التنسيق الروسي- الإسرائيلي ومراميه

التنسيق الروسي- الإسرائيلي ومراميه
يكشف التنسيق الروسي- الإسرائيلي في سورية عن حقيقة خريطة الأهداف المراد تحقيقها في هذا البلد، وإذا كانت عملية التنسيق التي أدارتها روسيا من تحت الطاولة مع بعض الأطراف الإقليمية والدولية بخصوص تدخّلها في سورية قد بقيت طي الكتمان ولم يكن ثمة حاجة للإعلان عنها، فإنه على المقلب الإسرائيلي لم يكن بالإمكان إخفاءها او التستر عنها لأن نتائجها العملانية سرعان ما ستفضحها الأجواء السورية بحيث لا تنفع معها أشكال التحوّطات التي من الممكن أن يجربها الطرفان.

 غير أن هذا الكشف  يظهر بدرجة كبيرة معالم الحرب الروسية في سورية وأهدافها والترتيبات المنوي إجراءها في الخريطتين الجغرافية والديمغرافية السورية، كما أنه يوضح شبكة التحالفات التي يجري نسجها في الإقليم وطبيعة المعادلات التي سيجري التفاهم على إرساءها على خلفية هذا الحرب:

أولاً: ولعله من البديهيات، أن هذا التنسيق يكشف عن مصلحة إسرائيل وروسيا في إنتصار جبهة الأسد في الصراع السوري، ولطالما عبرت أجهزة الإستخبارات الإسرائيلية عن أمانيها في هذا الإطار إنطلاقاً من خبرتها بنظام الأسد وتوجهاته وطبيعة إستجاباته وموقفه من الصراع العربي – الإسرائيلي.

ثانياً: يأتي هذا التنسيق إستكمالاً لتنسيق إستمر لخمس أعوام مع إيران وأذرعها، صحيح أنه جرى خرقه مرات، لكنه بقي مضبوط تحت سقوف معينة وكان هناك تصميم واضح من قبل الطرفين بعدم تطويره إلى صدام شامل، وبالتالي إتخذ هذا التنسيق نمط إدارة للخلافات بينهما حتى لا تشغلهما عن الهدف الأساس وهو بقاء نظام الأسد، وكان لافتاً في هذا الخصوص صدور تنبيهات سياسية من جهات إستخباراتية إسرائيلية تدعو إلى التنسيق مع القوى الشيعية في المنطقة بإعتبارها قوى منضبطة عكس الجماعات الإسلامية التي ستوجّه بندقيتها صوب إسرائيل بعد سقوط الأسد لمناصرة أشقاؤهم في فلسطين.

ثالثاً: يكشف هذا التنسيق عن حقيقة المكّون الديني في التدخل الروسي والذي كانت قد فضحته مباركة الكنيسة الأرثوذكسية لحرب بوتين، والحقيقة أن حروب بوتين في العقد الأخير كانت كلها مندمجة بأبعاد دينية، وليس فقط حروبه ضد المسلمين الذين يشكلون عقدة أمنية مزمنة في المدرك الإستخباراتي الروسي، بل حتى ضد كاثوليك أوروبا على ما بينته الحرب في اوكرانيا.

رابعاً: يحقق هذا التنسيق مصالح جيوسياسية مهمة للطرفين، تتمثل بإعطاء الفرصة لروسيا كي تقتطع حصتها في الساحل السوري وتشكل دويلة من تجمع أقلوي، ومنح الفرصة أيضاً لإيران لإدارة المناطق الممتدة من حمص حتى دمشق، على أن تتولى إسرائيل إنشاء شريط عازل يشمل المناطق الغربية من حوران حيث مجرى اليرموك والأراض الخصبة، وبهذا تكون إسرائيل قد أصابت عصفورين بحجر: تخلصت من الخطر المحتمل للمسلحين الإسلاميين وضمت مناطق حيوية لجغرافيتها وأنهت إلى الأيد الخطر السوري.

خامساً: يشكل هذا التنسيق نوعاً من التذاكي المسبق لإحراج الولايات المتحدة الأمريكية والضغط عليها، فطالما أن واشنطن لا يعنيها من الكرم السوري سوى ما يهم أمن إسرائيل فلا شك أنها ستبصم على هذا التنسيق وتتغاضى عن بقية تصرفات روسيا وإيران، هكذا يتصوّر بوتين، مع أن الأمر يبدو وكأنه جهد فائض كون واشنطن لا يبدو انها بصدد إزعاج موسكو أو مواجهتها في الميدان السوري.

عملياً يشكل هدف تغيير الواقع الديمغرافي في سورية أولوية بالنسبة لروسيا وإسرائيل في هذه المرحلة وهذه أيضاً واحدة من المصالح المشتركة والحيوية مع إيران وأذرعها، ولا يمكن لمشاريعهم الجيوسياية أن تتحقق ما لم تجري هذه الاطراف تعديلات قسرية وصناعة هندسة ديمغرافية جديدة تحوّل المكوّن السني إلى وضع أقلوي ومنهك ومشتت، وهم يجدون أنفسهم مضطرون لإجراء هذا التعديل، ذلك أن تقديراتهم المستقبلية تؤكد أن هذا المكوّن وجراء ما لاقاه من عمليات إبادة وإجرام لا بد أنه سبفكر بالإنتقام، وبالتالي فإن الفرصة مؤاتية في ظل وجود عدم إهتمام عالمي بالأمر وبعد أن قام نظام الأسد بإنجاز نصف المهمة عبر تهجيره وقتله لملايين السوريين.

لكن ورغم الأضرار المتوقع أن يحدثها هذا التنسيق على السوريين في المديين القريب والمتوسط وخاصة لجهة زيادة الضغط عليهم ويضيف إلى قائمة الأعداء عدو فاعل، غير أن فوائده على المدى البعيد من كونه ينهي كذبة الممانعة التي أحدثت في السنوات الأخيرة فرزاً عميقاً لدى الرأي العام العربي، ومارست تحت هذا العنوان أسوأ السياسات الإنتهازية في المنطقة.  أما مدى نجاح مثل هذه التكتيكات فهو أمر أكبر من قدرة طائرات روسيا وإسرائيل على تقريره، هي قضية تخص وجود شعب قاوم على مدار خمس سنوات ولا يزال قادر على الفعل والمواجهة.

التعليقات (2)

    كان يا مكان

    ·منذ 8 سنوات 6 أشهر
    لا نتوقف عن الحديث عن المؤمرات التي تحاك ضدنا ، وننسى ان نتحدث عما نحضره نحن كي تزيد منعتنا وقل تشتتنا. هذه الفلسفة والطريقة في التفكير غريبة. دعنا مت الحديث عن مصالحهم. ولنتحدث عن مصالحنا. دعنا من فكر كشف المؤمرات ودعونا نفكر كيف يصبح لنا مصالح وكيف سنحققها.

    ahmed kurdi

    ·منذ 8 سنوات 6 أشهر
    سوريةأصبحت ساحة لحرب عالمية ثالثة .مركبة محليا و إقليميا ودوليا فالمعارضة اسقطت كل شي إلا نظام الاسد.والاسد حارب كل شيءإلا الإرهاب بكل بساطة فالمعادلة الاسد آو نحرق البلد آويتنحى الاسد اونحرق البلد وبالتالي النظام والمعارضة وجهان لعملة واحدة .التدخل الخارجي والاستقواء بالخارج والاصطفاف طائفيا. آما الحل فهو بتبني الخط الثالث خط الشعب السوري والعقلاء للخروح من هذا النفق المظلم
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات