تركيا ..الخطر الروسي وصل إلى الجنوب

تركيا ..الخطر الروسي وصل إلى الجنوب
حولت روسيا مطار حميميم في اللاذقية إضافة لميناء طرطوس و ميناء اللاذقية إلى قواعد عسكرية روسية في البحر المتوسط، لتحصل أخيراً على موطئ القدم على شواطئ المياه الدافئة الذي حلمت به لقرون.

تدعي روسيا أن هدفها من عمليتها العسكرية في سوريا هو محاربة (الإرهاب)، لكن نظرة فاحصة لما استجلبته من عتاد و أسلحة تعطي انطباعاً أن (الإرهاب) ليس الهدف الوحيد الموضوع على لائحة هذه الحملة .

فقد نقلت روسيا كمية معتبرة من العتاد و الأسلحة بحراً و جواً إلى قاعدتها الجديدة التي نشرتها فيها طائراتٍ قاذفة و مقاتلة و عرباتٍ مصفحة وعدة مئات من الجنود وغيرها من صنوف الأسلحة.

معركة برية :

تتمثل المعركة المتوقعة لروسيا في سورية في عملياتٍ ضد قواتٍ برية تمتلك أسلحة فردية و خفيفة و متوسطة و كماً محدوداً من المدرعات و المدفعية و العتاد الثقيل عموماً، لكنها لا تمتلك قوة جوية أو أي بطاريات دفاع جوي أو أي منظومات عسكرية متطورة .

فحتى تجهيزات الاتصالات العسكرية تكاد تكون شبه معدومة لدى الثوار، عدا عن أجهزة السطع العسكرية بمختلف أشكالها و على رأسها الرادارات و أشباهها.

فعلى الرغم من تواضع الإمكانات العسكرية لدى الثوار و تخلفها في الكثير من المجالات كما أسلفنا إلا أن روسيا نشرت مجموعة من التجهيزات و المنظومات العسكرية في مطار حميميم تتجاوز تلك التي تحتاجها في قتال قوات مشابهة في بنيتها و تسليحها للثوار على اختلاف فصائلهم و توجهاتهم.

طائرات مقاتلة :

أن ترسل روسيا إلى سوريا قاذفات تكتيكية كالسوخوي 24 و طائرات إسناد ناري مباشر مثل سوخوي 25 أو مي 24 فهو أمر مفهوم من الناحية العسكرية بالنسبة لطبيعة المعركة المتوقعة للقوات الروسية و حاجاتها .

لكن روسيا أرسلت مع هذه الطائرات ثمانية طائرات على الأقل تصنف على أنها (متعددة المهام) .

أي أنها أرسلت ثمانية طائرات قادرة على عمليات القصف الأرضي و القتال الجوي ضد الطائرات، حيث ظهرت هذه الطائرات مسلحة بصواريخ جو – جو بعيدة المدى قادرة على الاشتباك مع طائرات متطورة على أبعاد تصل حتى 100 كم <1>.

حيث تظهر طائرات سوخوي 30 و سوخوي 34 في الكثير من الصور و المقاطع للقاعدة الروسية في مطار حميميم و قد سُلّحت بصواريخ جو – جو و تقوم بطلعات جوية برفقة الطائرات القاذفة .

تنسيق مشترك :

لم يذكر حدوث أي اشتباك جوي بين قوات التحالف و طائرات نظام الأسد خلال فترة نشاط طائرات التحالف فوق الأراضي السورية، و الاشتباكات المحدودة التي حصلت كانت مع الطائرات التركية قبل بداية عمليات التحالف (إضافة لإسقاط طائرة استطلاع أمريكية ) <2>.

حالة التنسيق التي أعلنت عنها روسيا مع إسرائيل لمنع حالات الاشتباك الجوي تلغي الحاجة لعمل هذه الطائرات لحماية القاذفات الروسية خلال عملياتها جنوبي سوريا، إضافة إلى عدم وجود الكثير من النشاط للطائرات الروسية القاذفة تجاه الحدود العراقية و وجود تنسيق معها، ما يعني فعلياً أن الطائرات الروسية المقاتلة موجودة لحماية القاذفات أثناء عملها بالقرب من المجال الجوي التركي أو( حتى عند اختراقه) .

تحرش جوي :

يدعي الروس أنهم زودوا طائراتهم بأحدث منظومات الملاحة الجوية من منظومات توجيه عاملة بالأقمار الصناعية (غلوناس)، ما ينفي فرضية دخول الطائرات الروسية إلى المجال الجوي التركي بالخطأ و يثبت كون عمليات الخرق الجوي هي استفزاز مباشر لتركيا، يدعم ذلك حالات الاشتباك الجوي التي حدثت لأكثر من مرة بين الطائرات الروسية والتركية .

حيث سجلت أكثر من حالة (إطباق راداري) <2> من الطائرات الروسية أو السورية على الطائرات التركية خلال الحملة الجوية الروسية، ما يشكل استفزازاً كبيراً جداً للجيش التركي و تهديداً مباشرا لطائراته .

 يزاد عليها حالة الاشتباك الجوي بين الطائرات اليونانية و الطائرات التركية و التي على الرغم من كونها حالة معتادة بالنسبة للجارين الخصمين لكنها لا تخرج عن سياق الوضع العام، حيث تميل اليونان في علاقاتها للجانب الروسي حالياً بسبب ما تعانيه من أزمة على عدة صعد<3>.

على الرغم من أن عدد الطائرات الروسية في القاعدة الجوية قليل نسبياً لكنها قادرة على استفزاز الطائرات التركية و الدفاعات الجوية التركية، خصوصاً بسبب وجود عدد كبير من طائرات ميغ 29 التابعة للنظام و القادرة على دخول اشتباك جوي بجانب هذه الطائرات ضد الطائرات التركية (ربما يقودها طيارون روس) .

ما قد يحول المنطقة الحدودية بين سوريا و تركيا إلى ساحة معركة جوية ضخمة بين الطائرات التركية من جهة و الروسية والسورية من جهة ثانية و التي قد تتطور إلى أمور أكثر خطورة .

 

دفاع جوي :

نشرت روسيا عدة عربات دفاع جوي قصير المدى في قاعدتها الجوية كما  يوجد بطارية دفاع جوي بعيد المدى ضمن الطراد (موسكفا) المرابط على الساحل السوري تغطي الميناء و المطار<4> .

ومن المعروف وجود عدة  بطاريات دفاع جوي في المنطقة الساحلية لدى النظام والتي يعتقد أن الروس هم من يشغلها أو يشرف عليها بشكل مباشر و  سبق أن تحرشت بالطائرات التركية أكثر من مرة خلال الحملة الجوية الروسية و قبلها كما أنها أسقطت طائرة تركية سابقاً .

حرب إلكترونية:

إضافة للطائرات المقاتلة و بطاريات الدفاع الجوي نشرت روسيا منظومة تشويش إلكتروني واحدة على الأقل في مطار حميميم<5>، سربت صورها خلال الأيام الماضية خلال مقطع فيديو نشر من القاعدة .

 لا تعمل هذه المنظومة  ضمن النطاقات الترددية لعمل أجهزة الثوار اللاسلكية، لكنها تعمل ضمن النطاقات الترددية للرادارات و أنظمة التسديد و التوجيه للمقذوفات الموجهة و التي لا يمتلكها الثوار بالمطلق، ما يعني أنها موجهة ضد الطائرات التركية التي تعتبر التهديد الجوي الوحيد في المنطقة للقاعدة الروسية.

عدا عن منظومة التشويش السالف ذكرها زودت روسيا قسم من طائراتها المقاتلة في سوريا بتجهيزات تشويش متطورة مخصصة ضد الرادارات، و التي تستطيع التشويش على رادارات الدفاع الجوي و رادارات الطائرات المقاتلة و يبدو أن الرادارات و الطائرات التركية هي الهدف الأول لهذه المنظومات.

كذلك فقد أرسلت روسيا طائرة استطلاع نوع (اليوشن 20) قادرة على إجراء عمليات الاستطلاع الالكترونية و البصرية التي تشمل إضافة لمحطات اتصالات الجيش الحر محطات الرادار و الاتصالات اللاسلكية التابعة للجيش التركي، خاصة بسبب طيرانها في المنطقة الشمالية من سورية و المحاذية لتركية <6>.

فطيران هذه الطائرة في تلك المنطقة يسمح لها بإجراء عمليات سطع راديوي و راداري للعمق التركي و بخاصة عند الطيران على ارتفاعات عالية، اضافة لإجراء استطلاع بصري و رسم خرائط جوية للحدود التركية و أنتشار القوات التركية على طول الحدود .

عدا عن ذلك وجود الكثير من تجهيزات السطع المختلفة على متن القطع البحرية الروسية التي ترابط قبالة الشواطئ السورية و التي ستعمل على مراقبة الطائرات و القطع البحرية التركية بشكل وثيق .

 فكي كماشة

لم يسبق لتركيا خلال حروبها الطويلة مع روسيا أن تعرضت لهذا الموقف، فالقوات الروسية موجودة تاريخياً شمال تركيا و على حدودها مباشرة من جهة البحر الأسود لكنها الأن أصبحت على الحد البري الجنوبي لتركيا للمرة الأولى في التاريخ.

هذا يعني أن وجود القوات الروسية في سوريا ليس معزولاً فعلياً عن القوات الروسية في شمال تركيا، فأي اشتباك أو تصادم سواء جوي أو بري قد يتطور الي صدام جوي أو بحري في البحر الاسود بين تركيا و روسيا و هذا ما قد يبرر الحذر التركي في الرد على الاستفزازات الروسية و التي تتم فعلياً بطائرات تابعة للنظام السوري.

وقد يعتبر هذا الخطر الذي تستشعره تركيا المحفز الأساسي للتصريحات التركية الأخيرة في ما يخص علاقتها بروسيا.

صواريخ طوافة:

مجموعة الصواريخ الطوافة التي اطلقتها روسيا من بحر قزوين بشكل استعراضي خالي من أي حاجة عسكرية حقيقية أو مبرر تكتيكي تدخل ضمن نفس السياق كتهديد لتركيا، لكن روسيا لم تمرر تلك الصواريخ فوق تركيا بدون التنسيق معها لأنها ستتسبب بمستوى هائل من التصعيد قد يتسبب باشتباك مباشر خصوصاً في حال اعترضت الدفاعات الجوية التركية هذه الصواريخ <7>.

خلاصة :

التوتر الحالي في العلاقات التركية الروسية يبرره الانتشار العسكري الروسي غير المسبوق في البحر الأبيض المتوسط و طبيعة هذا الانتشار الذي لا يخلو من أهداف أكبر مما هو معلن و الذي يحمل في طياته تهديداً واضحاً لتركيا الجار القوي الناهض في الشرق الأوسط .

الهوامش :

<1>صواريخ R-27 و صواريخ R-77 اضافة لصواريخ أخرى بمديات مختلفة.

<2>الإقفال أو الإطباق الراداري :

و هي حالة تحدث عند تسديد الصواريخ الموجهة رادارياً تجاه الطائرة المعادية (قبل اطلاقها) و تكتشفها الطائرة المستهدفة بواسطة جهاز إنذار يتلقى إشارة رادار الطائرة المعادية و يحدد نوع الطائرة أو بطارية الدفاع الجوي بناء على طبيعة الاشارة الملتقطة.

<3>ليس مستغرباً حدوث اشتباك جوي بين طائرات تركية و يونانية فقد تكررت هذه الحوادث مراراً منذ سيطرة تركيا على شمالي قبرص، لكن لا يمكن عزل الاشتباك الذي حدث مؤخراً عن السياق العام لمشهد التقارب اليوناني الروسي بسبب أزمة الديون اليونانية .

وقد وافقت اليونان على تمرير الطائرات الروسية في مجالها الجوي على الرغم من معرفتها الأكيدة بحمولتها من الأسلحة .

<4>نشرت عربات (بنتسير) للدفاع الجوي قصير المدى في المطار، كذلك يحتوي الطراد موسكفا المرابط أمام السواحل السورية على منظومة دفاع جوي تعتبر نسخة بحرية من S-300 مداه حتى 300 كم .

<5>شوهدت محطة (كراسوخا) واحدة على الأقل في سوريا في مطار حميميم، حيث ظهرت في إحدى الفيديوهات عن المطار، إضافة لظهور صور محطات تشويش أخرى في أكثر من منطقة.

 <6>طورت تركيا مجموعة من التجهيزات العسكرية في عدة مجالات قد تُستهدف بعمليات السطع الالكتروني سواء الراديوي أو الراداري لمعرفه مواصفاتها و قدراتها بخاصة تجهيزات الدفاع الجوي و التجهيزات المرتبطة بالقوات الجوية، عدا عن بطاريات الباتريوت التابعة لحلف الناتو و التي قد تعمل الطائرات الروسية على استهدافها بعمليات السطع .

 

 <7>تطير الصواريخ الطوافة ( عكس الصواريخ البالستية )بالقرب من سطح الأرض متماشية مع تضاريسها على ارتفاع لا يتجاوز العدة عشرات من الأمتار .

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات