسد على فساده، وهذه المشكلة واجهت الأمريكيين في العراق بعد سقوط نظام صدام، والمشكلة الثانية: أنه لا يوجد أي أفق بإمكانية تغيير النظام والإبقاء على بنية الدولة المركزية، لأن النظام ربط الدولة بعقدة انفلاتها هو انفلات لمؤسسات الدولة بأكملها، أما الآن وبعد خمس سنوات من الحرب فإن هذا الاعتقاد أحمق ودموي!

الجيش السوري، غالبا هو المقصود بالحفاظ على مؤسسات الدولة، انحل من تلقاء نفسه وتحول إلى ميليشيا علوية فجة متشظية، وأي حديث عن الحفاظ عليه، كي لا تمر سوريا بالتجربة العراقية تجاوزته الأحداث على الأرض، منذ أربع سنوات! إضافة إلى أن صورته لدى كثير من السوريين كريهة ولن يقبلوا به أو بأجهزة الأمن الأسوأ سمعة منه وعقليتها تشبه عقلية الغستابو. لذلك لابد من إعادة بناء أجهزة الأمن والشرطة من نقطة الصفر بالاعتماد على دول تمتلك خبرة بهذا الشأن. فالشرطة والقضاء، أيضا، كانا فاسدين وبيروقراطيين لدرجة يصعب إصلاحهما، وهما  أصلا سبب المشكلة/ مثال: كان أول عمل قام به المتظاهرون  في درعا هو حرق المحكمة لإدراكهم مدى فسادها وأنها مطلقا لم تكن مكانا لحفظ وتحصيل الحقوق والعدل بين المواطنين، ولم تكن مؤسسة دولة.

على أي حال الدولة المركزية ونظام التخطيط المركزي بشكل عام، الذي كان معمولا به لم يعد مرغوبا لدى كثير من السوريين، وسيصبح استقلال أي منطقة عن نظام أسد، أو عن المركز، استقلالا عزيزا غير قابل للتفريط به لفترة من الزمن، ويبدو أن الأقاليم ستفرض نفسها، لذلك كان المفروض أن يبحث عقلاء السياسة عن ضرورة إعطاء الأولوية لها في السنوات الأولى، فالعيش المشترك هو الآخر لم يعد قائما في هذا الوقت. لذلك على كل فئة اجتماعية أن تعيد تموضعها الجغرافي حتى لا تكون على الجهة الخطأ من الخريطة، مؤقتا. بدأ فعلا كثيرون من كل الطوائف المسيحية والذين تضرروا بحكم وجودهم في دائرة الصراع، بعد انتهاء مرحلة سلمية الثورة، وعدم قدرتهم على التأثير بالأحداث لأنهم ليسوا طرفا عسكريا فيها، فمن الصعب عليهم تشكيل ميليشيات كما حدث في الحرب الأهلية اللبنانية، بدؤوا بإعادة تمركزهم في مناطق غرب حمص كوادي النصارى.

إذا من الضروري التركيز على القوى المحلية الفاعلة الموجودة سابقا، العائلات الكبرى والعشائر..إلخ، وكذلك القوى التي تشكلت حديثا بعد الثورة في كل أنحاء سوريا، للتوصل معها إلى اتفاقات ضرورية حول التطرف وحماية الفئات الاجتماعية المغايرة والسماح بمرور ضروريات الحياة.. ويجب مساعدتها على تنظيم نفسها على صعيد الصحة والشرطة وشؤون محلية أخرى.. (مفهوم الشرطة الوطنية لم يرد إلى الآن أليس هذا غريبا!؟) وعدم انتظار ما سيجري في المركز الذي لن يكون مركزا بالصورة التي كانت في الماضي، وإنما التشكل سيكون من الأطراف الى المركز في مرحلة زمنية قد تستغرق عدة سنوات. كما أن السنوات العشر الأخيرة أكدت أن محاولات بناء الديمقراطية والدولة المركزية الموحدة، كما جرى في بغداد أو كما يجري حاليا في عواصم الربيع العربي، ليبيا واليمن، وسورية مجرد هرطقة ديمقراطية ولن ينتج عنها أي شيئ جيد، في غياب العقد الاجتماعي بين الناس، أكثريات وأقليات وعشائر وقبائل ومشكلات طائفية ومشكلة الريف والمدينة، بل على العكس خلقت مزيدا من الكوارث بأنواعها!

لذلك أعتقد وطبقا للواقع أن المشكلة لم تعد سياسية تحتاج لحل سياسي فقط، فما تحتاجه سوريا بات عقدا اجتماعيا، ففي مرحلة الأشهر  الستة الأولى من الثورة /الفترة السلمية/ كانت المشكلة سياسية، تمثلت في المطالب التي رفعها الناس، لكن فيما بعد لم تعد المشكلة سياسية فقط، كما يعتقد الجمهور الواسع الذي خرج مطالبا بالتغيير! طروحات السيناتور ماكين في بداية الثورة بالإسراع بإسقاط أسد ولجم إيران، كانت حلا ممتازا، رفضته ولا تزال الإدارة الأمريكية، لأن تدخلا خارجيا حاسما كان سيوقف ماكينة أسد المنتجة للمشاكل والاختلافات يوميا، ويحافظ على إطار المطالب السياسية، ولا يحولها لاحقا لمطالب أوسع بكثير، أهمها المساعدة  بإعادة صياغة الأمّة من خلال المساعدة بصياغة القانون والدستور، لأنه أصبح  من العبث الحديث أن المشكلة تحل بحوار بين السوريين أنفسهم، فواضح تماما الحجم الكبير لفقدان الثقة ببعضهم. وإلا جرى في سوريا ما يجرى بالفعل في العراق منذ ثلاثة عشر عاما، فلا يزال العشرات يقتلون يوميا كما نشاهد في نشرات الأخبار، لأن الولايات المتحدة ترفض عملية إعادة بناء الأمم، كما جرى في ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية. أي الحل على طريقة ماك أرثر/ وهنا يكمن الفرق بين التدخل الأمريكي بعد الحرب العالمية الثانية وتدخله في منطقتنا بعد الألفية الثانية!

مرة أخرى الحل المتوفر حاليا هو التركيز على المجتمعات المحلية وأن يكون معيار الديمقراطية هو ديمقراطية ساحة القرية، وقدرة الناس على التجمع فيها أو في ساحات المدن الصغرى وطرح مطالبهم وتصويب مسار الحكام، أي ببساطة التركيز على المجتمعات المحلية (الديمقراطية في بعدها المحلي). ( فكرة ديمقراطية ساحة القرية جاءت في كتاب للكاتب الإسرائيلي ناتان شارانسكي تحت عنوان الحجة من أجل الديمقراطية)، لأن أي محاولة لإعادة الدولة المركزية الموحدة وتركيب الديمقراطية مركزيا في ظل غياب العقد الاجتماعي وفي ظل الظروف العربية الراهنة تعني عمليا تحويل الحياة الديمقراطية الى محاصصة طائفية وعشائرية ستؤدي بالضرورة إلى ضراوة أشد في الحرب الأهلية الدائرة و إلى إطالة أمدها.

هذه الحقيقة لا تحمل معنى التقسيم، ولن يوافق السوريون سواء في الداخل أو في الخارج على التقسيم، فمثلا السّنة في مناطق الساحل قبل الثورة كانوا يعادلون العلويين من حيث الكم، أما اليوم فقد ازدادت نسبتهم بسبب البحث عن ملاذات آمنة، ولن يكون من السهل فصلهم عن مناطق الداخل، وقبل هذا كله وبعده لن يقبل أي سوري في الداخل الاستغناء عن الساحل، لأسباب اقتصادية قبل الأسباب السياسية، لكنهم قد يقبلون مؤقتا بقوات فك اشتباك وحماية للطرفين حتى يتحقق القانون والدستور ويُنظر بالمظالم المتراكمة والحقوق للجميع، أما الدروز فلا مصلحة اقتصادية لهم قبل السياسية في الانفصال، وهذا ما يفسر رفضهم الشديد لدولة الدروز التي أنشأها الاحتلال الفرنسي لسورية وتمسكهم بإطار الدولة السورية الجامعة.

إن الحل على طريقة كيري، بالشعارات المعسولة التي طرحها في فيينا، كان ممكنا في الشهور الأولى للثورة لكن ليس الآن، بعد حرب طاحنة بين عدد من المكونات السورية، يؤكد السوريون بكل انتماءاتهم أن المجتمع الدولي هو الذي جرهم إليها جرا، عندما دعم بقاء أسد وهمجية الحل العسكري الذي فرضه على السوريين، أما الآن فطرح كيري هذا وحديثه يثيران السخرية! وسيكون لنا وقفة قادمة مع شعار كيري "الجميل" "علمانية الدولة السورية" كما طالب بها!

التعليقات (9)

    محمود فارس

    ·منذ 8 سنوات 5 أشهر
    هذه هي قراءة مابين السطور ، أصبت رجل يعايش الواقع بأدق تفاصيله .. أحييك

    عبدالله

    ·منذ 8 سنوات 5 أشهر
    بصراحة لا نريد دولة علمانية سواءا اقترحها كيري او معارضين الثورة في الفنادق، هذا التكالب على المسلمين في الشام وتشريدهم والاستهانة بأرواحهم واعراضهم بهذه الطريقة الوحشية التي نشاهدها،، يلمزمنا الزاما ان ننخرط في مشروع بناء دولة اسلامية تحفظ حقوق المسلمين وكرامتهم وحرياتهم.. ولا نأمن على انفسنا بغير ذلك.. وسننصف الطوائف الباقية أكثر من انصافهم لأنفهسم. وسيأخذون حجمهم الطبيعي في الدولة والوظائف والتعليم والفرص ونضع يدينا بيدهم وننسى كل آلمنا وجراحنا، لكن يتجنبون شيئين فقط قطاعات الجيش والرئاسة

    هؤلاء الذين يدعون السياسة

    ·منذ 8 سنوات 5 أشهر
    إذا حظيت بضرابة ودع فاسألها عن السياسي الامريكي أبو حنك الذي أراد أن يكون رئيسا لأمريكا لكن صناع رئيسها وجدوا فيه غير التأهيل شبه الكامل في القرار حيث يعلن صباحا وينفي ظهرا ويعرب عصرا ويشيد مساءا، رفاراوف من جانب واوباما من جانب آخر والجبير من طرف وتركيا من الآخر وأبو حنك بيوزع إبتسامات ويعيد الكرة، لكن وحقيقة أذهلنا بالعلمانية هذه، وكأن سوريا كانت في سرداب التزمت الإيديلوجي، ولم يخرج أحد من بيته لطلب حرية الحياة من العصابة القاتلة كالذي يعيش في غابات الهيرويين والكوكايين وقاتليه ..

    Abu Mussab Al Suri

    ·منذ 8 سنوات 5 أشهر
    الأسد الآب والإبن لا يمت أحدهما أو كلاهما للعلمانية بصلة العلمانية تفصل بين الدين والدولة أما النظام الطائفي في سوريا الأسد فقد كان يعتمد على الدين لتحريك الجماهير ولغسل أدمغتهم فأطلق ألسنة المشايخ المأجورين لوزارة الأوقاف لتلقين الناس على الحجاب وكيفية الوضوء والصلاة وماذا ينبغي أن تقول عندما تنام وعندما تدخل المرحاض الخ ولم يجرؤ لا شيخ ولا خوري بالحديث عن الفساد المُستشري في الكينونة السورية بعهد الأسدين الآب والإبن النظام كرّس الطائفية بتدريس الديانة وبمكبرات الصوت عالمئاذن

    اللقلوق ـ The Sycophant

    ·منذ 8 سنوات 5 أشهر
    لا نريد مشايخ أو خوارنة أو حاخامات بمعاش من الحكومة ـ وزارة الأوقاف ـ عائلات الحي تنتخب من تراه الأجدر من حيث العلوم الدينية والحرص على مصلحة الحي من حيث التوازن العقلي والعاطفي لكافة المتجاورين كما أوصى الرسول بسابع جار ـ وعلى أهل الحي المتدين القيام بجمع إلتزامات مالية لتأمين حياة كريمة لرجال الدين كي لا يتم شراءهم من قبل أي سلطة ـ وهؤلاء فيما بينهم ينتخبون مُشَرّع محلي لكل دين على حده أي كمفتي للمسلمين للبلدية فالمنطقة فالمحافظة فالإقليم فالدولة ـ ولا يحق للحكومة التدخل لمنعه من إبداء الرأي

    اللقلوق The Sycophant

    ·منذ 8 سنوات 5 أشهر
    وبآنٍ واحد لا يحق للدولة البت بأمور الدين أو بالتدخل في إفتاءآت المُشرّعين لأي دينٍ كان ـ ولكنها لا تصير مُلزمة بتطبيق أي طلب إلا بعد إستفتاء لسكان تلك المنطقة فمثلاً إن أحب أهل تلك البلدية حجاب/نقاب للنساء لا ضَيرَ في ذلك يُجرى إستفتاء عن طريق الهاتف بالإتصال برقم الإستفتاء المرقوم فإن كان القاطن بالحي موافق يكبس رقم معين يرمز للموافقة إن أراد أحدهم بناء ديسكو بالحي فقبل موافقة البلدية يلزم إستفتاء سكان الحي فإن لم يستوفي الموافقة بأكثر من 50 بالمئة فلن يتم بناءه

    اللقلوق The Sycophant

    ·منذ 8 سنوات 5 أشهر
    فإن كانت تلك البلدية تطلب من النساء الحجاب أو النقاب كل ما هنالك توضع شاخصات مهذّبة على مداخل الحي وبرسمة رمزية تطالب الداخلة إلى الحي الإلتزام بالزٍّي وإن دخلت يحق لأهالي الحي طلب شرطة البلدية لإخراجها و تدفيعها غرامة كل ما ذكرته هنا هو الفصل بين الدين والدولة شبعنا من اللقاليق رجال الدين المُمالئين للسلطة ـ نريد حرية

    قولوا دنيوية أفضل من علمانية

    ·منذ 8 سنوات 5 أشهر
    أتركوا العلمانية للأسد الذي ـ منح التصاريح المتتالية لبناء مساجد الجكارة في الأحياء المسيحية ـ جهّز كل مئذنة جامع بثمانية مكبرات صوت بحيث تتداخل الأصوات واهتم بشكل خاص بمسجد الروضة المجاور للسفارة الأمريكية فطعج مكبرات الصوت بحيث تصب كافة ذبذباتها على السفارة ـ نظّم مظاهرات الإحتجاج على الكاريكاتورات المحمدية بإشراف الأمن لاقتحام السفارة الدانيماركية ـ أطلق ألسنة مشايخ لا يمثلون أغلبية السوريين ـ تعكّز النظام على رجال الأديان ولم يترك مناسبة دينية إلا وتصوّر معهم

    البحر الأبيض المتوسط

    ·منذ 8 سنوات 5 أشهر
    الحفاظ على مؤسسات الدولة : هالجملة رائحتها كريهة تطلقها أنفاس الأنظمة العسكرية الانقلابية العربية التي لم تبني يوماً ولم تدعم ببقاءها لتبني أوطان مؤسسات وهو مايفضله الروس والأمريكان للعرب . وعلمانية الدولة والاصرار على تذكيرنا فيها بشكل مقزز : ترجمتها / التبعية بالسياسة الخارجية الدولية وعلى مؤشر ميزان حسابات الدول القوية و على قدر الرضى عن الدولة المقصودة تكون دولنا علمانية
9

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات