لكن المؤكد أيضاً، أن بوتين قيصر روسيا "العظمى"، شأنه شأن أي ديكتاتور دموي صغير تافه من العالم الثالث، لن يعترف بالصفعة. كما لن يعترف بهزيمته المتوقعة في سوريا لاحقاً، مهما تلقى من صفعات، سواء داخل الأراضي الروسية أو خارجها.
لن يتردد "بوتين" وأجهزة دعايته، بتحميل هزائمه المتوقعة، على شماعة "المؤامرة الكونية"، تماماُ كما فعل بشار الأسد. ولن يستقيل، أو يعتذر للشعب الروسي عن فشل سياساته الناجمة عن (آناه) المتورمة. حتى لو تحولت بلاده إلى دريئة، ومواطنوه إلى أشلاء.
ذهب "بوتين" إلى سوريا، بدعوى صد "الإرهاب السني المُتنقل"، بعيداً عن حدود بلاده ومواطنيه، مُتسلحاً ببركات الكنيسة الأرثوذكسية، وببروباغندا إعلامية داخلية، وبتشجيع "زعامات" عربية، لا تقل عنه "منفخة" فارغة. وعلى رأسها الجنرال السيسي، زعيم الثورة المُضادة في مصر، وأحد ألد أعداء الربيع العربي، الذي أطاحت الصفعة بما تبقى من هيبته داخلياً، ومن حضوره الباهت خارجياً. إذ بدا قبل أيام مُثيراً للشفقة، كالمتسول خلف رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، على باب 10 داوننغ ستريت. يستجدي صكوك براءة، من جرائم فشله الأمني، والاقتصادي والسياسي. عدا خذلناه للتحالف العربي في اليمن وسوريا، ولحساب إيران.
مشكلة بوتين، أنه يبدأ عسكرياً في سوريا، من حيث فشل "الإيرانيون"، وعملاؤهم في حزب الله، والميلشيا المذهبية متعددة الجنسيات. أي من اللعب على الوتر الديني. ولا فارق بين من يحمل كذباً "صليب الأرثوذكسية"، وبين من يرفع زوراً رايات "الثأر للحسين"، ولن "تُسبى زينب مرتين". استكمالاً لما بدأه "الأسد" وشبيحته وإعلامه، من تحشيد مذهبي وطائفي "للأقليات"، على أمل وأد الثورة. ليكون "إنجازه" اليتيم القاتل، تحويل سوريا إلى ساحة مواجهة بين "أصوليات مُتطرفة"، على اختلاف مُسمياتها وشعاراتها.
ليس صحيحاً، أن التنظيمات الجهادية "السنية" تحديداً. هي تحت السيطرة التامة، أو تتبع تعليمات "قياداتها" بدقة. وهذا ينطبق على تنظيم الدولة، مثلما ينطبق على "القاعدة" بدرجة أقل. ما يجعل انتشارهما أسرع، وعلى مبدأ تبني "الفكرة" وإعلان البيعة، والاعتماد على الإمكانيات الذاتية، واقتناص الفرص المواتية، لتنفيذ العمليات، باسم هذا التنظيم، أو ذاك، وتحت رايته. وهو ما يجعل من محاولات القضاء على هذه التنظيمات أكثر تعقيداً. بل غالباً ما تؤدي إلى نتائج عكسية، خصوصاً في حالة الاتحاد الروسي، الذي يحتضن بين حدوده، وفي الدول الإسلامية التابعة له ملايين المُسلمين، الذين لن يكونوا سعداء بإعلان بوتين "حربه المُقدسة" على "اخوتهم" في سوريا، والتي تُثير في دواخلهم دوافع الثأر، والرغبة بتصفية الحسابات مع بوتين نفسه، انتقاماً لسلوكه في الشيشان وداغستان، وغيرهما. ولعل الأخطر في تداعيات اسقاط الطائرة الروسية، هو فتح شهية الأفراد والتنظيمات المٌعادية للسياسات الروسية، على السعي لتنفيذ عمليات مُشابهة، دون انتظار أوامر من "قياداتها" المُفترضة.
صحيح، أن "لا مركزية" القيادة في التنظيمات الجهادية، تُحصنها ضد الاجتثاث إلى درجة كبيرة. بيد أنها تجعلها أكثر عرضة للاختراق الاستخباراتي المُموه إلى حد خطير مُثير للحيرة والجدل، من خلال التناقض في سلوكها وعملياتها، بين منطقة وأخرى.
هذا التناقض يبدو صارخاً في حالة "داعش"، وما يدور حول "قيادته"، من اتهامات مُدعمة بعشرات المؤشرات الواضحة، على العمل لصالح الأسد وإيران، واتهامه بالتورط في تنفيذ أجندة طهران، أو تبادل المصالح معها بالمنطقة، على أقل تقدير.
لا شك، أن سلوك "التنظيم" يشي بصحة تلك الاتهامات والشكوك. وفي سياقها، يندرج اسقاط "داعش" للطائرة الروسية فوق سيناء، بعد أيام من اجتماع فيينا2، وعلى خلفية الصراع بين موسكو وطهران حيال الموقف من مستقبل بشار الأسد، ودور ميليشيا حزب الله. ولحساب الملالي. رغم أن 90% من الغارات الروسية في سوريا، تجنبت مواقع تنظيم الدولة أصلاً، فيما استهدفت مقاتلي المعارضة المناوئين له. الأمر الذي يفترض ارتياح "داعش" للغارات الروسية ضمنياً، وبالتالي تجنبه احراج موسكو أو استفزازها.
ما من غرابة، في تورط مُحتمل لإيران (المُحصنة الوحيدة مع "إسرائيل" ضد تمدد داعش) بتفجير الطائرة، ولا يجوز استبعادها من جدول السيناريوهات. لأن من ثبت تورطه بتفجير مرقدي الإمامين العسكريين علي الهادي، والحسن العسكري 2006، لأسباب سياسية دنيئة، مع إصراره على الاستمرار بادعاء حمل لواء الدفاع عن الشيعة، والمراقد المقدسة زوراً ونفاقاً، لن يوفر دماء الروس لذات الأسباب.
التعليقات (6)