"آية الله" نتانياهو يغازل حلف الأقليات...

"آية الله" نتانياهو يغازل حلف الأقليات...
 لا يخلو الشرق الأوسط يومياً من مفاجأة بحجم كارثة. المفاجأة هذه المرة ليست من دولة أو زعيم دولة ديكتاتورية أو ميليشياوي متطرف، بل من رئيس وزراء إسرائيل "الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط" بنيامين نتانياهو، حين قال في المؤتمر الصهيوني العالمي في القدس: "إن هتلر كان يريد طرد اليهود من أوروبا فقط، لكن مفتي القدس آنذاك الحاج أمين الحسيني قال له إن اليهود ينبغي أن يزالوا من الوجود وإلا فإنهم سينتقلون إلى فلسطين، وطالبه بحرقهم"!

لم تؤكد أي وثيقة تاريخية كلام نتانياهو، كما رفض الناطق باسم الحكومة الألمانية تصريحات نتانياهو، قائلاً: "إنَّ ألمانيا تتحمل مسؤولية المحرقة والألمان يعرفون تاريخ القتل الإجرامي العرقي الذي قام به النازيون والمحارق النازية، وهذا التاريخ يدرّس في المدارس الألمانية ولن يتم نسيانه، وليس هناك مبرر لتغيير رؤيتنا للتاريخ بأي شكل من الأشكال، نعرف أن مسؤولية هذه الجريمة ضد الإنسانية مسؤولية ألمانية، إنها مسؤوليتنا نحن". هذا التصريح يؤكد أن الدولة الألمانية تحكم أمّة عقلانية، لأن الأمم العاقلة تعترف بأخطائها وتدرّسها في مدراسها لتكون عبرة وقدوة لأجيالها ولا تتعلق بتاريخ تبتدعه، تغسله، تنصعه، وتزيل منه النقاط السوداء وتؤله شخصياته، كما تفعل أمّة الاسلام وأمّة العرب وإيران والكرد، لتحافظ على تخلفها وانقطاعها عن المستقبل وتتفرغ فقط لاجترار تاريخ تظنه عظيماً !

لفت انتباهي تعليق يضج بالألم لأحدهم، قال: "لم يبقَ إلا الهنود الحمر ليحمّلوا السُنة العرب مظلوميتهم التاريخية ويتهمونا بإبادتهم"!؟ 

كلمات عدة كافية لتعبر عن حالة السُنة العرب هذه الأيام في المنطقة الذين يُطحنون تحت سندان التعصب الديني ومطرقة المتحالفين الذين رفعوا فجأة مظلوميات دينية تاريخية بوجه السُنة العرب، بقيادة حكم الملالي الإيراني الذي يشن حربا "مقدسة" ضدهم ويدمر بلدانهم، العراق وسوريا واليمن، ويعبث في بلدان أخرى، لبنان والسعودية والبحرين والكويت، بالتحالف مع أقليات المنطقة من العلويين والشيعة الأكراد وبعض المسيحيين. وقبل شهر، أيضاً، بارك بطرك الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية الروسية "الحرب المقدسة" في سوريا!؟

المحرقتان مدخل لليهود والعرب السنة

 يبدو أن النخب السورية لم تفهم طبيعة تشكل المجتمع والدولة الإسرائيلية طيلة سبعين عاماً، فكان السؤال المعضلة لديهم: كيف ليهودي ليبرالي أو علماني أو اشتراكي أو ملحد أن يقبل في عقله "وعد الرّب بأرض مقدسة"، وما القاسم المشترك بينهم وبين المتدين  اليهودي المتشدد؟ أعتقد أن السُنة في سوريا وهم الغالبية (الإحصاءات الحقيقية تؤكد أنهم أكثر من 80 في المئة بينهم 65 في المئة عرب سنة) فهموا أن القتل على الهوية والمجازر والاضطهاد أفعال وحدت اليهود في مجتمع واحد، مما منحهم هوية وطنية، وليس فقط وعد الرب! وهذا بالضبط مايحدث مع السُنة في سوريا، فصور الجثث المعذبة حتى الموت والمرقمة التي خرجت من معتقلات الحكم العلوي لنساء وأطفال وشيوخ، تفوق بفظاعتها صور اليهود في معتقلات النازية، كذلك معاناة الترانسفير السني الحالي الهاربين من جحيم الموت بالبراميل في سوريا الى أوروبا الغربية، وذل وقهر المعتقلات الجماعية في بلدان العبور، دول أوروبا الشرقية، وملاحقتهم بالعصي والكلاب ودمغهم بأرقام تُبنى عليها ملفات شخصية لهم، بنى ذلك الفهم اليوم.

إذاً لقد "تكرم" أعداؤهم بصقل هويتهم بالحديد والنار، وإلا ما هو الجامع بين المفكر صادق جلال العظم والشيخ عدنان العرعور وأنا شخصياً ! 

العظم المفكر اليساري كتب: "الهوية السنية الآن لم تعد ترتبط بالتديُّن. استغرب ضبط النفس الذي يبديه السنة في سوريا". (مجلة دمشق شهر أيار/ مايو 2013). والعرعور لطالما خاطب السوريين بصفتهم الدينية السنية. وأنا ألحيت على حقيقة: "أننا نُقتل بدون تمييز لأننا سُنة عرب"، إذاً بالرغم من اختلاف منهج الخطاب بيننا نحن الثلاثة، لكننا نتشابه في الرؤية الواحدة للألم والعدو والحل.

أُدرك أن اسرائيل ليست كتلة صماء، وفيها تعدد آراء ومواقف، كما أُدرك أن جهات عدة لا تؤيد نتانياهو الذي يمثل أقلية إسرائيلية ترغب بالانضمام إلى "حلف الأقليات" ضد السُنة العرب، مقابل أكثرية إسرائيلية لا ترغب بالتورط مطلقاً، ظناً منها أنها بذلك تبتعد عن حريق المنطقة، وكأن الأحداث تجري في مجرة أخرى وليس حولها من كل جانب!.

ابن غوريون أحد الآباء المؤسسين لإسرائيل، ربط في مذكراته مصير الدولة العبرية بالتحالف مع أقليات المنطقة. وطبق حكام إسرائيل فعلياً رؤيته تلك، عندما اعتمدوا على الدروز "لواء جولاني" الشهير بقمعه بعنف للانتفاضات الفلسطينية المتعاقبة، كما يضم الجيش الإسرائيلي ضباطا برتب عالية من الشركس. في حين يُستثنى منه السنة العرب. 

تل أبيب أيضا دعمت وصول حكم الحاقدين من العلويين إلى سوريا، والذي بدوره نفذ سياسة ممنهجة  بتدمير سوريا وشعبها، كما حاولت تل أبيب إقامة تحالف مع بعض الموارنة في لبنان، كان من نتائجه تحجيم الدور التاريخي الماروني البالغ الأثر في الثقافة العربية الحديثة، ويكاد أن يهدد وجودهم في المنطقة.  وكذلك أسست تل أبيب "جيش لبنان الجنوبي" الذي يعتقد الكثيرون أنه جيش ماروني، لكنه في الحقيقة جيش يرأسه عدد قليل من  الضباط المارونيين، فيما ضباطه وقاعدته وجلّه الأعظم من أبناء شيعة جنوب لبنان، الذين يقاتلون اليوم في سوريا.

لعل أفضل نصيحة للإسرائيلين هو ما قاله اللواء "علي حيدر"، قائد "الوحدات الخاصة" في جيش العلويين في سوريا في تسعينيات القرن الماضي، أثناء اجتماعه مع عدة مئات من الضباط العلويين، معترضاً على محادثات السلام بين حافظ الأسد والحكومة الإسرائيلية آنذاك: "إن العلويين لا يستطيعون تحمل الكلفة التاريخية لإقامة علاقات مع إسرائيل، قد يحكم العلويون دمشق عشرين أو ثلاثين عاماً أخرى، ثم تعود لحكم أهلها الأصليين، الذين لن ينسوا لألف عام أن العلويين رفعوا علم إسرائيل في دمشق، وستكون مبرراً لحقدهم علينا لألف عام قادمة". (تسرب حديث حيدر بشريط مسجل سمعه كثير من السوريين). 

حتى حافظ الأسد تبين لاحقا أنه يخاف من السلام مع إسرائيل وأن محادثاته معهم هدفها تقطيع الوقت. إذاً ببساطة لا تستطيع الأقليات تحمل كلفة السلام مع إسرائيل، وإن كانت ترغب في توريطها بالحرب الدينية الدائرة في المنطقة. لذلك فإن من يبحث عن السلام الحقيقي بين الإسرائيلين والعرب عليه أن يبحثه مع السُنة، فهم "السكان الأصليون للمنطقة "، وعبر حكمهم لدمشق تحديداً بلا دكتاتور، لأن دمشق قلب وموّجه الصراع العربي - الإسرائيلي الكارثي على الشرق الأوسط عموماً، والسُّنة العرب خصوصا، فبدلاً أن يرمي الخطاب الثورجي لعبد الناصر وبعث أسد الإسرائيليين في البحر، هاهم السُنة العرب يرمون أنفسهم في البحار بحثاً عن الأمان من توحش حلف الأقليات هذا.

إذاً، على قوى النفوذ وصناع السياسة الإسرائيلية العقلاء (رفض بعضهم  فعلاً طلب بعض الجهات الدرزية في الجولان والداخل السوري التسلح والتمويل والحماية للتحرش بجيرانهم)، على هؤلاء تجميع أنفسهم وقواهم والمبادرة بإرادة قوية، مع جيرانهم لصنع سلام حقيقي يرخي ظلالاً من الأمن على جميع سكان المنطقة. نتانياهو يغرد خارج حقائق التاريخ. إذ كيف يجن جيرانه ولا يدخل رأسه ويخترع جنونه الخاص؟! الجنون الأول عندما يسمح للمدنيين اليهود باستعمال السلاح في الشوارع، ضرب الشوارع المدنية ببعضها بدل تدخل الدولة العاقلة بأنظمتها وقوانينها حتى ولو كانت دولة احتلال تحتل أراضي الغير، ولكن تبقى أفضل من أفراد متطرفين مسلحين. الثاني، عندما قدم نفسه "آية الله" نتانياهو! فلا يعقل لمجنون أن يصدق مظلومية نتانياهو بأن مفتياً مسكيناً، كالحسيني، في منطقة بائسة كفلسطين في ثلاثينيات القرن الماضي، سيّر هتلر زعيم امبراطورية عظمى لا شعبها ولا قيادتها تدين بدين شيخ الجامع هذا بالأصل.

نتانياهو يقرع طبول حرب، المجتمع الإسرائيلي غير قادر على تحمل تكلفتها، لأنها هذه المرة ستكون حرباً مع شعوب المنطقة وليس مع جيوش خائبة تتبع أنظمة خائنة. والسنة بلادهم بعضها تُدمر والبعض الآخر في طريقه إلى الدمار، ربما لن يخسروا كثيرا من حرب نتانياهو المضافة للحروب الأخرى عليهم، إن حدثت. لكنهم بالتأكيد يرغبون بسلام حقيقي يعيد الأمان للمنطقة، بدلاً من التسرع في صب الزيت على الحرائق الملتهبة بالمنطقة التي ستتحول إلى حريق هائل يحرق الشرق الأوسط كله ويخرج سكانه جميعا من ثيابهم كمشهد يوم القيامة.

التعليقات (4)

    ماجد الخالدي

    ·منذ 8 سنوات 5 أشهر
    هل من قناة تكشف التعاون الروسي الأمريكي الإسرائيلي في لعبة الديموغارفيا بمخطط حقيقي عرابه الكيان الصهيوني فعلا وليس مجازا، وذلك لبعث الشعوب التاريخية كالسريان والأشوريين وغيرهم باللعب على عواطفهم بخداعهم، من أجل صناعة خرائط جديدة لهوية جديدة يتم بعثها عنوة بالدم والنار من غبار التاريخ بغية تحقق إسرائيل من محو الهوية العربية الجامعة للمنطقة!.. لهذا إصرارهم على قتل العرب السنة فالعرب هم مادة الإسلام ووعائه فمن يكشف هذا المخطط للأمة أجمع عربا وتركا وعجما..!!؟؟.. وصلي اللهم على محمد وعلى آله وسلم...

    الحقيقة

    ·منذ 8 سنوات 5 أشهر
    نحن السنة العرب اضعنا هويتنا بين القطرية والوطنية و العلمانية وتصرفنا كاقلية تريد ان تنسجم مع اكثرية وظننا اننا اضعنا هويتنا بنهيار الخلافة في اسطنبول مع اناهويتنا افضل هوية على وجه الارض فطرة الله التى فطر الله الناس عليها بينما هويات غيرنا اتت من انحرافات وتحريف في الفطرة واغلب زعماء الاقليات تغشى ان ترجع الاقليات الى الفطرة اذا ساد اهل السنة فتخسر زعماتها حالها حال ابي جهل لحبه للرائسة وابي لهب لحبه للمال

    الحكايات المختبئة

    ·منذ 8 سنوات 5 أشهر
    طلب حافظ الاسد من عبد الحليم خدام مرافقته الى جنيف اثناء لقاء كلينتون الشهير، لكن اعتذر خدام لأسباب صحية ( واقعة حقيقية )، وبعد عودة حافظ من الاجتماع استقبله خدام وسأله هل وقعت على اتفاقية السلام ؟ .. فأجابه إذا انت رفضت القدوم فكيف تريدني أن أوقع. وعندما تسلم ابنه طلب في اول اجتماع قيادة قطرية للحزب نقل العاصمة دمشق الى حمص : فقالوا له معاوية بن ابي سفيان لم يتجرأ على مثل هذا ....

    الحكايات المختبئة

    ·منذ 8 سنوات 5 أشهر
    كان حافظ الاسد يلتقي موسى الصدر والاسرائيليين في البقاع .... وكأن التأسيس قائم على مشروع اليوم
4

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات