لم يخرج اللقاء الرباعي في فيينا بجديد على الإطلاق، إلا أن روسيا فهمت اللعبة تماماً، وحذّرت قبل هذا اللقاء من حصول الجيش الحر على مضادات طيران في سوريا، لأنه سيكون بمثابة القشة السورية التي تكسر ظهر البعير الروسي، خاصة وأنه على الرغم من مئات الطلعات الجوية الروسية للإسناد، خسر جيش النظام السوري ما لا يقل عن خمسين آلية عسكرية، بين دبابة، وناقلة جند، خلال أربعة أيام، على جبهتي ريف حماه الشمالي، وريف اللاذقية، عندها فهم الروس أن عليهم قطع الطريق على الجيش الحر، من خلال تسوية، تكون بمثابة طوق النجاة لقوات النظام، وإنهاء قوات المعارضة المعتدلة، عن طريق بنود تكبّل من يريد أن ينهي النظام، والشماعة جاهزة على الدوام: قتال تنظيم الدولة الذي يسيطر على مساحات واسعة في سوريا والعراق..
تنكّرت روسيا، التي كانت أحد أطراف المداولات الخاصة باتفاق البنود الستة في 30حزيران 2012 في جنيف، أو ما سميّ فيما بعد بجنيف1، لهذا الاتفاق، عبر الخوض في فكرة ترتيب بنوده، وهو ما كان يعمل عليه النظام، متذرّعاً برفض تشكيل الهيئة الانتقالية، قبل محاربة الإرهاب، وكانت روسيا داعمة لهذا التكتيك الخبيث، وهو ما قالته إيران قبل أشهر قليلة، ومفاده أنها ضد الهيئة الانتقالية، وأنّها تؤيد تشكيل حكومة وطنية، بصلاحيات واسعة. وعلى اعتبار أن وزير خارجية السعودية "عادل الجبير" قالها صراحة إن على الأسد الرحيل، إما بالحل السياسي، أو الحلول العسكرية، وأكّد على هذه الفكرة في عدة مؤتمرات صحفية، إلا أنه في آخرها شدّد على رحيل الأسد، ولو بالقوة العسكرية، وجاء الموقف القطري الذي أكّد التدخل العسكري إلى جانب تركيا والسعودية، إن اقتضت الحاجة، ما أوصل رسالة قوية لروسيا، بأن تدخّلها غير مرغوب فيه، وأن الجيش الحر المدعوم من هذه الدول سوف ينهي المعادلة لصالحه، خاصة وأن بوتين قد أكّد بشكل صريح على أن التدخل الروسي في سوريا، جاء من أجل تحسين شروط الحل السياسي، أي انتصار قوات الأسد في الميدان، الذي يجب أن يفرض شروطه على معارضيه!
أصبح لدى موسكو يقين تام أن المواجهة العسكرية لا يمكن أن تحسم لصالح الأسد، خاصة وأن التدخل الروسي هو تدخّل جوي بدون قوات برية، بحسب المعلن، ولفترة محدّدة من الزمن، أي غير مفتوحة الأفق، على الرغم من زرع قاعدة جوية في مطار "حميميم" (مطار مدني)، الذي تحول إلى قاعدة جوية روسية بخط ساخن مع تل أبيب، وبعد يوم واحد من لقاء فيينا الذي ظهر وكأنه برتوكول دبلوماسي بدون نتائج، طرحت موسكو تسوية من تسعة بنود، بحسب عدة وسائل إعلامية، كان أولها تحديد بنك أهداف لضربها في سوريا، وضمّ كل الفصائل التي لا تستجيب للحل السياسي على قائمة بنك الأهداف، الذي سيتفق عليه، وبذلك يتم قطع أي إمداد لهؤلاء الذين سيرفضون الحل السياسي بالطريقة الروسية، معتمدة على أن واشنطن أيضاً مستاءة منهم، لأنهم رفضوا قتال داعش، دون قتال الأسد وبالتالي تضمن موسكو الموافقة الأمريكية على المقترح الذي ستفرضه كل من موسكو وواشنطن على حلفائهما، وإنهاء الجيش الحر الذي كسر هيبة روسيا، وعطّل أي تقدّم لقوات الأسد، بالغطاء الجوي الروسي!
أما المقايضة الكبرى، التي تلعب عليها روسيا، في تسويتها ذات البنود التسعة، فهي مقايضة على عدم ملاحقة بشار الأسد قضائياً، في مقابل إطلاق سراح كافة المعتقلين، وإصدار عفو عام، على اعتبار أنه الرئيس الشرعي، مع إجراء انتخابات برلمانية، التي ستجري روتينياً في منتصف العام 2016،.
تفضّل روسيا بقاء الأسد منزوع الصلاحيات لنهاية ولايته في 2021، مع بقاء قاعدة عسكرية روسية بقرار من مجلس الأمن، والأهم من هذه البنود كلها هو تعهد بوتين شخصياً بعدم ترشح الأسد للرئاسة، وهذا لا يعني ألا يترشح أحد أقاربه (رامي مخلوف) مثلا دون ذكر الأسماء، أو شخصية من طائفة الأسد، لأن السنة ممنوعون من حكم سوريا، بحسب تصريح لافروف منذ عام 2012
لا يهمّنا كثيرا أمر كيفية ذهاب بشار الأسد إلى موسكو وعودته، وطريقة الاستقبال، المهم في الموضوع أن بشار الأسد ذهب إلى موسكو، ليعرف تماماً مصيره القادم ،ضمن التسوية التي تعمل عليها روسيا، ولعل مستشار الأمن القومي الذي يعارض التورط في الوحل السوري، يعرف تماماً أن عليه أن ينصح رئيسه بمفاوضة الجيش الحر، والدخول معه في تسوية ضمن مشروع قتال داعش، في محاولة لإنهاء هذه المواجهة المباشرة، التي بدأت تدفع روسيا لتستذكر أيامها في أفغانستان، خاصة وأن الأفغان آنذاك لم يتلقوا دعماً مثل المعارضة السورية المسلحة...
في الواقع، لن تتم الموافقة على البنود التسعة الروسية ، إلا أنه هناك عدة بنود سوف يتم التفاوض عليها بشكل جدّي، أولها ضرب الفصائل التي لا توافق على الحل السياسي، وأهمها تثبت القاعدة العسكرية الروسية بقرار أممي، وعندها يكون دور بشار الأسد قد انتهى في تثبيت الاحتلال، وربما تكون نهايته مشابهة لنهاية الرئيس الأفغاني، الموالي للروس،أثناء الاحتلال السوفييتي السابق"حفظ الله أمين"!
التعليقات (0)