برزت الآلة الإعلامية الروسية الضخمة في السنوات الأخيرة، بقدرتها الكبيرة على القيام بحملات تضليل اعلامي واسع، لا سيما بما خص أوكرانيا وسوريا، وقبل بدء روسيا بحملتها العسكرية في سوريا بأيام، قام الإعلام الروسي بشن حملة جديدة من البروباغاندا.
بعد 17 شهراً من العدوان الروسي على "أوكرانيا" قام الروس بتحويل تركيز آلتهم الإعلامية للضحية الجديدة "سوريا"، ويرى "كريستوفر ميللر" في مقال له بعنوان "وسائل الاعلام الروسية تطلق الحرب الدعائية سوريا" على موقع " Mashable" الإعلامي أن "البروباغندا" الروسية بخصوص سوريا، لا تختلف كثيراً عما كانت عليه في الحالة الأوكرانية.
سوريا "أرضنا المقدسة"
وكان الإعلام الروسي اعتمد في تغطيته لغزو "أوكرانيا" على مقولة (يجب أن ننقذ "أخوتنا الروس والناطقين بالروسية" في أوكرانيا)، وحالياً، بالنسبة لسوريا، يعود الاعلام الروسي، للحفر في التاريخ، باحثاً عن علاقات بين الشعبين، فيخترع مقولة غريبة يستخدم بها المعتقدات الدينية، كما فعلت إيران قبله، فخرج اعلام بوتين ليقول "إنها سوريا .. إنها أرضنا المقدسة".
وفي برنامج حواري على قناة "روسيا 24" يقول أحد المتحاورين عن سوريا "إنها أرض مقدسة، إنها لنا نحن الروس .. إنها أرضنا المقدسة" ويكمل المحاور بأن "المسيح" جاء من سوريا، ولولم تكن هناك سوريا لم تكن هناك أرثوذكسية في روسيا، وبشكل واضح "لو لم تكن سوريا لم تكن روسيا".
وهي مقولة مشابهة لما قاله المسؤول الإيراني (مهدي طالب) في شباط من العام الماضي، أن سورية أكثر أهمية من اقليم "كازاخستان"، وأنه بحالة المفاضلة فإن إيران تختار سورية، حيث أن "اذا استطعنا الاحتفاظ بسورية فيمكننا استرجاع كازاخستان، أما اذا خسرنا سورية فهذا يعني أننا خسرنا طهران".!!
الكذب ملح الروس
وكما أنكرت روسيا تدخلها العسكري المباشر في أوكرانيا، فهي اليوم تنكر تدخلها العسكري في سوريا، فروسيا تدعي أنها تقوم بعمليات "محدودة" فقط تتعلق كما تدعي بضرب تنظيم "داعش"، وبالرغم من كل الأدلة على الكذب الروسي، تصر روسيا على المضي في الإنكار في كل وسائل إعلامها.
مع بدء الغارات الجوية على سوريا، ومقابل التصريحات الدولية والتقارير الإعلامية عن استهداف الطيران الروسي للمدنيين السوريين واستشهاد العشرات من الأطفال والنساء بسبب الصواريخ الروسية، قام المسؤولون الروس بحملة مضللة مضادة، وتم تبني مقولاتهم وروايتهم لما يجري من مختلف وسائل الإعلام العالمية بمقدمتها "رويترز" والـ"بي بي سي" دون تمحيص تلك الادعاءات، ومقارنتها على الأقل بأرشيف هذه الوكالات والشبكات الإعلامية، ليتأكدوا على الأقل من أسماء المناطق التي يرددها الروس.
وخرجت "ماريا زاخاروفا" المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية على الصحفيين في الامم المتحدة يوم الأربعاء الماضي، لتقول بأن كل التقارير عن "قتلى" بين المدنيين السوريين هي "تقارير منحازة وخاطئة"، وأن لا أساس لها من الصحة، أما "ديمتري بيسكوف" المتحدث باسم الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" فلم ير في تلك التقارير إلا "معلومات مغلوطة، وتعتمد على معلومات كاذبة"، لليعيدوا على أسماعنا كل ما كنا نسمعه في الفترة الماضية عن أوكرانيا.
وزارة الدفاع الروسية
أما وزارة "الدفاع" الروسية فقد خصصت صفحتها على تويتر وفيس بوك لنشر تغطيتها الخاصة عن الغارات الجوية، ورفضت أي كلام عن استهداف للمدنيين، ونعتته بالكذب المحض في عدة تغريدات، واكتفت من جهتها بنشر صور للغارات من قلب الطائرات، وذكر عام لأماكن القصف وبشكل دائم الهدف هو "داعش" بحسب ما تنشره.
ويلفت "ميللر" في مقاله أن طاقم الإعلاميين الذين انتدبهم الكرملين هم نفس أولئك الذين غطوا المعارك في أوكرانيا، وتقوم هذه الطواقم كما فعلت من قبل في أوكرانيا بنشر صورها على مواقع التواصل الاجتماعي، والانستغرام أمام الدبابات وفي مدينة دمشق.
حيث نشروا عدة صور لهم، عندما كان بوتين يتكلم بالأمم المتحدة، من قلب العاصمة محاطين بشبيحة النظام وموظفيه، على أنهم ابناء الشعب السوري المهتمين بخطاب بوتين، ومرحبين بتدخله في سوريا بنفس الطريقة كما فعلها الإعلام الروسي من قبل في أوكرانيا.
رفض شعبي
وبعكس الحالة الأوكرانية لم يستطع بوتين الحصول على موافقة شعبية على ارسال جنوده إلى سوريا، حيث 14% من الروس فقط يؤيدون هذه الخطوة بينما 50% لا يهتمون، ويعيد "ميللر" السبب في ذلك إلى الفشل الروسي في أوكرانيا، ويقول "أليكس كوكشاروف" المحلل السياسي، المهتم بالشأن الروسي الأوكراني، عن تدخل بوتين في سوريا إن "السبب الوحيد الواضح لتحويل بةوتين تركيزه إلى سوريا هو فشله في تحقيق أهدافه في دونباس" المدسنة الأوكرانية.
ويضيف أليكس "لأن ذلك يمكن استغلاله لتغطية لمشاكله الاقتصادية و المجتمعية"، كما أن الذكرى السيئة للورطة السوفييتية في أفغانستان تدفع بالكثير من الروس لرفض التوجه نحو سوريا.
ويركز الإعلام الروسي على أن روسيا ستنجح في القضاء على "الارهاب" الذي فشلت به أمريكا، بل وذهبت وسائل الإعلام إلى القول بأن الموقف الأوروبي والأمريكي من التدخل الروسي بسوريا هو بسبب "الغيرة" من نجاحها.!
وكما قام الإعلام الروسي بالتستر على الحجم الحقيقي للتورط العسكري الروسي في اوكرانيا، يقوم الآن هذا الإعلام بنفس الشيء في سوريا، فلا يذكر شيئاً عن حجم التواجد العسكري الروسي "2000 جندي ومستشار ومدرب، وعشرات الطائرات الحربية، بالإضافة للمدرعات".
شركاء في سفك الدماء
ليس جديداً أن يكذب بوتين، إذ لطالما كذب بما يخص بالمجازر التي ارتكبها في الشيشان، وبخصوص اعتدائه على جورجيا وأوكرانيا، وتابع تلك المسيرة من الكذب بسوريا الآن.
المشكلة بل الكارثة، هو بما يحصل على الساحة الإعلامية والسياسية الدولية، ذلك التواطؤ المعيب مع المزاعم الروسية وتبنيها ونشرها، مع تجاهل لا انساني لعشرات الشهداء الذين قتلتهم صواريخ بوتين ووزير خارجيته لافروف، حيث تقوم معظم وسائل الإعلام الغربية، وبعض العربية باعادة نشر ما يدعيه الروس دون أي تحقيق أو تمحيص وبالتالي يشاركون بوتين في دم السوريين من حيث أرادوا أو لم يريدوا.
التعليقات (2)