الجحر المستقبلي للأسد

الجحر المستقبلي للأسد
لم تتوقف التحليلات والتأويلات حول مآلات الثورة السورية، منذ اندلاعها قبل ما يقارب السنوات الخمس، فهذا كان يخوّف من صوملة، والآخر يتحدّث من عرقنة، وسواها من النبوءات. غير أن ما جرى في البلد فاق كلّ التصورات؛ الدمار الهائل الذي طال سوريا على جميع الأصعدة، والشرخ الكبير بين مكوناتها الاجتماعية، فضلاً عن الشلل الذي أصاب جميع قطاعات الحياة في البلد، سواء أكان في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام أو المناطق المحرّرة، دحض كل هذه السيناريوهات، بحيث أصبحت سوريا بحدّ ذاتها نموذجاً مختلفاً تماماً لم يشهده العالم من قبل، ولا أدل على ذلك من موجات اللجوء الهائلة، والتي أظهرت التقديرات الصادرة عن الأمم المتحدة أنها الأكبر على الإطلاق.

في ظلّ هذه المعطيات، يبدو الحديث عن مصير بشار الأسد، وربطه بمصائر غيره من الطغاة، ممن سبقوه، ولكنه تفوق عليهم بأشواط بعيدة، أمراً مستبعداً، فالدمار الاستثنائي في سوريا يقابله مصير استثنائي لطاغيتها الذي فاق نيرون، وهولاكو، وكل الطغاة عبر التاريخ.

سيرى المتتبع للتصريحات الروسية الأخيرة، حول عدم التمسك بشخص الأسد، وأن "بقاء الأسد ليس أمراً مبدئياً"، بحسب الخارجية الروسية، أنه ثمة ما يحاك في الردهات الخلفية، سيما بعد زيارته اليتيمة التي خرج خلالها من جحره الذي يختبئ فيه، وعلى متن طائرة شحن بحسب التسريبات، وأن الأسد ما هو إلا ورقة يتلاعب بها الروس،  فتارة يقطعون عنه السلاح وأخرى يمنحونه إياه، كما أنهم لم يتورعوا عن ضرب مقرات للنظام وحلفائه من الدفاع الوطني "الشبيحة"، في رسائل خفية لجميع الأطراف اللاعبة على الساحة السورية، ولربما يعزى هذا إلى أن روسيا تعتبر أنه ونظامه صبية يعملون لديها، خاصة إذا ربطنا هذا السلوك بما يشاع حول رجالات النظام السوري، وعلى رأسهم ماهر الأسد، ورامي مخلوف، من ارتباطهم بعمليات تبييض أموال للمسؤولين الروس، ما يجعل التفريط به أمراً مستبعداً، إذاً..فما هو السيناريو الذي ينتظره؟

قد يكون اختفاء الأسد واحداً من الخيارات المطروحة بقوة، أسوة بأسلافه ممن قاموا بمجزرة سربرنيتشا عام 1995، والتي جاءت استكمالاً لملامح تقسيم يوغسلافيا السابقة، على أساس إثني، إذ أن الدور الذي ضلع فيه حتى اللحظة لا يختلف عن الدور الذي قام به سلوبودان ميلوسوفيتش الزعيم الصربي، ورادوفان كاراجيتش زعيم صرب البوسنة، من عمليات إبادة جماعية استهدفت المسلمين البوسنيين على وجه التحديد، حتى سلاح الاغتصاب الذي لجأت إليه قوات الأسد هو ذاته الذي استخدم مع مسلمات البوسنة..

ومع هذا فقد مات ميلوسوفيتش في سجنه وظلت الملفات التي بحوزته طي الكتمان، دون أن تتم محاكمته، أما شريكه كاراجيتش، والذي ظل مختفياً ثلاثة عشر عاماً، ليتبين أنه يمارس عمله الأساسي كأستاذ جامعي، في إحدى جامعات رومانيا، بهوية مزوّرة، وطبعاً ما كان هذا الأمر ليحدث لولا الغطاء الروسي الكامل، الممنوح له، والذي بدا جلياً من خلال الفيتو الروسي الأخير بعد 20 عاماً على المجزرة، من أجل منع تمرير قرار إدانة بالإبادة الجماعية لمرتكبي المجزرة، هذا من ناحية، أما الناحية الأخرى فإن هذا الموضوع ما كان ليتمّ لولا أنه ثمة ملفات لدى الرجل، ليس من صالح أي من الدول العظمى الكشف عنها، خاصة بالتركيز على الزمن الذي جرت فيه المجزرة، والتي جاءت في عهد الرئيس الروسي بوريس يلتسين، الذي شهد أكبر درجة للتقارب الروسي- الأمريكي، إبان انهيار الاتحاد السوفييتي السابق.

إذا ربطنا هذا التقارب بالمستنقع الذي تورطت فيه إيران اليوم في سوريا، والورطة الكبيرة بعد توقيع الاتفاق النووي الذي يعتبر مفصلياً بالنسبة لها، وبسياسة الرئيس الأمريكي، الديمقراطي، أوباما، التلميذ النجيب لبل كلينتون "الديمقراطي"- وهو الأمر الذي لم يخفه أوباما منذ البداية- نجد أن الاثنين يعتمدان أسلوب "القوة الناعمة" في الملفات الكبرى، ويتبين أنه ثمة تقارب روسي-أمريكي، لتقليم أظافر إيران، وهو ما يبدو جلياً من الخسائر الفادحة التي منيت بها إيران في سوريا مؤخراً، والتي أسفرت عن مقتل 38 من جنرالاتها منذ بدء التدخل الروسي، ليبدو واضحاً جلياً أنه توجد ملفات في حوزة بشار الأسد، تقتضي بقاءه حياً، وفي منأى عن عيون خصومه، وبعيداً عن شاشات الإعلام.

ولأن إيران قد حجّمته حين اعتبرت سوريا إحدى محافظاتها، وجعلت منه محافظاً لا أكثر، وروسيا باتت هي المتحكم الفعلي بالعمليات العسكرية على الأرض، فقد أصبحت مهمة إخفائه  أكثر سهولة، بحيث أن وجوده وعدمه سيان، وأنه لم يعد له أي ثقل في العملية السياسية، في ظل حديث روسيا عن الحل السياسي، ومؤتمر فيينا الأخير الذي غاب عنه السوريون، أما البدائل فهم كثر، فلا أكثر من المسؤولين السوريين الذين تحتفظ لهم روسيا بملفات فساد!

تبقى المعضلة الأكبر التي تنتظر روسيا، هي "ما هو العمل الذي سيقوم به بشار الأسد في جحره المستقبلي؟"، فكاراجيتش عاد إلى عمله السابق كأستاذ جامعي، ولكن "طبيب العيون" السوري، لا يعرف من الطب أكثر من اسمه، فهو سليل عائلة فاسدة بالوراثة، ويشكّ في دراسته للطب أصلاً، لذلك ما من مكان يناسبه أكثر من مشفى الأمراض العقلية، الذي قيل انه خرج منه من لندن، ليعود إلى سوريا رئيساً للجمهورية!

التعليقات (5)

    دياب

    ·منذ 8 سنوات 6 أشهر
    الطاغيه بدمشق لا يحظى بدعم روسي فقط انما دولي وعربي

    روسيا وإيران سيتنافسان للخلاص من ملك الحيوانات

    ·منذ 8 سنوات 6 أشهر
    أتمنى أن يقبع في قُمْ ليبصم أقوال الخميني ولا أحلى من هيك كما اُجبر الشعب السوري على بصم أقوال الأب القائد في مادة القومية

    سامي الصوفي - واشنطن

    ·منذ 8 سنوات 6 أشهر
    قال لي ديپلوماسي كندي عمل في بيروت و دمشق أن سنرى الأسد يهرب مثل القذافي من المجرور!

    أبو أحمد

    ·منذ 8 سنوات 6 أشهر
    المكان الطبيعي لهذا المجرم وعصابته هو ساحة المرجة حيث يعلقون هناك حتى تفنى جثثهم

    Alach

    ·منذ 8 سنوات 6 أشهر
    Inaha ahadith rasol alah tatahaqaq ma min âajib lada almoslimin
5

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات