سوريات فقدن أزواجهن ولم يفقدن العزيمة والأمل

سوريات فقدن أزواجهن ولم يفقدن العزيمة والأمل
أثقلت الحرب من الأعباء على الجميع في سوريا، وفي مقدمتهم المرأة التي أصبحت اليوم تمارس في كثير من العائلات دور المعيل والمربي غالباً، بعد الرجل الذي كانت تتكئ عليه، ماجعلها تبحث عن سبل جديدة لمقاومة الأوضاع المعيشية الصعبة.

واقع دفع "أم جميل" إلى حضور دورات التعليم التي تقيمها جمعية (نساء سوريا الحرة) بغية تعلم مهنة الحياكة، وهي إحدى المهن التي تطوعت مجموعة من السيدات صاحبات الخبرة المتواجدات في المناطق المحررة بمدينة حلب.

أم جميل فقدت زوجها خلال إحدى عمليات القصف على حي السكري العام الماضي، بعد أن استهدف طيران قوات النظام المركز الإغاثي في الحي.

وجدت هذه السيدة في تعلم إحدى المهن النسوية، سبيلاً يساعدها بمواجهة الظروف المعيشية الصعبة، بعد أن أصبحت أماً ومعيلاً لطفليها (شهد) ابنة العشر أعوام، و(جميل) صاحب السبعة أعوام.

عدم الاستسلام

وتتحدث أم جميل لـ "أورينت نت" عن الدورة التي تتبعها في هذا المجال فتقول: فكرة المكوث في المنزل وانتظار المساعدات الإغاثية التي تقدمها الجمعيات لم تعد مقبولة، فهي لاتكفي حتى نهاية والشهر، ونتيجة كثرة المتطلبات والواجبات التي فُرضت علي نحو أطفالي بعد استشهاد زوجي، دفعتني للبحث عمل يعيلني وطفليّ دون الحاجة لأحد.

وتضيف: بعد حضوري عدة دورات في تعلم مهنة الخياطة، تمكنت من الحصول على آلة قديمة من إحدى الجمعيات الخيرية، وبدأت بالعمل داخل المنزل بالقرب من أطفالي، فأنا لا أمتلك مؤهل علمي أو شهادة جامعية، لتشكل هذه الآلة مصدر رزقي الوحيد في ظل المعاناة التي نعيشها.

الاعتماد على الذات

وليس ببعيد عن واقع أم جميل، فقد اضطرت "حسناء" إلى تعلم مهنة التمريض، والعمل في إحدى المشافي الميدانية. وعلى الرغم من صغر سنها الذي قد يوفر لها فرصة زواج آخر، لم تقدم على هذه الخطوة التي اعتبرتها اجحافاً وظلماً بحق أطفالها.

تقول حسناء: رفضت عروض الزواج أكثر من مرة بعد مقتل زوجي، بسبب الحرص على أطفالي، وبعد عام من فقداني لزوجي وازدياد أعباء الحياة، بادرت إلى تعلم التمريض رغم معارضة عائلتي في بداية الأمر، لكن الواقع حتم علي العمل من أجل أسرتي.

وتضيف حسناء: الكثير من المنازل أصبحت فيها المرأة هي المعيل الوحيد لعائلتها، وإذا ما ظللنا ننتظر المساعدة، فلا يمكن لأطفالنا العيش بكرامة واستقلالية، وقد ينجر البعض منهم مستقبلاً إلى مستنقع الكسل والعيش على نفقة الآخرين، لذا قررت الشروع في العمل والاعتماد على ذاتي لتوفير المصاريف العائلية، حتى يكون درساً لأطفالي أيضاً في كبرهم.

التعليم والتدريب

إلى اليوم لم تقدم أي جهة رسمية إحصائيات لأعداد الأرامل والمتضررات من الحرب التي تشنها قوات الأسد على الشعب، ما دفع معظم الجمعيات الإنسانية والمدنية إلى الإعتماد على أرقام مجالس الأحياء والمجالس المحلية، في عملية تقديم المساعدات للنساء المتضررات، بينما وجدت بعض الجمعيات في إقامة دورات مصغرة للنساء الراغبات في العمل حلاً مبدئياً يساهم في توفير مردود مادي لهن.

(جودي الحلبي) مديرة المكتب القانوني في جمعية نساء سوريا الحرة في حلب، تتحدث عن تجربة الجمعية في هذا المجال والحلول التي توصلت لها للتعاطي مع هذه الظاهرة، فتقول:

في بداية انطلاق الجمعية سعينا إلى توفير جميع متطلبات النساء الأرامل وغيرهن من النساء المتضررات من الحرب، إلا أن جهودنا اصطدمت بالأعداد الكبيرة، ما اضطرنا للعمل ضمن مناطق محددة، وتركيز اهتماماتنا على عدد من النساء لفترة تسمح لهن بالاستفادة مما نقدمه والانتقال بعدها إلى مناطق أخرى.

نجاح مشجع

وتتابع الحلبي: أكثر الأساليب التي لاقت نجاحاً في مساعدة المرأة في ظل العجز الإقتصادي الذي تعيشه معظم المؤسسات الثورية، هي الدورات الطبية لتعليم مهنة التمريض، بالإضافة إلى دورات المهن النسوية، حيث استطاعت الجمعية تخريج دفعتي تمريض من النساء وتوفير فرص عمل لهن في المشافي الميدانية والمراكز الطبية، بالإضافة إلى تعليم ما يقارب الخمسين سيدة وفتاة عدد من المهن النسوية مثل (الحياكة وتصفيف الشعر) وباقي الأعمال المنزلية التي تسمح لهن بالعمل داخل منازلهن.

 

قد تكون هناك العديد من الجمعيات والمؤسسات التي تقدم مساعدات للنساء المتضررات من الحرب، لكن القليل منها فقط من يعتمد برامج تدريب وتعليم نسوية مناسبة، الأمر الذي يجعل من توسيع هذه البرامج ضرورة ملحة.

ويتفق الجميع على أن الوقوف إلى جانب الأمهات الأرامل بشكل خاص، من أهم القضايا التي يجب التركيز عليها، لما لها من تبعيات قد تؤثر على مستقبل جيل كامل، الأمر الذي يجعل من المؤسسات الثورية والمدنية أمام تحد كبير في مواجهة هذه القضية.

 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات