المثقف العربي والقضية الكوردية في سوريا

المثقف العربي والقضية الكوردية في سوريا
شهدت البشرية ومنذ نشأة الصراع الدائم ( هابيل وقابيل مثالاً) أنه كان صراع على المال، أو السلطة، أو صراع له علاقة بالقوة الجسدية أو إشباع الغريزة، أو حروب على الأفكار والمعتقدات. إلا أن القضية والنزاع الكوردي لم يكن ذي علاقة بأي نوع من أنواع النزاع هذه، كانت على الدوام وكما وصف مكيافللي هكذا أنواع من العلاقات: المحدد النوعي لشكل الاجتماع والسياسة والحكم الذي يستند على القوة والغلبة والخداع. 

ولو قمنا بدراسة العناصر التي أوجدت العلاقة المتوترة بين القضية الكوردية والمثقف العربي، سنجد أن عدداً كبيراً من المثقفين العرب لم يتنازل يوماً للبحث والتقصي عن الأسباب الدفينة غير التي تحججت بها الأنظمة المتعاقبة على حكم سورية، والتي دفعت بالكورد إلى الحزر من الشريك، علماً أن من أبسط واجبات المثقف هي معرفة أحوال كل من يقع في محيط معرفته، وكل من يكون على خط التماس مع قضايا أمته، ومصيرها، ومستقبلها. لجأ المثقف العربي إلى ترويض الشارع الكوردي عبر مساهمته في إلصاق تهم الإنفصال والتآمر على المستقبل العربي، ولم يخطر ببال أحدهم تقديم أية رؤية مستقبلية لحل القضية الكوردية التي دأب المثقف العربي على تسميتها بالمشكلة، في محاولة لفك ارتباط بين الأرض والمستقبل كوردياً. 

والأمثلة شاهدة للعيان فحين كان الكورد منتسبون وبكثرة للشيوعية كان هاجس الخوف مسيطراً على الكوردي في طرح القضية الكوردية وكان العربي الشيوعي يبادر إلى نهره قائلاً ( اليوم هناك قضايا دولية وعالمية أهم ممن القضية الكوردية) وحتى في التيارات الدينية لم يستطع الكوردي أن يتنفس عبق قوميته، فعلى الدوام كان المتنفذون في التيارات الدينية ينهون الكورد عن الخوض في مصير قضيتهم لطالما بقيت قضية فلسطين أو غيرها على هذه الشاكلة.

إن الإصرار على عدم الاهتمام بالمجهود الكوردي بشقيه السياسي والثقافي/الفكري، وغض النظر عن القيم العالية للفكر السياسي الكوردي تجاه العمق السوري، دون أن يكون لها مكانة في الحياة الاجتماعية والسياسية، تدفع بالكوردي إلى اتخاذ ردة فعل قوية ضد إنكار وجوده القومي. وعدم إدراكهم لأهمية الفكر القومي الكوردي، وحقوقه الشخصية والسياسية دليل أخر على عقم الحالة الفكرية لدى هؤلاء. ربما لابد لهم  التحرر مما دأبوا على دراسته وفهمه وتعلمه في المراحل الدراسية المختلفة وفق المناهج المدرسية التي لم تذكر أنه في سورية شعوباً يجب احترامها، وأغلب المثقفين العرب اليوم هم نتيجة هذه الأنظمة التربوية. 

في واقع الحال إن قضية تعاطي الفكر العربي مع القضية الكوردية، هي قضية إشكالية، لأن الآخر لم يتعود على وجود أي شيء غير ما تتدرج على قراءته.  ربما كانت الحالة العشائرية لدى بعض العشائر العربية أكثر نضوجاً من الحالة الفكرية لدى المثقف العربي، فهذا الأخير كان يُطلب منه اتخاذ موقف صارم وواضح، وخلق حالة فكرية والعمل على شقلبة البنية الثقافية والعقلية والفكرية الخاصة بالمكون العربي خاصة من جهة تعاطيها مع الواقع الكوردي، إلا أن الوجهاء في العشائر العربية وخاصة أولئك المنبوذين والمهمشين من قبل السلطات، ونتيجة مواقفهم وقناعاتهم، كانوا ومن جهة التعاطي الإنساني وعلاقات الجوار، أفضل حالاً من التعاطي الثقافي العربي مع الكورد، خاصة إذا قارنا بشكل بسيط بين فكر عشائري وفكر ثقافي منفتح، وقارنا نتائج تعاطي كل جهة مع الحالة الكوردية، سنجد أن التقصير الكبير حاصل من الجهة التثقيفية بكونها هي من تتحمل مسؤولية قيادة المجتمع والحالة السياسية في الوسط العربي.

كانت ولا تزال العلاقة بين المثقف العربي والقضية الكوردية في سوريا علاقة شائكة دخلت دهاليز مظلمة نتيجة الإهمال المتعمد، إن أي حل يقدمه المثقف العربي للقضية الكوردية بغية إعادة العلاقة إلى نسقها السليم سيكون مآلها الفشل ما لم تنطلق من ركائزها التاريخية المتعلقة بحقيقة وجود شعب يعيش على أرضه التاريخية. وهذه العلاقة التي توقفت نتيجة فعل قاصر ووعي غير مدرك، ووعي مدرك، بأقلام طغت عليها حالة التهميش والتشويه المتعمد للكورد، تلك الأقلام وهؤلاء المثقفين هم الذين خلقوا أو لنقل طوروا حالة الانقسام وهيئوا الأرضية لحالة من التناقض والاختلاف، رغبة في الحصول على مكاسب شخصية وهمية وإرضاء لسلطان جائر ولو على حساب بعثرة شعوب تمازجت دمائهم  في سعيهم نحو الحرية و الانعتاق من الاحتلال الفرنسي، نحن اليوم محكومون بجغرافية سياسية مصطنعة، لم يستشر به كلا الطرفين، واستحالة التعايش السلمي بين شعوب غير متجانسة قومياً وفكرياً وسياسياً تجمعت على أسس من الإجبار.

 

التعليقات (2)

    سوري

    ·منذ 8 سنوات 6 أشهر
    نحن ك سوريين لم ننكر حقهم في الحياة والتعليم والصحة والرعاية والمساواة ولكن هل من المنطق أن نقبل بتقسيم بلدنا بينما العالم الذي لا يجمعه لغة ولا ثقافة ولا دين يتجه للاتحاد؟ هل من المنطق أن في دولة صغيرة ك سوريا أن نتكلم لغتين بينما العالم يتجه لتوحيد لغة الشعوب؟ هل من المنطق عندما اذهب إلى حلب والقامشلي والحسكة أن اعبر حدود؟ هل من المنطق أن أقبل أن تأخذ أغنى منطقة بالنفط في سوريا لتباع لليهود؟ سوريا بلد الأديان والقوميات والمحبة

    ايا علاقة

    ·منذ 8 سنوات 6 أشهر
    ايا علاقة تطلبها من المثفف العربي ان رأى تهجير وحداتكم الكردية للعرب وبعد ان طردتم سكان تل ابيض و اعلنتم اقليم مستقل . ايا علاقة تطلبها من المثقف عندما يعلن احد كتابكم ان الطريق الى اعلان غرب كردستان اصبح واقعا ، الا تخجل من نفسك تطالبنا بعلاقة صحية و قواتكم تقتسم جزء من الاراضي السورية وتعلن الانفصال
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات