ما الذي يدفع شركة "هواوي" الصينية للاستثمار في سوريا؟

ما الذي يدفع شركة "هواوي" الصينية للاستثمار في سوريا؟
يناقش "شين هاريس" في مقاله بصحيفة "ديلي بيست" بعنوان "الصين تنظر إلى سوريا فلا ترى فيها سوى الدولارات" الأسباب التي دفعت شركة "هواوي" الصينية للاستثمار في سوريا لا سيما أن مذكرة التفاهم الموقعة بين الشركة والنظام تتضمن عقوداً تمتد إلى 2020، وبكل الأحوال لا يمكن أن تقوم شركة ضخمة كهواوي بهكذا خطوة بدون علم الحكومة الصينية.

تخشى معظم الشركات من مجرد فكرة عقد صفقات مع "دمشق"، لكن هذه الخشية تختفي عند الشركة الصينية "هواوي" والتي تعرف بأنها عملاق الاتصالات الصينية.

وفي حين تراهن "روسيا" على مستقبلها "الجيو-سياسي" في الشرق الأوسط عبر تدخلها العسكري في سوريا لدعم نظام الأسد، تراهن الشركة الصينية على أن البلد سيكون مكاناً مناسباً للاستثمار مع نهاية الحرب!

وقعت مع إيران من قبل

قامت "هواوي"، واحدة من أغنى الشركات في الصين وأكبر منتج لمعدات الإتصالات السلكية واللاسلكية في العالم، بتوقيع اتفاق مع النظام السوري لتصميم "استراتيجية وطنية لتكنولوجيا المعلومات والإتصالات"، بما في ذلك بناء شبكة واسعة النطاق لخدمة الإنترنت، وفق ما أعلنته الشركة هذا الشهر.

  ليست هذه هي المرة الأولى التي تتعامل فيها "هواوي" مع أنظمة الشرق الأوسط الاستبدادية. في عام 2011، وقعت الشركة عقداً لتركيب معدات لأكبر شركة للهاتف المحمول في "إيران" كجزء من نظام لتتبع مواقع الناس عبر إشارات الهاتف المحمول الخاصة بهم. 

ويشكك مسؤولون، في المخابرات الأمريكية، منذ فترة طويلة أن الشركة تعطي الحكومة الصينية واستخباراتها، القدرة للوصول إلى المعدات التي قامت بتركيبها، لتكون بذلك ذراع فعال لجهاز المراقبة الصيني.

ما الذي يدفع هواوي

إن صفقة سوريا ستكون على مرحلتين، على المدى القريب والبعيد، وستستمر حتى عام 2020، وسستكفل من خلالها الشركة عمليات إصلاح للبنى التحتية للمعلومات والتكنولوجيا التي تضررت عبر سنين الحرب، و تقدم النصح التقني للحكومة حول ذلك. 

لكن ما الذي يدفع شركة  ضخمة كهذه ولها علاقتها الوطيدة وروابطها مع الحكومة الصينية، للمخاطرة والإستثمار في بلد فيه حرب ومستقبل غير مضمون لنظامه الحالي، ومن يصدق أن هناك حكومة ونظام ما زالت قادرة على عقد الاتفاقات.!

يعتبر الشرق الأوسط و أفريقيا الشمالية من الأسواق الأساسية التي تستهدفها شركة"هواوي"، التي لها تاريخ حافل في المعدات التقنية، و الأجهزة الذكية.

كما تحدث السيد "ويليام بلمر" نائب رئيس شركة "هواوي"، مع صحيفة "ديلي بيست"، بأن "الشركة لها تاريخ مسجل من بناء البنى التحتية المعلوماتية في الدول المتقدمة و الناشئة على حد سواء، حيث أنها تخدم ما لا يقل عن ثلث دول العالم". 

ألا يثير الوضع في سوريا مخاوف هذه الشركة؟

قالت المحللة و الباحثة "أيمي كامرون" لصحيفة "ديلي بيست" بأن لدى شركة "هواوي" شركاء حكوميين من أفريقيا والشرق الأوسط، إذ كسبت الشركة مؤخراً ما يقارب 306 مليون دولار في عقد لسنوات متعددة، في "غانا".

كما أشارت بأن الشركة لديها إستراتيجية بالتعاقد مع دول تكون فيها  الخطوط والحوامل اللاسيلكية ملك للحكومة، فهي تقدم الخدمات الفنية و الدعم التقني، إلى أن توقع معها عقد لبناء الشبكة كلها. 

و لديها عقود ضخمة مع دول الشرق الأوسط لبناء شبكات الألياف الضوئية اللاسلكية LTE والأرضية، وأضافت كامرون "الشركة تمتلك خبرات كافية للعمل في بيئات صعبة، كتلك التي تعاني من مشاكل داخلية. والشركة لا تملك فكرة فيما إذا كانت سوريا ستبقى على حالها على المدى البعيد، و لكن ليس لدى الشركة مانع من التعامل مع أيٍ كان هنالك في الوقت الحالي". 

عيونهم على سوريا ما بعد الحرب

إحتفلت الشركة في شهر أكتوبر 2015، في دبي، بمناسبة مرور 15 عاماً على تواجدها في الشرق الأوسط، و حضر الإحتفال مسؤولون حكوميون وكبار رجال الأعمال، بما فيهم ممثلو كبرى شركات الاتصالات ووزراء الاتصالات في العديد من البلدان الشرق أوسطية. الكل كان يعاين منتجات هواوي المتنوعة كما قامت المطربة اللبنانية الشهيرة و التي تعد سفيرة للعلامة التجارية للشركة، "نانسي عجرم" بغناء أفضل أغانيها.

هؤلاء الضيوف يمثلون شركات ودول لها عقود مع الشركة مسبقاً، ومنهم من جدد عقودهم لسنوات عدة قادمة. كما إنهم يطمحون ليكون لهم دور في السوق السورية بعد إنتهاء الحرب هناك. 

و يقول السيد "سكوت كيندي" نائب مدير رئيس "فريمان" في الدراسات الصينية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية "يبدو هذا انتهازياً للغاية. لا شك أن الخطر العضوي والتجاري أخاف العديد من المنافسين".

رامي مخلوف

لدى الشركة موطئ قدم مسبقاً في سوريا، وذلك من خلال شركة "ورلد تش" للإتصالات، التي تأسست في حمص في العام 1994. و التي عقدت العديد من الصفقات التي إنتهت مع بداية 2007، قبل أن تبدأ الحرب الأهلية في سوريا. 

و من ناحية أخرى أشار السيد "دوج مادوري"،مدير تحليل شبكة الإنترنت في "داين" شركة أبحاث الأميركية، بأن هواوي "تريد هذه العلاقة مع سوريا، لأنها تمتلك بالأساس معدات كانت قد أنزلتها في المنطقة قبل أن تبدأ الحرب، ولا شك بأن الشعب السوري بحاجة ماسة لإتصالات الحديثة، فعلى الرغم من كل شيئ تستمر الحياة في سوريا. و العمل بحاجة للبنى التحتية للإتصالات و المشغلات". 

و لكن هذه التقانة بحد ذاتها هي التي قام الأسد باستخدامها ضد شعبه، ليتعقبه و يتنصت عليه. فمن ناحية أخرى يوجد "رامي مخلوف" إبن خالة الرئيس، الذي يمتلك واحدة من شركتيّ إتصالات في سوريا، "سيريا تل"، وهي الطريقة التي أصبح فيها رامي مخلوف بغاية الثراء، وقام ببناء "جيش إلكتروني" لتعقب الناس والمساعدة على الإمساك بهم أو قتلهم. 

وعلى الأرجح ستقوم شركة "هواوي" بالتعاون معه، كونه لا أحد يمكنه العمل في سوريا دون أن يكون شريك له.

بحسب طلب الزبون

حين سُئل "بلامر" في حال إذا كانت "هواوي" تساعد النظام في عملية التعقب و التنصت، فقال "إن هواوي تتوافق بشكل عام مع جميع الأنظمة والقواعد المتواجدة في البلاد التي تتعامل معها."

يوجد هناك مخاوف من قبل مسؤولو المخابرات الأمريكية، بأن "هواوي" تقدم معلومات إستخبارتية، وتقوم بالتعاون مع الحكومة الصينية وإستخبارتها. وتشير لجنة الكونغرس الأمريكية، بأنه على الدولة أن "تتعامل بحذر" مع نوايا هواوي في إختراق سوق الإتصالات الأمريكي.

لكن "هواوي" تنكر وجود أي صلة لها مع الحكومة، وتدعي بأنها شركة حرة، مستقلة تعمل بمنعزل عن أي تدخل حكومي، و إن علاقتها بسوريا هي علاقة عامة و تجارية بحتة. 

كما يشير السيد "كريستفور هارمر" محلل عسكري، "الصفقة رسالة مفيدة لنظام الأسد، إذ تمنح حكمه المزيد من الاحترام. تظهر الصفقة أن الحكومة الصينية والشركات الصينية ترى في نظام الأسد الحاكمَ الشرعي لسوريا، وأن البلد مكانٌ جيدٌ للاستثمار".

و تعقيباً على ذلك يقول "كريستفور" بأن الشركة قد تنتظر لتهدأ الأوضاع في المنطقة، لترسل عمالها و موظفيها. و لكن على أي حال من الأحوال وإن لم ترسل موظفيها إلى سوريا، فإنها بمجرد عقدها الصفقة مع سوريا، تبعد أي إحتمال لتواجد منافسين لها على الأرض.

محور ثلاثي

  

و يشير هارمر إلى أن الصين تبذل "كل ما في وسعها لطرد أمريكا من منطقة المحيط الهادئ. لا يستطيعون فعل ذلك عسكرياً، على الأقل حتى الآن، لكنهم يحاولون ما في وسعهم لإبعادنا عن المحيط الهادئ.

الشرق الأوسط بعيد عن المنطقة التي نتحدث عنها، لكن إدارة أوباما لم تتدخل لإيقاف التدخل الروسي حتى الآن، وعليه المنافسين الآخرين- مثل الصين وصناعتها- لديهم الفرصة لفرض حضورها.

قامت كل من الصين و روسيا بدعم نظام الأسد للبقاء في السلطة. و سيكون من دواعي سرور الصين أن يبقى النظام على حاله، لتحرج الولايات المتحدة الأمريكية، كما قال "هارمر". و أشار إلى أن "بكين" قد إلتزمت مع النظام الإيراني، و التي ستكون عوناً لها في علاقتها مع سوريا. 

و هنا تتجلى الصورة الأوضح حول المحور الثلاثي "روسيا، الصين، إيران"، في سوريا و الشرق الأوسط. من ناحية روسيا ومطامحها العسكرية و الجيو – سياسية، أما الصين فتضمن أن سوريا بيئة آمنة لشركاتها وأعمالها، وإستثماراتها. وفي نهاية الأمر إن صفقة "هواوي" تعد بمثابة إشارة على وجود قوى كبرى في الصين ملتزمة فقط بهذا. 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات