إذاً موسكو كانت تبحث عن حلول سياسية بأدوات عسكرية، ونقول هذا الكلام من خبراتنا ومعرفتنا بالعقيدة الروسية التي تعتمد بمجمل عملياتها على الخطط المعدة مسبقاً، والتي تحتاج للكثير من الروتين العسكري والتدقيق، لأن الضباط الروس ما زالوا يخضعون للعقيدة السوفييتية التي تميزت بحسابها العسير لأي خطأ يُرتكب، ولأنهم يعلمون أن خطأ الضابط الأول هو خطأه الأخير، وبالتالي تكون القيادة الروسية قد مارست خداعاً وتضليلاً بإظهارها التوجه لحلول سياسية وهي تعد للقتال واحتلال سوريا، وقد يكون هذا الأمر اُعد بعلم بعض هؤلاء (المعارضين) وخصوصاً بعد تصريحاتهم المرحبة بالقوات الروسية على الأراضي السورية بعد أن كانوا يكيلون الاتهامات لكل أعضاء الائتلاف ومعارضة الخارج أنهم يستقدمون التدخل الخارجي المرفوض من قبلهم على حد زعمهم، ولا ندري أن كانت هي الشمس التي بشرنا بها شيخنا الكريم معاذ الخطيب عندما عاد من روسيا ليقول: هل تشرق الشمس من موسكو؟؟
بالعودة إلى ساحات الميدان وعلى الساحل السوري نجد أن هناك تغيرات عسكرية متسارعة من حيث توالي الضربات الجوية والمناورة بالقتال على عدة جبهات، وتجلى هذا الأمر على اتجاهين:
- اتجاه التعزيز والدعم والمساندة: ووجدنا السفن الروسية لا تكاد تغادر مينائي اللاذقية وطرطوس حتى تعود إليها محملة بآلاف الأطنان من الأسلحة والذخائر المتنوعة والمتطورة، مع عدة رحلات يومية لطائرات (اليوشن) و(الأنتينوف) إلى مطارات حميميم والمزة العسكري ومطار دمشق الدولي، وكثيراً ما اضطرت سلطات نظام الأسد لقطع الطرق الواصلة بين اللاذقية وطرطوس ومنع استخدامها من قبل للمدنيين لضمان سلامة تحرك الأرتال الروسية التي تتنقل لمواضع تحشدها في (الصلنفة، سطامو، صنوبر جبلة، مطار حميميم، مقر قيادة الروس في الكلية البحرية).
اتجاه الضربات الجوية التي أعلنتها روسيا تحت شعار محاربة الإرهاب الذي أصبح المظلة وجواز السفر التي تعبر منه كل القوى الخارجية للحرم السوري، بحيث أصبحت سماء سوريا بحاجة لشرطة سير جوية كي تستطيع تنظيم مرور طيران عشرات الدول في السماء السورية، ومع ذلك ما زال هناك معتوه يخرج من دمشق ويتحدث عن (السيادة الوطنية).
السفن الروسية الحربية بأنواعها المختلفة وطرازاتها المتنوعة ما زالت تتقدم للشواطئ السورية عابرة البحر الأسود ومضيقي البوسفور والدردنيل، وكان آخرها اسطول البحر الأسود الذي يتقدم باتجاه البحر المتوسط، وكانت سبقته حاملة طائرات صينية مع خمسة سفن حماية بقيادة السفينة (071).
الضربات الروسية التي أرادت أن تشرعن وجودها بطلب (شكلي) من محتكر السلطة في سوريا (بشار الأسد) والتي سبقت رسالة استجدائه لروسيا وصول عشرات الطائرات والقطع الحربية وتمركزها في الساحل السوري، بتعبير واضح عن تهميشه وعدم الاكتراث بوجوده، ولزيادة بهارات تلك المسرحية الهزلية خرجت موافقة من البرلمان الروسي تعطي الضوء الأخضر لـ(بوتين) لتوجيه ضربات جوية في سوريا، لكن الموافقة وصلت واستلمتها القيادة االعسكرية الروسية بعد عودة طائراتهم من مهام قتل السوريين، بدلالة على شكلية تلك الموافقة والتي نُوقشت وأُقرت خلال خمس دقائق بتشبيه كامل لما قام به برلمان (الأسد) الذي عدل كل القوانين التي تعترض طريق وصوله لأن يكون رئيساً وخلال نفس العدد من الدقائق.
الضربات الروسية التي وضعت هدفاً لها مواقع تنظيم داعش كانت أقرب ضرباتها تبعد عنه من (30-50) كم، فضرباتها كانت موجهة للخطوط الدفاعية الأولى للجيش الحر المرابط على خطوط النيران في جبهات الساحل (آخر موقع قصفه الطيران الروسي بالساحل وفي جبل التركمان هي منطقة اليمضية وشحرورة على الحدود التركية مباشرة) وريف حماه وريف حمص، ومنها ما طالت وحدات دربتها الإدارة الأمريكية ومستودعاتها، وكثيراً من تلك الضربات ما طالت المدنيين من أطفال ونساء وكثيراً من الفيديوهات خرجت لتوضح نتائجها، ولتفضح وتعطي دلالة واضحة عن الأهداف الحقيقية للغزو الروسي للأراضي السورية، وتتمثل تلك الأهداف بإعلان الحرب على الثورة والشعب السوري الثائر، وتلك الأهداف لم ينكرها (بوتين) عندما قال: كل المجموعات التي يعتبرها الأسد إرهابية ستكون هدفاً لنا وسنحاربها، وتابع وزير خارجيته (لافروف) بنفس المعنى عندما قال: حصلنا على بنك معلوماتنا عن الأهداف من تعاوننا مع القوات السورية، اذا من الواضح أن تلك الأهداف لن تكون إلا كتائب وفصائل الجيش الحر التي تعتبر من ألد أعداء النظام ويصنفها زوراُ وبهتاناً أنها مجموعات إرهابية.
وبتتبع جغرافي للخط البياني الذي طالته الضربات الجوية للطائرات الروسية نجد ان معظمها كانت على حدود (سورية المفيدة)، التي نصحت بها موسكو للأسد كمنطقة يمكن أن يحتفظ بها بعد فقدان سيطرته على معظم مساحة سوريا الكبرى، بدلالة واضحة لهدف التقسم الذي يسعى إليه (بوتين) و(الأسد)، وترافقت تلك الضربات مع أمر خطير آخر يتمثل بإنذار وجهته سلطات (الأسد) لسكان ثلاث قرى (سنية) هي (سنيسل، جوانك، المحطة) بضرورة مغادرة قراهم باتجاه المناطق المحررة من قبل الجيش الحر بتطهير عرقي مفضوح.
ما عجز عنه حزب الله لم تستطع إيران فعله، وما عجزت عنه إيران لن تنجح فيه القوات الروسية، رغم أن روسيا عملت ما فات أمريكا في حربها على الارهاب، عندما أغفلت دور المشاة الأرضية المساندة للضربات الجوية، فالمعلومات الواردة تقول أن هناك تحشدات إيرانية ومن حزب الله وثلاثة آلاف نيجيري مرتزق وصلوا لسهل الغاب دربتهم إيران تحضيراً لمعركة برية قد تكون ساحاتها سهل الغاب والمناطق المحيطة بجسر شغور، وكل تلك الأعمال تقاد من غرفة العمليات الاستخبارتية التي أُنشئت في بغداد وتضم إلى جانب روسيا كلاً من إيران ونظام العبادي ونظام الأسد أما إسرائيل فتدخل لتلك الغرفة عبر تنسيقها المعلن مع روسيا.
الدب الروسي وقع بالمصيدة التي سهلها ونصبها له الغرب لعلمهم بتهور ضابط المخابرات السابق والرئيس الحالي (فلاديمير بوتين)، القوات الروسية بغزوها للأراضي السورية جعلت من سوريا قبلة لكل مجاهدي العالم الذين يحملون في صدورهم ثأراً ضد روسيا، وكات أولى تلك التوجهات إنشقاق جيش المهاجرين (قوقاز وشيشيانيين) عن تنظيم داعش ويبلغ تعداده ما يفوق الألفي مقاتل ومبايعتهم لتنظيم (جبهة النصرة) مقابل السماح له بالوصول إلى الخطوط الأقرب لتمركز القوات الروسية.
الدب الروسي غاب عنه أيضاً أن عزيمة الأفغان وقوة وإرادة مقاتلي الشيشان ليست بأكبر وأقوى مما يملكه أبطال الساحات السورية من أبناء الثورة، الجيش الحر وكافة الفصائل التي تقاتل على الساحة السورية كانت قوات ثورية تقاتل ميليشيات تتبع لديكتاتور وطغمة فاسدة، والآن أصبحت قوات مقاومة شعبية تقاتل محتل روسي، الغرب أراد أن يستنزف روسيا ومن قبلها إيران وحزب الله، لكن بوتين أراد الهروب للأمام من ورطته في أوكرانيا والواضح أن بوتين وقع في فخ مزدوج، فخ الاستنزاف الاقتصادي والعسكري لاقتصاد روسي متهالك، وفخ الوقوع بين أيدي الثوار السوريين، ترى كم يتحمل (بوتين) من تلك الضغوط؟؟
فأمام بوتين أحد فخين وأحد احتمالين: إما أن تكسر رجليه أو يكسر ظهره، وقادمات الأيام تخبرنا بما نجهله اليوم.
محلل عسكري واستراتيجي
التعليقات (8)