قرار الإقامة الدائمة على كف عفريت
بدأت السويد رسمياً بمنح الإقامة الدائمة للسوريين بشكل عام بدل الإقامة المؤقتة، بعد الضربة الكيماوية التي نفذها النظام السوري على الغوطة الشرقية، واستشهد إثرها قرابة 1600 شهيد، بينهم على الأقل 600 طفل بحسب منظمات حقوقية، حينها اتخذت الحكومة السويدية قرار منح الإقامة الدائمة لكل سوري طلب لجوء في السويد بعد هذا التاريخ، وتبديل الإقامات المؤقتة إلى دائمة لكل سوري حصل عليها قبل هذا التاريخ، وبدأت بالإصدار الفعلي في شهر تشرين الأول 2013، وكان هذا القرار بمثابة طوق نجاة كبير للسوريين الذين تدفقوا إلى السويد بشكل كبير آنذاك، حيث تم تقدير أعداد اللجوء في السويد بنحو 50 ألف من عدة جنسيات، إلا أن هذه القضية بدأت تدخل في الصراع الحكومي في السويد بين الأحزاب، حيث قدّمت رئيسة الحزب المسيحي الديموقراطي، بتأييد من حزب المحافظين، اقتراحاً للبرلمان السويدي، يقضي بتحويل الإقامة الدائمة إلى مؤقتة، وتحويل الأموال الفائضة جرّاء هذا الإجراء، إلى دول الجوار، لرعاية السوريين هناك، بغية الحدّ من هجرتهم إلى أوربا، كواحد من الإجراءات التي تعمل عليها الدول الأوربية لوقف الزحف الكبير للمهاجرين.
يقول (سامر) الذي وصل إلى السويد في شهر حزيران " جئت إلى السويد، أملاَ في الإقامة الدائمة، على الرغم من المدة الطويلة التي سيستغرقها الحصول على إقامة، والتي قد تتجاوز سنة من الانتظار" ويتابع: "منذ وصولي، حصلت على موعد لمقابلة الإقامة، بعد تسعة أشهر، والآن في حال تمّ إقرار موضوع الإقامة المؤقتة، أكون قد خسرت كثيراً من الوقت وأنا أنتظر الإقامة، التي لا تخولني قانونياً الحصول على الجنسية".
أما ( فراس - م )، الذي ينتظر الإقامة منذ أحد عشر شهراً، يقلّل من هذه الاقتراحات، مؤكّداً: "لن يتخذ أيّ قرار إلا في حالتين: انتخابات مبكرة، أو اتفاق على الإنفاق الحكومي" ويتابع ساخراً: "هنا توجد أحزاب تخاف شعوبها، وليست دولة استبدادية تفرض ما تريد دون الرجوع للشعب".
ففي آخر مناظرة تلفزيونية للأحزاب السويدية، رفض حزبا الحكومة (الاشتراكي الديموقراطي - البيئة ) بدعم من حزب الوسط ،هذه التعديلات بينما يصرّ حزب (سفاريا ديموكراتنا) العنصري على الحدّ من وصول المهاجرين بنسبة 95% لأنهم سبب في انخفاض مستوى الرفاهية والرعاية الاجتماعية!
الهروب من السويد قبل البصمة
ما يثير الجدل حالياً هو ما تقوله السلطات السويدية أن عدداً من الذين دخلوا مملكة السويد قد اختفوا قبل إجراءات تقديم طلبات اللجوء، أو ما يسمى بين اللاجئين بـ "البصمة"، وهو ما يشير إلى أن الكثير من الواصلين قد خرجوا من السويد باتجاه فنلندا أو النرويج، والبعض عاد إلى ألمانيا، بسبب المدة الطويلة التي قد يستغرقها اللاجئ في انتظار الإقامة، والتي قد تصل إلى سنة كاملة أو أكثر، يقول أحمد - خ الذي عاد إلى ألمانيا، بعد أن وصل إلى السويد: "لا أريد الانتظار مدة سنة للحصول على الإقامة، ثم سنة أخرى لأستطيع لمّ الشمل، خاصة وأن فرص العمل في السويد ليست متوفرة كما هو الحال مع بقية الدول" موضحاً "أما بالنسبة للجنسية، فأنا لا أريدها حالياً، لذلك عدت إلى ألمانيا.. الظروف هنا أفضل من السويد".
محمد – ش (16 عاماً)، وصل إلى أوربا، أملاً في لمّ شمل والديه، ويؤكد أنه يريد الذهاب إلى النرويج، مبرراً رغبته بأنّ "الإجراءات في النرويج أسرع من السويد بكثير، وأنا أريد أن أنقذ والدي من القصف في ريف إدلب، لذلك فكلّ ساعة تأخير هي أزمة حقيقية بالنسبة لي.. والسويد لا يهتم كثيراً للمدة الطويلة" وعلى الرغم من التكاليف الزائدة التي يدفعها الواصلون إلى السويد إلا أنهم يصابون بالصدمة بسبب الازدحام الذي تخلقه دائرة الهجرة.
يقول عبد الكريم -ح-ط: "أنا هنا منذ أسبوع، ولم أستطع أن أقدم طلب اللجوء أو البصمة، بسبب الازدحام كما يقول القائمون على دائرة الهجرة، وهذا غير دقيق .. فأعداد الواصلين إلى ألمانيا تشكّل أضعاف ما يدخل إلى السويد، ومع ذلك فالإجراءات سريعة، أما هنا الوضع فهو سيئ للغاية" ويتابع عبد الكريم مبدياً امتعاضه "مضى أسبوع ولم أستطع تقديم أوراقي.. متى سأحصل على الاقامة ؟؟ أحمد الله أني لا احتاج لمّ الشمل، عندها سأحتاج إلى ثلاث سنوات ريثما أستقر بشكل حقيقي" ويؤكد أنه " ذاهب إلى هولندا، فالإقامة هناك سريعة لا تتعدى أربعة اشهر .. هنا سنة على الأقل"
على الرغم من هذا النفور الكبير من السويد، أعلن رئيس الحكومة السويدية "ستيفان لوفين" وهو رئيس حزب "الإشتراكي الديموقراطي" في لقاء له مع وسائل الإعلام السويدية أن "الحكومة في موقف صعب، ونعتقد أن أكثر من 150 ألف مهاجر سيصلون السويد حتى نهاية العام 2015" ويتابع "نحن نحاول الضغط على البلديات لتحمّل المسؤولية مع الحكومة" ويشير رئيس الحكومة "سنضطر أن نؤمن أماكن إقامة مؤقتة للواصلين الجدد بشكل جماعي ربما، أو مخيمات ريثما نستطيع تأمين مخيمات ملائمة"
مبررات غير مقنعة واستياء من سياسة السويد
لم تعد مبررات التأخر في البت بقرارات الإقامة، ونسبتها إلى الضغط الكبير بسبب الأعداد المتزايدة للمهاجرين، تقنع من ينتظرون قرار الإقامة، وبدأ الاستياء يتزايد مع مراجعة دوائر الهجرة في كل المقاطعات السويدية، حيث أقيمت عدة اعتصامات صغيرة، احتجاجاً على تأخر الإقامات، إلا أنها لم تؤثر على سرعة البت بالقرارات، ما أدى إلى خلافات متكررة مع محققي مصلحة الهجرة السويدية، المكلّفين في دراسة طلبات الهجرة، يقول فراس - م الذي ينتظر منذ أحد عشر شهراً "أصبح الموضوع غير منطقي، ننتظر لمدة طويلة وهناك من وصل بعد وصولي بشهرين، ومع ذلك فقد حصل على الإقامة، وعند السؤال يقال لي: عليك الانتظار، نحن نعتمد التسلسل في إصدار الإقامات!"
ويتابع فراس متهكماً: "يقول المحقق أن التسلسل هو القاعدة لديه، فأرسلت له قائمة بمائة ملف حصلوا على الإقامات بدون أي تسلسل في الرقم، أو تواريخ البصمة، لكنه عاد ليقول لي أنه يعتمد على التسلسل" ويروي لنا فراس تفاصيل لقائه مع مدير مصلحة الهجرة في مدينة "مالمو" (المركز الذي قدم به طلب اللجوء)، فيقول: "عندما واجهت مدير مصلحة الهجرة بالقائمة التي تضم المائة رقم، أحسّ بالحرج ولم يعد يستطيع الكلام، وعزا الموضوع إلى أن حصول أخطاء أمر وارد جداً، بسبب قلة خبرة المحققين الجدد الذين تم توظيفهم لتدارك حجم عدد الملفات التي هي بحاجة للدراسة".
يشير فراس إلى أن مدير المصلحة قال له بشكل حازم: "عليك الانتظار ستة أشهر قبل أن تجري مقابلة الإقامة، وستة أشهر بعدها لتحصل على الإقامة وبذلك عليك الانتظار شهر آخر للحصول على حقك، وإلا فعليك إخبارنا في حال لم تحصل على القرار بعد انقضاء سنة على تقديم طلبك" يضحك فراس "أغلق الباب في وجه أي سؤال أو استفسار قبل شهر" أما "عبد الكريم - ن" في بدايات الخمسين من العمر يقول "وصلت إلى السويد في أواخر شهر أيلول من العام الماضي، وحصلت على موعد من دائرة الهجرة لمقابلة الإقامة في نهاية شهر آذار، وقبل موعد المقابلة بأسبوع جاءني بريد بتأجيل مقابلتي حتى إشعار آخر"، ثم يتابع بهدوء وبابتسامة تهكم "جاءني بريد في وقت لاحق، وقد تم تأجيل مقابلتي 110 أيام عن الموعد السابق، اتصلت بدائرة الهجرة، وصرخت، وأرسلت رسائل بالبريد الإلكتروني، إلا أن شيئاً لم يتغير، فانتظرت موعد المقابلة الجديد، الذي تأجل مرة أخرى لمدة 35 يوم، لأكمل أحد عشر شهراً من أجل إجراء المقابلة، وبعد شهر حصلت على قرار الإقامة، أي بعد عام كامل"
وفي سؤال موجّه لموظفة مصلحة الهجرة "غابريلا بالمين" حول سبب التأخر في البت بقرارات الإقامة، أتى الجواب بشكل آلي أنه "الضغط الكبير لعدد طالبي اللجوء من كل الجنسيات" وأنه "ليس هناك أولوية لأحد على الآخر" معللة قولها بأن "نظام عمل هو من يحدد هذه المواعيد وبالتالي على من يريد السفر إلى أوربا أن ينتظر"، لأن العمل يجب أن يكون ضمن "توافق عناصر عديدة وليس الموضوع من السهولة التي قد ترونها"، وتضيف عن وضع السوريين "الحقيقة أن للسوريين وضعهم الخاص، فهم الشعب الوحيد الذي يحصل على الإقامة الدائمة، ولكننا نقف أمام مشكلة كبيرة، وهي الحالة الأمنية للواصلين، ونخشى بشكل الأساسي من الانتماء إلى التنظيمات الإرهابية المتواجدة في سوريا، أو أؤلئك المتهمين بارتكاب جرائم حرب" وتشير بالمن "في التحقيقات استطعنا الوصول إلى ما يقارب من 40 حالة من مرتكبي الجرائم، هؤلاء ممن حصلوا على الإقامة المؤقتة، لترحيلهم في الوقت الذي نضمن فيه عدم الانتقام منهم بشكل ثأري، وتحويلهم للمحاكمة" وتضيف "هناك أمر آخر مهم، هو موضوع الوثائق المزورة، لأننا نخشى أن يكون طالب اللجوء غير سوري، وقد حصل على أوراق مزورة بطريقة ما على أنه سوري، لذلك يستهلك التدقيق منا وقتاً طويلاً، بالإضافة للعدد الكبير جداً من الوثائق"
رغم حصول السوريين على الإقامة التي تمنحها الحكومة السويدية، تحت مسمى "حق الحماية البديلة" (AF) التي تمنح من يحصل عليها الإقامة الدائمة، والحصول على حقوق المواطن السويدي، عدا المشاركة بالانتخابات والتقدم للحصول على الجنسية السويدية من 4 - 5 سنوات، ويعتبر الحصول عليها سهل جداً أو ربما بشكل آلي؛ رغم كل هذه الميزات التي تمنحها السويد تحول إلى بلد غير مرغوب به لدى الكثير من السوريين المهاجرين الراغبين في الحصول على إقامة سريعة وبداية حياة جديدة خلال أقصر فترة ممكنة..
التعليقات (6)