نظام الأسد : الإرهاب و الغباء

نظام الأسد : الإرهاب و الغباء
"طوال هذه السنوات لم أستطع أن أفهم كيف استطاعت عائلة بهذا الغباء حكم بلد مهم مثل سوريا، كل هذه المدّة! " . 

هذا ما قاله على إحدى الفضائيّات قبل بداية الثورة السوريّة بعدّة سنوات معارض علوي من القرداحة من عائلة إسماعيل نقلاً عن والده الّذي يعرف عائلة الأسد معرفة وثيقة. لدى الشعب السوري مئات الأمثلة على صحّة ما قاله هذا الشخص لكنّنا هنا سنؤكّد صحّة هذا الرأي من خلال بضع أمثلة عن عمليّات خارج حدود سوريا قامت بها أجهزة الأمن السوريّة.

كان الاغتيال هو الطريقة الأسهل و الأكثر شيوعا الّتي لجأ لها حافظ الأسد ليتمكّن من الوصول للسلطة، أولاً، مثل اغتيال عبد الكريم الجندي و للاحتفاظ بها، ثانيا، مثل اغتيال محمّد عمران و هناك الكثير من الأمثلة حول ذلك و نجحت هذه العمليات لأنّ الأهداف كانت سهلة و غير محميّة . 

نجاح سياسة الاغتيالات هذه دفعت النظام السوري لتوسيع نشاطه و لدخول حلبة الإرهاب الدولي، لنستعرض بعض الأمثلة .

لم يكن كمال جنبلاط  بالسبعينات من القرن الماضي أهم زعيم للطائفة الدرزيّة ببلاد الشام و مؤسّس للحزب التقدّمي الإشتراكي فقط، بل كان قائداً للحركة الوطنيّة اللبنانيّة الّتي تضم طيفا واسعاً من القوى اللبنانيّة من كل الطوائف، كما كان مفكّراً و فيلسوفاً و شخصيّة إقليميّة ذات حضور و ثقل دولي ، و لكن في نفس الوقت كان كمال جنبلاط يدرك الطبيعة الطائفيّة و الفاسدة للنظام السوري، وصرّح بذلك في مناسبات مختلفة فتمّ اتّخاذ القرار باغتياله . في فترة السبعينات كانت المخابرات الجويّة المرعبة هي ذراع حافظ أسد الأمنيّة المعتمدة داخل سوريا و خارجها، و كان محمّد الخولي هو الشخص الموثوق و المقرّب و المسؤول الأمني الأوّل . تكلّف الخولي بمهمّة اغتيال كمال جنبلاط وتمّ تنفيذ الاغتيال في 16 آذار 1977 لكن مع عشرات الخيوط و الأدلّة الّتي تشير بكل وضوح للقاتل! لنبدأ أوّلاً بالسيارة التي استخدمها القتلة في عمليّة الاغتيال، فهي سيارة بونتياك تمّت مصادرتها بمرفأ بيروت لوجود كميّة من الحشيش بداخلها و كانت تحمل لوحة لبنانيّة ثم إستلمها ملازم سوري من قوات الردع العربية لتختفي فترة و ليتم إدخالها مرّة أخرى من سوريا بتاريخ 10 آذار 1977 قبل ستّة أيّام من الإغتيال و عليها لوحة بغداد و هو شكل غير مألوف نهائيّا بتلك الأيّام نتيجة العلاقات المقطوعة والسيّئة بين النظامين السوري و العراقي.

عند دخول هذه السيارة إلى لبنان  كان يستخدمها أربعة أشخاص أقاموا بفندق لورنزو موزارت بآخر شارع الحمرا، اثنين منهم لم يقوما بتسجيل أسمائهما في سجلّات الفندق واثنين سجّلا تفسهما بأسماء وهميّة ، كان سلوك هؤلاء الأشخاص استفزازيّا بتجوّلهم بسلاحهم الظاهر و مخالفتهم لأبسط قواعد وآداب القيادة، كما كان اثنان منهم يرتديان ُثياباً عسكريّة مرقّطة . في يوم 16 آذار 1977، وبينما كان كمال جنبلاط في طريقه المعتاد من منزله بالمختارة إلى بيروت جالساً بجانب السائق و خلفه يجلس عريف في قوى الأمن اللبناني مرّت من جانبه السيّارة البونتياك وفيها المسلّحون الأربعة ثمّ أشارت له بالتوقّف وتجاوزته و أغلقت عليه الطريق، نزل منها المسلّحون و أخذوا السائق و العريف إلى السيّارة البونتياك و صعد اثنان إلى سيّارة جنبلاط أحدهما قاد السيّارة والثاني جلس على المقعد الخلفي خلف جنبلاط تماماً ، انطلقت سيّارة جنبلاط و خلفها البونتياك و بعد 800 متر و قفت السيّارة ، وتمّ إطلاق عدّة رصاصات قتلت كمال جنبلاط على الفور كما تمّ إنزال السائق و العريف من سيارة البونتياك و تم قتلهم على الطريق و انطلق المسلّحون الأربعة بالبونتياك نزولا بإتّجاه بيروت ومع توتّر أعصابهم وعند منعطف دير دوريت خرجت السيارة عن الطريق و صعدت تلّة ترابيّة و توقّفت و تعطّلت فخرج منها المسلّحون الأربعة برشّاشاتهم الكلاشنكوف وأوقفوا أوّل سيّارة صادفوها كانت سيارة فيات أنزلوا الراكب الجالس بجانب السائق و هدّدوه إن تحرّك فسيقتلوه و ركبوا مع صاحب السيّارة و إسمه سليم حداد و أجبروه على العودة إلى بيروت , و عند مرورهم على حواجز للقوات السورية كانوا يبرزون بطاقات معيّنة فيؤدّي عناصر الحاجز التحيّة العسكريّة لهم وعند وصولهم إلى مستديرة الصالومي عند مكتب لقوات الردع السوريّة نزلوا من السيّارة و قالوا للسائق سليم حدّاد إذا حكيت بتموت ؟!. بدأ القضاء اللبناني بالتحقيق بالقضيّة من خلال القاضي حسن قواس و عندما جُمعت الكثير من الأدلّة عند القاضي جرت محاولة فاشله لإختطافه ثمّ أعقبها إطلاق قذيفة آر ب ج على منزله أدّت لإحراقه و إصابة إبنه بعاهة دائمة ممّا دفع عائلة القاضي للهجرة لأميركا . و بعد فترة تمّ الضغط من "مراجع عليا" يعتقد أنّها الرئيس اللبناني وقتها إلياس سركيس لإيقاف التحقيق في القضيّة و تبعها إسقاط وليد جنبلاط لحقّه،  أعقبها إسقاط الدعاوي و الملاحقات الجزائيّة . بقي ملف القضيّة كاملا و بكثير من التفاصيل محفوظا عند وليد جنبلاط و الّذي يعرف القتلة المباشرين لوالده إبتداءاً من المنفّذ الضابط الّذي أصبح بعد سنوات رئيسا للمخابرات الجويّة إلى من أصدر أمر الإغتيال حافظ الأسد و محمد الخولي . يتساءل كثيرون هل من الممكن أن تكون المخابرات السوريّة بهذا الغباء و تترك كل هذه الأدلّة ؟.

نعم إنّها كذلك و لنأكّد ذلك بقصّة أخرى . ففي عام 1980 كانت هناك تحرّكات داخليّة في سوريا رافضة لحكم الأسد و كالعادة ألقى الإعلام السوري باللّوم على التدخّل الخارجي و خاصّة الأردني حيث لجأ الكثير من السوريّين إلى الأردن  فرارا من إجرام الأسد ففكّر النظام السوري بالتصرّف على طريقته المعروفة و (المجرّبة) فقرّر إغتيال رئيس الوزراء الأردني مضر بدران !!. في شهر كانون ثاني 1981 أرسل إلى عمّان و بجوازات سفر مزوّرة  الرقيب عيسى فيّاض و العريف  أكرم بيشاني و الإثنين من سرايا الدفاع و شخص مدني يعمل أيضا لحساب سرايا الدفاع . إستأجروا منزلا بعمّان و هرّبوا بعض الأسلحة و راقبوا الطرق الّتي يتّبعها رئيس الوزراء بذهابه و عودته من عمله بإنتظار وصول المسؤول عن تنفيذ العمليّة العقيد عدنان بركات . و في 1 شباط 1981 وأثناء دخول العقيد للأردن تمّ اكتشافه بسهولة من المخابرات الأردنيّة كما تمّ إلقاء القبض مباشرة على كامل الشبكة و قدّموا اعترافا كاملاً عن مخطّطهم وشرحوا فيه أنّ من خططّ للعمليّة هو العقيد رفعت الأسد و الرائد سليمان جديد وهي جريمة إرهاب دولة منظّم وموثّقة لقيادات في الدولة السوريّة بذلك الوقت . لكنّ الغباء لم يقتصر على هذه الخطّة الساذجة، بل على ما هو أكثر منها أهميّة ! فالرقيب عيسى فيّاض و العريف أكرم بيشاني من سرايا الدفاع و الّذين تمّ إرسالهما بمهمّة خارجيّة  كانا من العناصر الّتي نفّذت قبل بضعة أشهر مجزرة سجن تدمر وقد قدّما للقضاء و للإعلام اعترافات كاملة بالأسماء و التواريخ و كافّة التفاصيل لجريمة كبرى ضدّ الإنسانيّة هي مجزرة تدمر تمّ فيها قتل المئات من المساجين العزّل بإطلاق النار عليهم داخل زنازينهم من قبل 80 عنصرا من سرايا الدفاع بأوامر مباشرة من رفعت الأسد !!. إرسال هذين الشخصين كان تصرّفاً غبيّاً آخر من عائلة الأسد . و بعد شهر واحد فقط من هذا التاريخ ب 17 آذار 1981 فشلت محاولة أخرى بمدينة أخن بألمانيا لاغتيال عصام العطّار الزعيم الإسلامي المعروف بعد مهاجمة منزله دون أن يكلّف عناصر المخابرات السوريّة أنفسهم عناء مراقبة المنزل لمعرفة إن كان المستهدف بالاغتيال موجود بمنزله أو لا مما أدّى لاستشهاد زوجته و تقديم دليل جديد على إرهاب الدولة الّذي تمارسه سوريا الأسد، و هذه المرة في ألمانيا قلب أوروبا .

لكنّ الدليل الأكبر على غباء المخابرات السوريّة كانت محاولة تفجير طائرة إلعال في لندن 16 نيسان 1986 ردّاً على إهانتين تعرّض لهما النظام السوري بيوم واحد؛ أوّلا بإرغام طائرة سوريّة على الهبوط بإسرائيل، و ثانياً عند إعادتها لسوريا بنفس اليوم لعدم وجود هدف ذي قيمة على متنها أي أنّ إسرائيل إعتبرت عبد الله الأحمر الأمين العام المساعد لحزب البعث السوري و الوفد المرافق الّذين كانوا على متن هذه الطائرة غير مهمّين "كان المقصود قائد فلسطيني لم يركب هذه الطائرة بآخر لحظه" .فحاول النظام السوري تفجير طائرة إلعال عندما قام الفلسطيني الأردني نزار الهنداوي ث، المقرب من نظام الأسد بوضع قنبلة بحقيبة اليد الخاصّة بخطيبته الإيرلنديّة آن ميرفي دون علمها، وقد كانت وقتها حامل في الشهر السادس بعد أن أقنعها بالسفر إلى إسرائيل على أن يلحق بها إلى هناك عن طريق البر من عمّان لكي يتزوّجوا هناك ، تمّ اكتشاف العبوة من قبل أمن شركة إلعال نتيجة الوزن الكبير للحقيبة !! وعند اكتشاف القنبلة لجأ نزار هنداوي للسفارة السوريّة بلندن فأرسله السفير السوري مع عنصرين من أمن السفارة إلى (بيت آمن) بلندن لكنّ الهنداوي شك بأنّهم يريدون قتله و التخلّص منه ففر منهم وسلّم نفسه للأمن البريطاني وقدّم اعترافات كاملة عن المهمّة المكلّف بها و طريقة وصول العبوة عن طريق الخطوط الجويّة السوريّة للسفارة السوريّة بلندن وعن من كلّفه بالمهمّة و هو الضابط بالمخابرات الجويّة هيثم سعيد . عند صدور الحكم بإدانة الهنداوي بمحاولة التفجير قطعت بريطانيا علاقاتها الديبلوماسيّة مع دمشق، كما أصدرت الدول الأوروبيّة حزمة عقوبات على نظام الأسد و بدأت الصحافة العالميّة تقدّم الأدلّة على أنّ الأمر بتنفيذ هذه العمليّة قد صدر من حافظ أسد شخصيّا ففي تلك الأيّام كانت المخابرات الجويّة هي صاحبة اليد العليا بسوريا و كان محمد الخولي يلتقي حافظ أسد يوميّا تقريبا لإطلاعه على أهم المستجدّات وكان للخولي مساعدان رئيسان هما مفيد حبيب للأمور الداخليّة وهيثم سعيد للأمور  الخارجيّة، و نتيجة هذه التقارير الصحفيّة و الاستخباريّة الدوليّة قلّل حافظ أسد كثيراً من لقاءاته مع محمد الخولي فهو يعلم أنّه لا يخفى شيء عن أجهزة المخابرات الدوليّة، ولكي ينأى بنفسه عن قضيّة محاولة التفجير الفاشلة بدأ بتقليص دور المخابرات الجويّة اعتبارا ًمن هذا التاريخ ، وبرز دور المخابرات العسكريّة بقيادة علي دوبا خصوصاً أنّ  رفعت أسد كان قد أُبعد خارج سوريا غي نفس الفترة، فقيل وقتها على سبيل المزاح أنّ العاصمة قد انتقلت من القرداحة إلى قرفيص بلدة علي دوبا نتيجة تزايد نفوذه و كان أحد الأسباب المحاولة الفاشلة لتفجير إلعال . 

هناك الكثير  من هذه الأمثلة عن تخلّف المخابرات السوريّة و قد استحقّت على أعمالها الخارجيّة بجدارة لقب صاحبة  أغبى إرهاب في العالم! ومع ذلك  مازال الكثيرون يخشونها بسبب غبائها نفسه، فهي تشبه كائن بدائي قادر على فعل أي شيئ !!. ملف إرهاب نظام الأسد كبير جدّا، وقد سار بشّار على خطى أبيه بجرائم اغتيالات كثيرة تقود خيوطها بكل بساطة إلى المنفّذ، حيث لم يستطع إلا أن يكون نفس الإرهابي الغبي . هذا النظام الإرهابي نفسه يراه بوتين السلطة الشرعيّة في سوريا !!!.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات