رداً على مقال د. فيصل القاسم

رداً على مقال د. فيصل القاسم
لنبدأ بالارقام والحقائق. روسيا تصدر معظم نفطها لدول القارة الاوروبية القادرة على دفع ثمنا أكبر وتستهلك أكثر والأهم أنها تدفع بالعملة الصعبة أي بالدولار او اليورو. تشكل صادرات النفظ والغاز والمشتقات البترولية 70% من إجمالي الصادرات الروسية للخارج ويعتمد اقتصادها على النفط بنسبة 86%، بحسب إدارة الجمارك الروسية لعام 2014. هي أكبر دولة منتجة ومصدرة للنفط في العالم بطاقة إنتاجية تبلغ 20 مليون برميل يومياً تصدر نصفها وتستهلك النصف الآخر. 81% من صدارات النفط الخام الروسي ومشتقاته والغاز الطبيعي تـُستهلك في اوروبا الغربية والشرقية التي اصبح جزءاً كبيراً منها اعضاء في الاتحاد الاوروبي والباقي يذهب الى الصين وتركيا التي تعتمد على الغاز الروسي بنسبة 64%. تستورد المانيا (ثالث اكبر اقتصاد في العالم والاول في اوروبا) حصة الاسد من صادرات روسيا النفطية بنسبة 60% من إجمالي صادرات النفط الروسي إلى اوروبا، أو ما يشكل نسبة 36% من حاجة المانيا للطاقة. تعتمد كل من فنلندا واستونيا وليثوانيا ولاتفيا وسلوفاكيا والتشيك واليونان وهنغاريا على النفط والغاز الروسي بنسبة تتراح بين 100% و 80%، بينما تعتمد بريطانيا وفرنسا وايطاليا والنمسا وبلجيكا وسلوفينيا وكرواتيا ورومانيا على نسب تتراوح بين 70% و 20%  من احتياجاتها للطاقة من روسيا. القاسم المشترك في كل هذه الدول انها اعضاء في الاتحاد الاوروبي.

في ظل قدرة روسيا في الوقت الحالي على شل اقتصاد اوروبا، أو بالحد الادنى، إحداث هزة عنيفة فيه نستطيع أن نفهم تردد الغرب في الضغط على روسيا من أجل التخلي عن الاسد، أو ما نسميه تقاعس الغرب عن مساعدة الثورة السورية. قد يكون السيناريو التالي متخيلا لكنه قريب جدا من الواقع. في 21 آب 2013 يضرب الاسد الغوطة بالكيميائي في تحد صارخ لخط اوباما الاحمر الذي يرسل أساطيله الى المتوسط ويضع نظام الاسد على حافة الهاوية. علينا

ن لا نكون سذج ونصدق ان الاسد استعمل الكيميائي بدون ضوء اخضر من بوتن الذي كان يتوقع تماما ردة الفعل الامريكية. خلال ساعات يصل لافروف الى واشنطن ليبلغ البيت الابيض أن هناك "مجموعة ارهابية" لغمت انابيب النفط والغاز الرئيسية المتجهة الى اوروبا ولن تستطيع روسيا ايقافهم الا اذا اوقفت امريكا الضربة الوشيكة على الاسد. حتى يـُنزل لافروف اوباما عن الشجرة يبلغة باستعداد الاسد عن التخلي بالكامل عن السلاح الكيميائي الذي سيحدث ضجة اعلامية لكنه لن يغير في المعادلة الاستراتيجية شيئا، وربما ذكره بتصريح وليد المعلم انه سينسى ان هناك اوروبا على الخارطة والاهم من ذلك تهديد الاسد بان كرة النار ستصل الى اوروبا اذا ما استمرت في دعم الثورة السورية.  

 

نظام الاسد يمثل حجر الزاوية في استراتيجية روسيا لحماية مصالحها.  ثالث أكبر احتياط للنفط في العالم وأكبر احتياط للغاز (قبل اكتشاف حقول غاز في سوريا ومصر) يقبع في منطقة القوقاز التي تسيطر عليها روسيا بالكامل. ثاني أكبر احتياط للنفط والغاز يقع في الخليج العربي وهو الوحيد القادر حالياً على منافسة النفط الروسي الا انه يعتمد كليا على الناقلات العملاقة للوصول الى أوروبا وهذا ما يزيد من تكلفته وصعوبة توزيعه. العقبة الجيوسياسية الوحيدة التي تحول دون وصول النفط والغاز العربي إلى أوروبا عبر أنابيب هي سوريا الاسد. ثانيا، على عكس ما هو شائع، تستورد الولايات المتحدة اقل من 10% من احتياجاتها للنفط من الخليج العربي والباقي من إنتاجها المحلي والمكسيك وكندا وفينزويلا بينما هي مكتفية ذاتيا بالغاز وقد تكتفي ذاتيا بالنفط قبل نهاية العقد الحالي بفضل قدرتها على استخراج النفط الصخري. هذا هو السبب الرئيس وراء انخفاض اسعار النفط إلى أكثر من النصف حيث ستكون كندا والمكسيك وفنزويلا مجبرة على إيجاد أسواق بديلة لأكثر من 10 مليون برميل يوميا كانت تستوردها أميركا أو خفض أسعارها لتصبح اقل من تكلفة إنتاج النفط الصخري الامريكي. ثالثا، الاتفاق النووي الايراني ورفع العقوبات سيمهد الطريق امام ايران لدخول اسواق النفط والغاز العالمية مما سيضغط الى الاسفل على اسعار النفط والغاز وعلى الاقتصاد الروسي لكنه لن يكون كافيا لالغاء الرافعة الروسية على اقتصاد اوروبا. التهديد البنيوي الأكبر لهيمنة روسيا على سوق الطاقة في أوروبا هو النفط والغاز العربي لكن العقدة في المنشار هي نظام الاسد.

التحالف التركي السعودي القطري هو بالاساس تحالف مصالح. تحرير سوريا يعني تحرير الاقتصاد التركي من الهيمنة الروسية حيث تعتمد تركيا على الغاز الروسي بنسبة 64% نظرا لتعذر وصول الغاز العربي اليها جغرافيا والإيراني تقنيا لأن إيران محرومة من تقنيات استخراج الغاز وتصديره لكن هذا الوضع سيتغير قريبا. تركيا لا تريد أن تفلت من قبضة روسيا لتقع في قبضة إيران، لذلك تسعى إلى تنويع مصادر طاقتها وأحد هذه المصادر هو الغاز الخليجي بالاضافة الى الروسي والإيراني. كذلك أوروبا لا تريد أن تفلت من قبضة روسيا لتقع في قبضة روسيا وإيران معا، لذلك تسعى ليكون الخليج العربي مصدرا رئيسيا ثالثا للطاقة، وهذا يشرح سر تمسكها برحيل الاسد باعتباره العقبة الجيوسياسية أمام التواصل الجغرافي العربي الاوروبي. مرة اخرى يقف النظام السوري حجر عثرة امام هذه الاستراتيجية التركية والاوروبية والعربية وخط دفاع اخير للهيمنة الروسية على قطاع الطاقة وعصب الحياة في القارة الاوروبية.  

لقد تخلت روسيا عن القذافي دون أن يرف لها جفن لأن ليبيا لا تشكل حلقة مهمة في استراتيجيتها للحفاظ على موقعها كمصدر أول للطاقة في أوروبا. كما أن روسيا لم تستعمل حق النقض في مجلس الامن لمنع العقوبات الخانقة على حليفتها إيران لأن تلك العقوبات كانت ترمي بالأساس إلى إبعاد إيران عن أسواق أوروبا النفطية ورميها في أسواق النفط الجانبية مع الدول الفقيرة التي تدفع بالعملة المحلية وبالتقسيط والدين. ربما يكون أكبر دليل على تخلي روسيا عن حلفائها هو تخليها عن الاسد نفسه عندما أدركت أنه غير قادر على الحفاظ على مصالحها رغم كل الدعم السياسي والمالي والعسكري مما اضطرها الى الدفاع عن مصالحها بنفسها وربما عقد صفقة مع غيره وهو ينظر دون أن يكون قادرا على تحريك ساكن.

التعليقات (2)

    إ.أ

    ·منذ 8 سنوات 6 أشهر
    مجموع الأرقام في الصورة 105% !!!!!

    A.A

    ·منذ 8 سنوات 6 أشهر
    بالفعل مجموع الحصص المئوية لنسب الحاجة النفطية بالصورة اعلاه يساوي ١٠٥ معلومات دقيقة اذا~
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات